بنظرة نقدية على الفيلم، نجد أنه يتعامل مع شخصيات بغيضة ووحشية بشكلٍ عام، والتي، اعتماداً على أسلوب المخرج الجامح والصادم دائماً، يمكن أن تكون ساحقة وغامرة. بورتريه الأبطال والعالم من حولهم صورة مصغّرة مثيرة للشفقة لبلدٍ – أو على الأقل للعديد من سكّانه – كُشف عن أسوأ جوانبه من خلال ما حدث في 7 أكتوبر 2023. واي Y (أرييل برونز) عازف بيانو على علاقة براقصة تدعى ياسمين (إفرات دور). قبل ذلك التاريخ (وبعده أيضاً)، يُصوَّران وهما يعيشان حياةً من المتعة الجامحة: جنس وحفلات ومخدرات وكحول، ثم المزيد من الجنس والحفلات والمخدرات والكحول. لا يبدو أن أي شيء يُهمّهما كثيراً، ويتلذّذ لابيد بتجاوزات تلك الحياة الجامحة المُحاطة برجال الأعمال الأثرياء والمليارديرات الروس والمسؤولين الغامضين. لدرجة أنهما عندما يتلقّيان أخباراً على هواتفهما عن هجومٍ جماعي في جنوب البلاد، بالقرب من غزة، لا يُعرانها اهتماماً كبيراً (وهذا، واقعي تماماً في بلدٍ كإسرائيل) ويواصلان حياتهما وكأن شيئاً لم يحدث.


(يهاجم الفيلم النخبة الفنية الداعمة لفاشية نتنياهو)

بفضل ارتباطهما بأشخاص نافذين في البلاد، يندمج الزوجان المُحبّان للحفلات بشكلٍ متزايد في مجموعات السلطة والسيطرة، التي تتماهى حدودها في فيلمٍ لا علاقة له بالواقع. ما يتضح – بعد أن يصل الهجوم إلى أبعاده المعروفة – أن كلاهما يُدرك أن الحلّ الوحيد هو الحلّ المُعطى في عنوان الفيلم: أن يقولا “نعم”، ولا شيء غيرها. ينضمّان إلى صفّ الأقوياء. لدرجة أن واي انتهى به الأمر إلى تأليف شيء يشبه أغنية تُشكّل اللحن الرئيسي للإسرائيليين في تلك اللحظة العصيبة. نعم، اسمها “نعم”. ونعم، تزخر كلماتها بروحٍ قومية عدائية متطرّفة. تنجح الأغنية، وتصير على ألسنة جميع الإسرائيليين.

ومن هنا (ملاحظة: هناك نسخة واقعية من أغنية تحمل هذه المهمة، وكانت إشكالية للغاية) تبدأ المغامرات والصراعات والهروب والمشاكل والجنون المتزايد الذي يمرّ به الأبطال، بينما تنتشر الأغنية ويصبح الإسرائيليون أكثر قومية من المعتاد. في مرحلة ما، يبدأ البطل بالشعور بالصراع مع الوحش الذي خلقه ويحاول فعل شيء حيال ذلك، لكن الأمر لن يكون سهلاً: فكلّها تفضي إلى الشيء نفسه، ولا يبدو أن هناك أي خيارات حقيقية ممكنة سوى البقاء في الداخل أو الخارج، مع أو ضد، قول نعم أو لا. ومن هذا الصراع الجديد – على الأقل بالنسبة للبطل – سيتقدّم الفيلم بحماسة وشغف وطاقة مماثلة، وإن كانت هالة من الشكّ تغلّف كل شيء.

هذا فيلم مُصمّم ليثير الجدل ويفكّك الأوهام، وسيُستقبل بالتصفيق وحتى بصيحات الاستهجان (ربما لن يكون موقفه واضحاً لبعض الجمهور)، ما يُوضّح لماذا لا يستطيع لابيد الردّ على هذا الوضع الجنوني بطريقة لا تبتعد كثيراً عن الجنون. ليس من طبيعته أن ينجز نوعاً آخر من الأفلام (مدروسة، دقيقة، تحليلية) بل أن يُردّ على هذا الغضب بغضبه الخاص: يُحرّك الكاميرا بشكل مُتقطّع، مُبتعداً تماماً عن الواقعية، مُختاراً مشاهد ساخرة تُغازل أحياناً أكثر المشاهد التلفزيونية سريالية، ويُلقي بالنقد اللاذع في كل اتجاه: النظام، الحكومة، والمجتمع، وبالأخصّ النخبة الفنّية الداعمة لفاشية نتنياهو وائتلافه المتطرّف. من الواضح أن “واي” لا يهتمّ بالسياسة، ومثل كثير من الناس، فنّانين كانوا أم غيرهم، من الطبيعي أن يرغب المرء في تجنّب مواجهة الحقائق الصارخة والمظلمة، خاصة إذا كان لديه امتياز عدم الاضطرار إلى ذلك. لكنه، نظرياً، يبيع روحه لكتابة كلمات النشيد الوطني الإسرائيلي الجديد، الذي هو في الواقع دعوة حقيقية إلى المذبحة والعنف يغنّيها الأطفال وتُبثّ على التلفزيون الإسرائيلي.

بعيداً من الأزمة التي يمرّ بها بطل الفيلم في مرحلة ما، ربما تكون المشكلة الوحيدة في فيلم “نعم” أن الثنائي الرئيسي ينتهي به الأمر إلى أن يُصبح عبئاً لا يُطاق على مدار ساعتين ونصف يحتّلهما الفيلم. دائماً ما يُواجه الفورمات الساخر والهجائي هذ المطبّ الفنّي. لكن لابيد ينجح في دمج هذا البورتريه البشع والمثير للشفقة مع تعليقات أو مواقف أكثر غموضاً وحرجاً، حتى يجد مواطن يُكافح فيها أبطال الفيلم لإدراك حقيقة ما هم جزء منه. بحسب المخرج، فقد أراد من وراء إنجازه هذا الفيلم “إحداث صدمة للتنديد بالسلوك الأعمى الذي تنتهجه بلده منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر”. بالطبع فيلمه لن يُحلّ أي شيء، وفي الواقع، في عودته إلى شخصية هذا الفنان المُعذب بدراما ماضيه، يُخاطر الفيلم بالانزلاق إلى الشفقة على الذات. لكن في مساره الفوضوي، يبدو وكأنه شعلة. في غضبه الوفير، يُنير “نعم” كلّ شيء.

بملاحظاتٍ لاذعة وعبارات وتعليقات متناثرة في جميع أنحاء الفيلم، ومشاهد أقرب إلى روح أفلام تيري غيليام منها إلى أي شيء واقعي، يُبدع ناداف لابيد فيلماً طموحاً ومجنوناً، يتشابك أحياناً في تحدٍّ خاص به يتمثل في “التعبير” عن شيء ما حول موضوع بالغ الحساسية. في أحد المشاهد يعلّق أحدهم على أسلوب الحياة الفلسطيني بالقول مستنكراً: “نشأ الإسرائيليون على السؤال: كيف يمكن للناس (الفلسطينيين) أن يعيشوا حياة طبيعية بينما يرتكبون الرعب والفظاعات؟” (باعتبار أن مقاومة الاحتلال شيء بغيض وغير حضاري!)، قبل أن يستدرك الحقيقة الراهنة: “حسناً، لقد أصبحوا (الإسرائيليين) الآن هم الإجابة”.