كصفحة بيضاء لم تمسَّها الأقلام، تواجه مخيلة الطفل سيلاً عارماً من الأفكار، وتعكر صفاءها وسائل التقنيات الحديثة بأنواع شتى من المؤثرات، وهنا يتجلَّى دور أدب الطفل الذي يستلُّ الصغار من بين براثن هذا الضجيج الفتَّاك، ويعيد بناء عقولهم بعيداً عن لوثة العصر.

وفي ظلال رفوف الكتب التي تضمها مكتبة الراشدية في دبي، ناقشت جلسة حوارية، أقيمت أخيراً ضمن مبادرة «حديث المكتبات» المندرجة في مشروع «مدارس الحياة»، أثر القراءة في تطوير فكر الطفل وتنمية شخصيته وصقل مهاراته اللغوية، مركِّزةً على دور العائلة في تشجيع هذه الثقافة وترسيخها لدى الأبناء، وعرض الطرق والأساليب التي تُكسب القراءة متعة للأطفال.

«البيان» التقت نخبة من الأديبات المشاركات في الجلسة المهتمات بالأدب الذي يخاطب وجدان تلك الفئة العمرية، مستطلعةً آراءهن في مدى نجاح الإبداعات المقدَّمة في مواكبة التطورات التقنية، ولا سيما الذكاء الاصطناعي.

مواكبة التحديات

وأكدت الكاتبة الإماراتية إيمان اليوسف، أن أدب الطفل يشهد تطوراً ملحوظاً خلال العصر الراهن، ويقدِّم اليوم نتاجاً أكبر مما كان أمس، ويدعم احتياجات الطفل وأسرته، مشيرةً إلى أن ثمة حلولاً جميلة جداً نجح أدب الطفل في توفيرها ومواكبة التحديات بواسطتها، إلا أنه لا يمكن وصفه بـ«النموذجي»؛ بسبب التطور السريع الذي لا يلام عليه الكاتب أو الناشر.

وبشأن مستقبل أدب الطفل في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي التي تجتاح العالم، قالت إيمان: «هناك مقولة لأحد المشاهير بخصوص هذه الطفرة المشهودة، مفادها أن عهد التلميذ والمعلم قد انتهى»، موضحةً أن الذكاء الاصطناعي تسبب في جعل الإجابات عن أي أسئلة معلَّبة وجاهزة، وسلب المجتمع مفاتيح التفكير، وحرمه المتعة الناتجة عن رحلة البحث.

خطوات وإنجازات

من جانبها، نوَّهت الكاتبة المصرية أمل فرح بالإنجازات الكبيرة التي حققها أدب الطفل القصصي خلال السنوات القليلة الماضية، ورأت أن الخطوات المقطوعة في هذا المجال المهم تسبق ما هو حاصل في مجالات أخرى تعنى بالطفل، مثل البرامج والمسرح والأغاني وغيرها، لافتةً إلى أهمية الجوائز والمعارض والمهرجانات التي عززت هذا الدور المحوري الذي لا ينقصه إلا إيمان المجتمع بضرورة أن يكون الأطفال قرَّاء.

وأعربت أمل عن تفاؤلها بمستقبل أدب الطفل، على الرغم من الواقع المكتظ بمظاهر التقنية المتسارعة وآليات الذكاء الاصطناعي التي تهدد قيمة القراءة وتشكِّل خطورة على اللغة العربية، مشيدةً بالسياسات التي تبنَّتها الإمارات لوضع قانون للقراءة، وتنظيم المبادرات العديدة التي تشمل عام القراءة والمعارض والمسابقات القرائية والمكتبات المفتوحة.

أساليب مبتكرة

من جهتها، أوضحت الكاتبة والمترجمة اللبنانية سمر محفوظ برَّاج أن أدب الطفل ربما لم يستطع أن يصنع مشهداً مثالياً في الواقع الحالي، إلا أنه تطوَّر عبر الموضوعات الجديدة التي يطرحها في نتاجاته الغزيرة، والتي لم يسبق التطرق إليها من قبل، مؤكدةً أهمية الأساليب المبتكرة مثل الرسم والتصميم والقوالب الجذابة التي بات يقدَّم من خلالها.

وأبدت سمر تخوُّفها تجاه ثورة الذكاء الاصطناعي التي تمتد إلى مجالات الكتابة كافةً، لا مجال أدب الطفل وحده، داعيةً الجميع من أهل ومعلمين ومربِّين إلى محاولة الاجتهاد وبذل الطاقة من أجل الحفاظ على قيمة الكتاب، وإبقائه وسيلةً لتثقيف الطفل وتلقي المعرفة الممتعة والمسلِّية من خلاله، ومواجهة التحديات المفروضة بفعل البرامج التلفزيونية والأجهزة الإلكترونية والتقنيات الذكية.