مرَّ وقتٌ طويل على مدينة زحلة لم تشهد فيه مهرجاناً ضخماً. نحو 7 سنوات، وفق روي نصّار، أحد مؤسِّسَي شركة «وايف برودكشنز». يتحدَّث الشاب العشريني بحماسة عن مهرجان «زحلة آبسايد داون»، موضحاً أنَّ التسمية تشير إلى انقلاب الأجواء رأساً على عقب، وإعادة الصخب والنبض إلى المدينة. فزحلة، كما يصفها، غابت عنها المهرجانات الكبرى القادرة على استمالة جمهور من مختلف المناطق، واقتصرت خلال السنوات الماضية على مبادرات فردية صغيرة، أو أنشطة جمعيات وهيئات سياسية، أو حفلات تُقام في الكنيسة. «الإنتاج الضخم هذه المرة سيُفاجئ الجميع»؛ يقول بثقة.

    يشاء المهرجان إعادة النبض إلى المدينة (زحلة أبسايد داون)

    يُخبر «الشرق الأوسط» أنه عمل سابقاً في مصر، ثم عاد إلى لبنان عام 2020 برفقة شريكه، «إيماناً بالوطن»: «أردنا أن نبدأ من هنا، وأن نُقدّم مشهداً مختلفاً». ينظر إلى مدينته بعين الطموح ويُدرك أن التحدّي مُضاعَف. فزحلة، الواقعة في قلب البقاع، تُطارَد أحياناً بصورة نمطية مُجحِفة. يقول: «يرى البعض أنها بعيدة جداً عن بيروت، وهذا غير صحيح. ساعة واحدة، وربما أكثر بقليل. ويعدُّها آخرون منطقة خطرة لا يُفضَّل الاقتراب منها. ينمّطونها كما ينمّطون البقاع عموماً. لكن في زحلة، هناك متّسعٌ لذكريات لا تُنسى».

    ويُدرك أن مُضاعَفة الجهد لا تعود فقط إلى الصورة النمطية، وإنما إلى غياب الخلفيّة الأثرية للمدينة. فمهرجانات بعلبك، كما يقول، تستند إلى إرثها التاريخي وأعمدتها الرومانية، وكذلك مهرجانات بيت الدين وجبيل. «أما زحلة، فمقاربتها مختلفة. ومع ذلك، نطمح لإعادة وضعها على الخريطة السياحية. نؤمن بالمنافسة ونسعى لتحويلها إلى حافز. لذا لا نريد مهرجاناً عادياً، ونخطّط لحدث استثنائي».

    آدم يفتتح أمسيات زحلة (بوستر المهرجان)

    نسأله عن عناصر التميُّز، فيُجيب بحماسة: «للمرّة الأولى في لبنان، سيتّخذ المسرح شكل 180 درجة. نحن على المدرَّج الروماني الذي يشبه نصف دائرة في تصميمه. والمفاجأة أنّ دخول الفنان لن يكون تقليدياً، فقد يظهر من اليمين أو من الشمال بطريقة غير متوقَّعة. نحاول تقديم حدث مُبتَكر بإنتاج لبناني نفتخر به».

    يضمُّ مهرجان «زحلة آبسايد داون»، الذي يُقام في يوليو (تموز) المقبل، 5 حفلات لوجوه محبوبة: الليلة الأولى مع الفنان آدم في 18 منه، ثم الفنان جوزيف عطية في 19، يليه عازف البيانو والمُلحّن ألف أبي سعد في حفله الوحيد في لبنان ليلة 25، ثم الفنان مروان خوري في 26، وتُختتم الأمسيات في 27 مع فرقة «أدونيس» التي تُغنّي للمرّة الأولى في زحلة.

    جوزيف عطية من الأصوات المُنتَظرة في زحلة (بوستر المهرجان)

    يتابع روي نصّار أنَّ المهرجان يؤمِّن وسائل نقل بأسعار رمزية «حتى لا يشعر الوافدون بأعباء إضافية. نريد أن يأتي الجميع؛ من الشمال إلى الجنوب». ويشير إلى حسومات في المطاعم والفنادق وأماكن الترفيه لحاملي بطاقات الحفلات، «لأنّ الهدف سياحي أيضاً: نريد للزائر أن يمضي نهاراً على ضفاف نهر البردوني الشهير، وأن يسهر ليلاً في أجواء المهرجان».

    مروان خوري من الأصوات الدافئة في زحلة (بوستر المهرجان)

    ويتوقّف عند فكرة «اكتشاف المدينة»، ليقول إنّ لافتات إعلانية وُضعت في مطار بيروت بهدف جذب السياح والمغتربين إلى زحلة، لتكون حاضرة على جميع الألسن: «اكتشافها لا يقلّ أهمية عن حضور المهرجان. لا نريد لزحلة أن تبقى مدينة ثانوية أو في ذيل القائمة».

    عازف البيانو ألف أبي سعد يُحيي في زحلة حفله الوحيد بلبنان (بوستر المهرجان)

    ويُشدّد روي نصّار على أن إنتاج المهرجان تمّ «من الصفر، من دون أي دعم سياسي»، وهو يهدف إلى «إحداث صدمة في السوق وقَلْب الموازين». ويؤمن بأنّ زحلة ستستعيد مكانتها على الخريطة السياحية، وسيثبت هذا الحدث ذلك. يعدُ الجمهور بتجربة فريدة تُغريهم بالعودة العام المقبل: «ما سيحدث هذا الصيف لن يمرّ عابراً».

    ومن بين المفاجآت التي يُحضَّر لها، منطاد يُحلّق في سماء المدينة، يُتيح لزوّارها رؤيتها من الأعلى: «يحدُث ذلك للمرّة الأولى في زحلة. النظر إليها من السماء سيكون لحظة استثنائية».

    تُختتم الأمسيات مع فرقة «أدونيس» التي تُغنّي للمرّة الأولى في زحلة (بوستر المهرجان)

    ويكشف أن التحضيرات بدأت منذ نحو 7 أشهر، ويستعيد كيف أنه وشريكه مجد الحولي، ابن الـ25 عاماً، واجها في كلّ مرة قرّرا الاستثمار في لبنان مَن يُحذّرهما بأنها «مخاطرة». لكنه يروي أنَّ الحرب انتهت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فبادرا إلى تنظيم حدث فنّي في بيروت، ليقولا إنّ «الحياة تغلب الموت، والاستسلام مرفوض، والفن يوحّد الناس على الأمل».