موقع الدفاع العربي – 6 يونيو 2025: في زيارة اعتُبرت محورية وقد تمهّد لتشكّل ملامح جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، ظهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وهو يلتقي عدداً من أبرز قادة المنطقة: ولي العهد السعودي، أمير قطر، رئيس الإمارات، وحتى الرئيس السوري، إضافة إلى اتصال بالرئيس التركي. غير أن مشهداً بدا ناقصاً؛ حيث غابت مصر، أحد أبرز الحلفاء التاريخيين لواشنطن في الشرق الأوسط، عن هذا الحراك اللافت.
لم يكن الغياب المصري مجرد تفاصيل لوجستية ضمن جدول مزدحم، بل أثار تساؤلات عديدة، خاصة وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد وقف إلى جانب ترامب والملك سلمان في الزيارة الشهيرة إلى الرياض عام 2017، كما استُقبل بحفاوة في البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترامب، مؤكداً حينها دعمه القوي لكل جهود إيجاد حل لما يُعرف بـ”صفقة القرن”.
هذا يدفع إلى التساؤل: لماذا غابت القاهرة هذه المرة؟ وهل كان الغياب مصادفة بريئة أم نتيجة إقصاء متعمد من قبل واشنطن؟
مع عودة ترامب إلى الواجهة، كانت القاهرة تواجه ضغوطاً أمريكية مباشرة، أبرزها مطالبة باستقبال أعداد من الفلسطينيين النازحين من غزة في إطار خطة تهجير غير معلنة، وهو ما قابلته مصر برفض قاطع أثار استياء الإدارة الأمريكية، وفقاً لما أورده موقع “تايمز أوف إسرائيل”. ذلك الرفض كان نقطة تحوّل في المزاج الأمريكي تجاه القاهرة.
إلا أن مصر لم تنتظر طويلاً؛ إذ بدأت تحرّكاً دبلوماسياً لافتاً نحو الشرق. الرئيس السيسي ظهر في موسكو إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال احتفالات عيد النصر، بينما شهدت القاهرة زيارة نادرة لوزير الخارجية الإيراني، بعد قطيعة دامت عقوداً. في الأثناء، هبطت طائرات عسكرية صينية في مصر للمشاركة في مناورات غير مسبوقة (نسور الحضارة 2025)، وسط أنباء عن صفقات تسليحية تشمل مقاتلات شبح (جي-35) وغواصات هجومية صينية (تايب 039A)، فيما أُعلن رسمياً عن استعداد القاهرة لاستقبال الرئيس الصيني في زيارة قريبة.
هذه التطورات تطرح سؤالاً أساسياً: هل قررت مصر حقاً إعادة توجيه بوصلتها الاستراتيجية شرقاً نحو قوى تُصنَّف مناوئة للولايات المتحدة؟ أم أن ما نشهده مجرد محاولة متوازنة لتنويع الشراكات والحفاظ على سياسة الحياد الاستراتيجي؟
في هذا السياق، وصفت مجلة The Economist البريطانية المشهد الإقليمي بوضوح، معتبرة أن دول الخليج الغنية والمستقرة باتت في قلب الأحداث، بينما تراجعت دول كانت فاعلة في الماضي، وعلى رأسها مصر، إلى موقع المراقب. أما عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق، فقد علّق بأن تباين الرؤى بين القاهرة وواشنطن أدى إلى فتور في العلاقات ينبغي تداركه في أقرب وقت.
ويرى كثير من المحللين أن مصر لم تعد تحتل ذات الوزن الاستراتيجي لدى واشنطن، لا سيما في ظل عجزها الراهن عن إبرام صفقات سلاح كبرى أو ضخ استثمارات واسعة، بل ويرى بعض صُنّاع القرار الأمريكيين أنها باتت تمثل “عبئاً اقتصادياً محتملاً”.
ويبقى السؤال: هل تشكّل زيارة الوزير الإيراني، ومشاركة السيسي في احتفالات موسكو، واستعداد بكين لإيفاد رئيسها إلى القاهرة، مؤشرات على تحوّل فعلي في المسار المصري نحو الشرق؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه أوراق ضغط تستخدمها القاهرة بحنكة في لعبة التوازنات الإقليمية المعقّدة؟
من المؤكد أن مصر تتقدم بخطى واضحة في تطوير علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران، ضمن رؤية لتشكيل تحالفات جديدة أو متوازنة. وتُقرأ هذه التحركات كرسالة موجهة إلى واشنطن: “إذا استمرت الضغوط، فإن القاهرة مستعدة لإعادة النظر جذرياً في شراكاتها”.
ويرى بعض الخبراء بالفعل تقارباً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً متزايداً بين القاهرة وبكين، تجلّى في عدد من الملفات، منها التوافق حول حل الدولتين في القضية الفلسطينية، بما يتعارض مع الطرح الأمريكي، إضافة إلى تنامي التعاون في المنطقة الصناعية بقناة السويس، ورغبة متبادلة في نقل تكنولوجيا التصنيع العسكري وشراء أسلحة متطورة، على رأسها مقاتلات وغواصات صينية.
ويبدو أن هناك توجهاً نحو إقامة علاقة أكثر توازناً مع الصين، علاقة تقوم على المصالح المتبادلة لا التبعية، وقد برز ذلك في المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين الشهر الماضي، في مؤشر على تحوّل ملموس في العلاقات.
لكن رغم هذه المؤشرات، فإن العلاقة مع واشنطن لم تنقطع تماماً، وإن كانت تمرّ بحالة من الجمود أو “الكمون” كما يسميها البعض.
ختاماً، يظل التساؤل مطروحاً: إلى أين سيمتد هذا الطريق نحو الشرق؟ وهل سنشهد تحوّلاً استراتيجياً يجعل من القاهرة حليفاً صريحاً لموسكو وبكين وطهران؟ أم أن واشنطن ستسارع إلى تصحيح مسار علاقتها مع حليفها القديم قبل فوات الأوان؟