01:10 م


    الخميس 12 يونيو 2025

    سوهاج- عمار عبدالواحد:

    في أحد شوارع قرية الشيخ مطاوع بناحية قرية أولاد سالم قبلي بدار السلام شرقي محافظة سوهاج، عاش محمود وأسرته حياة بسيطة، حيث بيت من طابقين أبوابه مغلقة تسمع من خلفها ضحكات خافتة، وأب يبحث عن رزقه ليطعم أطفاله الأربعة، لم يكن أحد يتخيل أن هذا البيت الهادئ سيتحول إلى مسرح لمأساة لم تعرفها القرية من قبل.

    الجميع كان يعرف “محمود” العامل الزراعي، قليل الكلام دائم الانشغال يحب أبناءه وزوجته “أمل” ربة المنزل النشيطة، المهتمة بشؤون البيت، ورغم ضيق الحال، كان هناك ما يشبه التوازن داخل أرجاء المنزل البسيط، لكن ذلك التوازن الهش بدأ يتشقق في صمت، وسرعان ما انهار.

    “محمد وريتاج”، طفلا الأسرة، كانا من ذوي الإعاقة الذهنية، وكانا يحتاجان رعاية مضاعفة، وعناية خاصة، وصبرًا أطول، وكان محمود يحاول أن يفي بمتطلبات أسرته بالكاد.

    وفي يوم سبق الكارثة، خرجت الزوجة من المنزل، غاضبة، حيث خلافات متراكمة انفجرت، فتركت أمل بيتها، واصطحبت معها ابنها الأصغر “ياسين”، ابن الأربع سنوات، وذهبت إلى منزل شقيقها في ذات الناحية، “محمود” لم يتحدث، ولم يلحق بها، ولم يشتكي لأحد من أسرتها، لكن العاصفة بدأت داخله، وسيطر الشيطان على فكره.

    تراكمات من العجز وشعور بالفشل ومسؤوليات تنهش القلب دون مشاركة، فلم يتحمل تلك الأعباء، وفي تلك الليلة، لم يكن بمقدوره مقاومة السقوط أكثر، فقرر أن ينهي كل شيء، ويطفئ أرواح أبنائه الثلاثة الذين بقوا معه دون أن تأخذهم الأم معها، ثم ينهي حياته.

    في صباح اليوم التالي، لاحظت الجارة العجوز، “رسمية” غياب الأسرة، حيث لا صوت ولا حركة، استعانت بشقيقي محمود، اللذين دخلا البيت ليكتشفا الكارثة، إنجي 18 عامًا، مصابة بطعنات في رقبتها، ومحمد 12 عامًا، وريتاج 8 أعوام، جثثًا هامدة على الأرض وقد بدت عليهما آثار خنق، وفي غرفة أخرى، كان محمود مسجى على سريره، مشنوقًا، مرتديًا ملابسه، كأنما أراد أن يغادر الدنيا خلف أبنائه الصغار بهدوء.

    البداية كانت بتلقي بلاغ من كل من رسمية (70 عامًا – ربة منزل)، وأمين (40 عامًا – سائق)، وأحمد (52 عامًا – مزارع)، وهم من أقارب الضحايا، أفادوا فيه باكتشافهم الكارثة داخل منزل شقيقهم، حيث دخلوا المنزل بعد أن لاحظت الجارة رسمية غياب الأسرة بشكل مريب، دون أي حركة أو صوت.

    بالمعاينة، تبين وجود جثة الأب مسجاة على ظهره أعلى سرير في غرفة بالطابق الثاني، وكان يرتدي كامل ملابسه، وبجواره شال يتدلى من جنش حديدي بسقف الغرفة، مع وجود سحجة دائرية حول الرقبة تشير إلى وفاته شنقًا.

    وفي الغرفة المجاورة، وُجدت جثث الأبناء الثلاثة: إنجي (18 عامًا – طالبة)، مصابة بأربع طعنات في الرقبة من الجهة اليمنى، محمد (12 عامًا – تلميذ)، وريتاج (8 أعوام – تلميذة)، ظهرت عليهما آثار خنق وتجمع دموي حول الرقبة.

    وعُثر بجوار جثة الابنة الكبرى على سكين مطبخ عليه آثار دماء، فيما أكدت المعاينة سلامة جميع نوافذ وأبواب المنزل، ما يشير إلى أن الجريمة تمت من الداخل دون تدخل خارجي.

    وخلال التحقيقات، أفاد شقيقا المجني عليه أن شقيقهم كان يمر بحالة نفسية سيئة، خاصة بعد أن غادرت زوجته “أمل” (41 عامًا – ربة منزل) منزل الزوجية في اليوم السابق للواقعة، بصحبة ابنهما الأصغر “ياسين” (4 أعوام)، إثر خلافات متراكمة، لتقيم عند شقيقها بالقرية نفسها.

    كما أشارا إلى أن الطفلين محمد وريتاج كانا يعانيان من إعاقة ذهنية، ما زاد من عبء المسؤولية والضغط النفسي على الأب.

    وقد تم نقل الجثث إلى المستشفى، وتولت النيابة العامة التحقيق، كما أمرت بتشريح الجثث لبيان أسباب الوفاة بدقة، واستكمال الإجراءات القانونية.