قبل أن أغادر «كان»، عشت نحو 6 ساعات تحت تهديد موت «الإنترنت»؛ بسبب انقطاع الكهرباء، وبالتالي ضياع كل شيء له علاقة بممارسة المهنة، لا أهمية للجوال، ولا جدوى من الكمبيوتر، ولا معنى أساساً لبقائي في كان، فلا أحد لديه إجابة عن سؤالي: متى تعود الكهرباء؟ مرت الساعات بطيئةً، لا يوجد بصيص أمل. هناك مَن اعتقد أن الأمر قد يستمر حتى صباح اليوم التالي. عادت الكهرباء، ولكن لا يزال الخوف يسكنني.
أقطن في الطابق السابع بالفندق، هبطتُ السلم 3 مرات، وصعدتُ مثلها، تجسَّد أمامي عملياً معنى تلك المقولة الشهيرة «النزول من القمة سهل. معاناة الصعود هي المعضلة»، كانت دقات صوت قلبي أعلى من وقع صوت أقدامي على درجات السلم.
تأملت هذا السؤال الذي يتردد دائماً على مدى 33 دورة في «كان»، ما الذي يتبقى في الذاكرة؟ إطلالة النجمة بفستانها المكشوف «أبو ذيل طويل»، الذي يستحوذ بمفرده على نصف «السجادة الحمراء»، ويحتاج داخل القاعة إلى صف من الكراسي ليتمدد عليها، أم أن الفيلم لديه كثير من أسلحة البقاء؟ لا تصدقوا تحذيرات تيري فريمو المدير الفني لمهرجان «كان»، بمنع الملابس المثيرة وقطع ذيول الفساتين الطويلة، شاهدت كثيراً منها في افتتاح الأفلام، وفي كثير من الفعاليات. لم يراجع أحد أي فنانة مشهورة أو مغمورة، ومنعها من صعود سلم قاعة «لوميير»، بحجة مخالفة «كود» الملابس.
النجمة الأميركية السمراء رائعة الجمال هالي بيري، التزمت التعليمات حرفياً، لأنها عضو لجنة تحكيم، ولهذا استبدلت فستاناً أكثر حشمة، في اللحظات الأخيرة، بفستانها.
قبل 36 ساعة أُسدلت ستائر الدورة رقم 78، وحصدت السينما العربية جائزة «الكاميرا دور (الكاميرا الذهبية)»، بوصفها صاحبة أفضل عمل أول للمخرج العراقي حسن هادي عن فيلمه «كعكة الرئيس». نال الفيلم أيضاً جائزة الجمهور في مسابقة «أسبوع المخرجين»، وحصد الأخوان طرزان وعرب (ناصر)، جائزة أفضل إخراج في قسم «نظرة ما» عن فيلمهما الفلسطيني «كان ياما كان في غزة».
لا يزال السؤال: ما الذي يتبقى… الفستان أم الفيلم؟ مارلين مونرو أجابت في مطلع الستينات عن السؤال، ارتدت فستاناً مصنوعاً من قماش رديء (الخيش)، لا تزال تلك الصورة محفورةً في الذاكرة، أثبتت مارلين أن الجاذبية في الإنسان قبل الفستان.
الأفلام التي شاركت رسمياً في «كان» هذا العام، وحظيت بالجوائز، اعتقد أنه سيتكرر معها ما حدث في العام الماضي، عندما وجدنا أن أهم الأفلام التي وصلت للقائمة القصيرة في «الأوسكار» و«غولدن غلوب» كانت محطة انطلاقها الأولى من «كان»، ليثبت المهرجان مجدداً، أنه الأكثر قدرةً على القراءة الصحيحة، والاختيارات الأكثر جاذبية ومصداقية.
في هذه الدورة حضر عدد من النجمات العرب، وخَفَتَ ولا أدري لماذا حضور النجوم، كانت هناك أكثر من نجمة عربية صعدت على السجادة وتألقت بالفستان، وانتعشت الأجنحة العربية في السوق، وحصل الجناح المصري على جائزة الأفضل، رغم أنه يعود بعد غياب متواصل دام 9 سنوات، وعدد من المهرجانات العربية، وجدتْها فرصةً ذهبيةً لإعلان انطلاقها من على شاطئ الريفييرا.
وكرم الجناح السعودي النساء المبدعات في السينما.
وتأتي إجابة السؤال، مهما كانت للفستان قدرة على سرقة الكاميرا، فإن البقاء كان وسيظل للإنسان وللسينما. ليست تلك الإجابة هي الحقيقة المؤكدة، ولكن ما أتمنى أن تصبح هي الحقيقة المؤكدة.