صورة مجمعة تظهر بيل بالوت وهو يرتدي نظارات دائرية وبدلة داكنة مكونة من ثلاث قطع، وصورة لكرسي مزور يبدو كما لو كان مثبتاً على الصورة المجمعة، وصورة لكرسيين مزورين تم تثبيتهما أيضاً على الصورة المجمعة - كل ذلك موجود على خلفية صفراء تظهر نافورة مياه في حدائق قصر فرساي.Article informationAuthor, أليس ديفيزRole, بي بي سي نيوز

قبل 47 دقيقة

في أوائل عام 2010، ظهر كرسيان مزخرفان يُقال إنهما يعودان لقصر فرساي في سوق التحف الفرنسية.

ويُعتقد أنهما أغلى كرسيين صُنعا لماري أنطوانيت، آخر ملكات فرنسا في عهد النظام القديم، وخُتما بختم نيكولا كوينبير فوليو، صانع خزائن شهير عمل في باريس في القرن الثامن عشر.

كان هذا الاكتشاف مهماً، إذ أعلنت الحكومة الفرنسية الكرسيين “كنزين وطنيين” عام 2013، بناءً على طلب قصر فرساي.

وأبدى القصر، الذي يعرض مثل هذه القطع ضمن مجموعته الواسعة من التحف، اهتماماً بشراء الكرسيين، لكن اعتُبر ثمنهما باهظاً.

وبدلاً من ذلك، بيعا إلى الأمير القطري محمد بن حمد آل ثاني مقابل مبلغ ضخم يُقدر بمليوني يورو.

وخلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت في سوق التحف أعدادٌ هائلة من قطع الأثاث الملكي تعود للقرن الثامن عشر.

ومن بين القطع الأخرى التي ظهرت، طقمٌ من الكراسي يُزعم أنه كان موجوداً في إحدى غرف ماري أنطوانيت في فرساي، وزوجٌ آخر يُقال إنه كان ملكاً لمدام دو باري، عشيقة الملك لويس الخامس عشر، وكرسيٌّ بذراعين لشقيقة الملك لويس السادس عشر، الأميرة إليزابيث، وزوجٌ من الكراسي الصغيرة بلا ظهر أو ذراعين كان ملكاً لابنة الملك لويس الخامس عشر، الأميرة لويز إليزابيث.

واشترى قصر فرساي معظم هذه القطع لعرضها في مجموعته من التحف، بينما بيع كرسيٌّ واحدٌ لعائلة غيران-هيرميس الثرية.

ولكن في عام 2016، أصبحت هذه المجموعة من الكراسي الملكية جزءاً من فضيحةٍ وطنية هزت عالم التحف الفرنسي، وأساءت إلى سمعة هذه التجارة.

لكن ما السبب؟ في الواقع، تبين أن جميع هذه الكراسي كانت مزيفة.

وشهدت هذه الفضيحة محاكمة جورج “بيل” بالوت، أحد أبرز خبراء التحف في فرنسا، وصانع الخزائن الحائز على جوائز، برونو ديسنويس، بتهمتي الاحتيال وغسل الأموال، بعد تحقيق استمر تسع سنوات.

كرسيان خشبيان بفرش أخضر، يُقال إنهما كانا ملكاً للسيدة دو باري، عشيقة الملك لويس الخامس عشر

صدر الصورة، Supplied

التعليق على الصورة، تُظهر نسخة مطبوعة من وثيقة قضائية كرسيين يُقال إنهما كانا ملكاً للسيدة دو باري، عشيقة الملك لويس الخامس عشر، وقد بيعا مقابل 840 ألف يورو عام 2008.

كما اتُهم معرض كرايمر ومديره، لوران ديسنويس، بالاحتيال عن طريق الإهمال الجسيم في بيع بعض هذه الكراسي، وهو أمر ينفيه كلاهما.

ومن المقرر أن يمثل المتهمون الثلاثة أمام محكمة في بونتواز، بالقرب من باريس، الأربعاء، عقب محاكمة جرت في مارس/ آذار. واعترف السيد بالوت والسيد ديسنويس بجرائمهما، بينما ينفي السيد ديسنويس ومعرضه تهمة الاحتيال عن طريق الإهمال الجسيم.

بدأ الأمر “كمزحة”

يُعتبر السيد بالوت أبرز باحث في مجال الكراسي الفرنسية من القرن الثامن عشر، ومؤلف الكتاب المرجعي في هذا الموضوع، وكثيراً ما كان قصر فرساي، من بين جهات أخرى، يستدعيه لإبداء رأيه كخبير بشأن ما إذا كانت القطع التاريخية أصلية. حتى أنه استُدعي كشاهد خبير في المحاكم الفرنسية عند وجود شكوك حول أصالة قطعة أثرية.

كان شريكه، السيد ديسنوي، صانع خزائن ونحاتاً متميزاً، حائزاً على جوائز مرموقة، منها جائزة أفضل نحات في فرنسا عام 1984، وكان يعمل مُرمّماً رئيسياً للأثاث في قصر فرساي.

وفي حديثه أمام المحكمة في مارس/ آذار، قال السيد بالوت إن الموضوع بدأ “كمزحة” مع السيد ديسنوي عام 2007 لمعرفة ما إذا كان بإمكانهما إعادة إنتاج كرسي بذراعين كانا يعملان على ترميمه بالفعل، وكان ملكاً للسيدة دو باري.

وبفضل إتقانهما الحرفي، نجحا في تحقيق هذا الإنجاز، وأقنعا خبراء آخرين بأنه كرسي من تلك الفترة.

وبعد نجاحهما، عملا على صنع المزيد.

بيل بالوت مرتدياً بدلة رسمية كحلية بشرته بيضاء خلفه حائط عليه رسوم.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، صورة لـ”بيل بالوت” في معرض فني افتُتح في باريس في أبريل/ نيسان عقب محاكمته.

وصف الاثنان كيفية صنع الكراسي، وأخبرا المحكمة كيف كان السيد بالوت يحصل على إطارات خشبية من مزادات مختلفة بأسعار منخفضة، بينما كان السيد ديسنويس يُعتّق الخشب في ورشته لصنع إطارت خشبية أخرى.

لاحقاً أُرسلت الكراسي للتذهيب والتنجيد، قبل أن يضيف السيد ديسنويس التصاميم واللمسات النهائية الخشبية. وألصق عليها طوابع من بعض كبار صانعي الأثاث في القرن الثامن عشر، التي كانت إما مزيفة أو مأخوذة من أثاث حقيقي من تلك الفترة.

وبعد الانتهاء من تصنيعها، باعها السيد بالوت عبر وسطاء إلى معارض مثل كرامر، وديدييه آرون، الذي كان يعمل فيه بنفسه. ثم بيعت في دور مزادات مثل سوثبي في لندن ودرو في باريس.

وقال السيد بالوت للمحكمة مبتسماً: “كنتُ الرأس، وكان ديسنويس اليد”.

وأضاف “سارت الأمور بسلاسة. كل شيء كان مزيفاً باستثناء المال”.

ويزعم الادعاء أن الرجلين حققا ربحا يُقدر بأكثر من 3 ملايين يورو من بيع الكراسي المزورة، مع أن السيد بالوت والسيد ديسنويس قدّرا أرباحهما بنحو 700 ألف يورو. وأوضح الادعاء أن الدخل أُودع في حسابات مصرفية أجنبية.

برونو ديسنويس الشاب الذي يرتدي قميصاً مقلماً بالألوان الأزرق والأبيض والكحلي واقفاً خلف كرسي.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، برونو ديسنويس، عام 2000 بعد فوزه بجائزة ليليان بيتنكورت المرموقة لـ”براعة اليد”.

وصرح محامو فرساي لبي بي سي أن السيد بالوت، المحاضر في جامعة السوربون، نجح في خداع المؤسسة بفضل “امتيازه في الوصول إلى وثائق وأرشيفات فرساي ومتحف اللوفر كجزء من بحثه الأكاديمي”.

وأفاد بيان صادر عن فريق المحامية كورين هيرشكوفيتش أنه بفضل “معرفة السيد بالوت الدقيقة” بقوائم جرد الأثاث الملكي المُسجل وجوده في فرساي في القرن الثامن عشر، تمكن من تحديد القطع المفقودة من المجموعات، ومن ثم صنعها بمساعدة السيد ديسنويس.

وأضاف الفريق أن السيد ديسنويس كان قادراً أيضاً على الوصول إلى الكراسي الأصلية التي نسخها، “الأمر الذي مكّنه من إنتاج نسخ مزيفة تحمل جميع المظاهر البصرية للأصلية، بما في ذلك أرقام الجرد وملصقات تلك الفترة”.

وقال الفريق إن “الارتباط الاحتيالي بين هذين الرجلين المخضرمين، باعتراف زملائهما، مكّن من خداع المؤسسات الفرنسية، التي اعتبرتهما شريكين، وخيانة ثقتها، ما أضرّ بسمعة فرساي وأمنائها”.

وقال المدعي العام الفرنسي، باسكال راير، إن المحاكمة سلّطت الضوء على الحاجة إلى تنظيم أكثر صرامة لسوق الفن، كما سلطت الضوء على المعايير التي ينبغي على تجار التحف الالتزام بها.

واستمعت المحكمة إلى إبلاغ السلطات عن المخطط بعدما لفت أسلوب الحياة الباذخ لرجل برتغالي وشريكته انتباه السلطات الفرنسية.

وعندما استجوبته الشرطة بشأن اقتناء عقارات في فرنسا والبرتغال بقيمة 1.2 مليون يورو، بينما كان دخله الشهري حوالي 2500 يورو، اعترف الرجل – الذي اتضح أنه عامل صيانة في صالات عرض باريسية – بدوره في العمل كوسيط متعاون في عملية الاحتيال على الأثاث، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية. ثم قاد تعقب الأموال المحققين إلى السيد ديسنويس والسيد بالوت.

قضية خداع ناتج عن إهمال جسيم؟

أُسقطت لاحقاً التهم الموجهة إلى بعض المتهمين في القضية، بمن فيهم وسطاء.

لكن التهم الموجهة إلى كل من لوران كرايمر وغاليري كرايمر، اللذين باعا بعض الكراسي المزيفة لهواة جمع التحف مثل قصر فرساي والأمير القطري آل ثاني، أُقرت.

ويزعم الادعاء أنه في حين أن المعرض نفسه ربما يكون قد خُدع لشراء القطع المزيفة أولاً، إلا أن السيد كرايمر والمعرض “أظهرا إهمالاً جسيماً” لعدم التحقق الكافي من صحة القطع قبل بيعها لهواة جمع التحف بأسعار مرتفعة.

لوران كريمر مرتدياً بدلة رسمية كحلية يضع يده على كتف زوجته ذات الشعر الأسود والعيون الخضراء وترتدي لباساً أسود.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، لوران كريمر وزوجته نيكول في حفل كوكتيل عام 2016.

وفي مرافعاته الختامية، قال المدعي العام، السيد راير، إنه بناءً على “سمعة ومعارف معرض-غاليري كرايمر، كان بإمكانهم نقل الأثاث إلى فرساي أو متحف اللوفر لمقارنته. وكان بإمكانهم أيضاً الاستعانة بخبراء آخرين نظراً للمبالغ المعروضة، وبالنظر إلى الغموض الذي يكتنف أصل الكراسي”.

وفي حديثه أمام المحكمة، أصر محامٍ يمثل السيد كرايمر والمعرض على أن موكله “ضحية للاحتيال، وليس شريكاً فيه”، مشيراً إلى أن السيد كرايمر لم يكن على اتصال مباشر بالمزورين.

وأضاف المحاميان مارتن رينو وموريسيا كوريغي في بيان لبي بي سي: “لم يكن المعرض شريكاً للمزورين، ولم يكن المعرض يعلم أن الأثاث مزيف، ولم يكن بإمكانه اكتشاف التزوير”.

وأوضحا أنه “مثل قصر فرساي والمتخصصين الذين صنّفوا الأثاث ككنوز وطنية، كان معرض كرايمر ضحية للمزورين”.

وأضافا “نحن في انتظار القضاء والحكم أن يعترف بذلك”.

وتواصلت بي بي سي مع محامي السيد بالوت للتعليق، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى السيد ديسنويس أو محاميه.