في أغنيتها الجديدة «خلّيني معاك» تنثر الفنانة تانيا قسيس الفرح والطاقة الإيجابية. فتعكس جانباً من شخصيتها التي أبقتها بعيدة عن جمهورها بفعل أسلوب غنائي طبعها بالجدّية. في «خلّيني معاك» تقفز قسيس فوق الخطوط الحمراء التي فرضتها عليها ظروف بداياتها. فهي وقفت على مسارح عالمية تمثّل لبنان، وكذلك سُميّت سفيرة فخرية لدى القوات الدولية «يونيفيل». كما وقفت أمام سفراء وبعثات دبلوماسية ورؤساء جمهورية، بينهم رونالد ترمب. وهو ما وضعها في قالب غنائي نخبوي. أما دراساتها العليا في الموسيقى والغناء الأوبرالي فسمّتها سوبرانو بامتياز. ولكنها اليوم تقلب صفحة لتبدأ بأخرى تقرّبها من الناس بشكل أكبر. وهو ما طبّقته في أغنيتها الجديدة، من كلمات مصطفى ناصر وألحان عمرو مصطفى. وتعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الوجه الذي ترونه اليوم ليس بالجديد. فهو جزء من شخصيتي؛ كوني أملك الجانبين الجدي والحيوي معاً».
في رأيها أن الناس اليوم تحتاج الطاقة الإيجابية، بعد ظروف صعبة وقاسية مرّت بها. وتؤكد أن إحاطة الناس بهذه المشاعر الحلوة تنعكس عليها راحة. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الإيجابية تولّد صحة نفسية سليمة، وجميعنا اليوم نحتاج إلى جرعات كبيرة منها».
قررت أن تسير في طريق الحب انطلاقاً من ذاتها (تانيا قسيس)
باللهجة المصرية التي تليق بصوتها الشجي، تشدو تانيا الحبّ في «خلّيني معاك». مفعمةً بالرومانسية وبابتسامة مشرقة تتحرك بعفوية أمام كاميرا مخرج العمل إبراهيم كسرواني. فهو عرف كيف يقدّمها في إطار يختلف عما سبق. اختار بلدة أنفة الشمالية الساحلية ليغلّف الكليب بأجواء صيفية ممتعة. وهو ما خدم إطلالة تانيا الحديثة وخيارها ليتعرف إليها جمهورها عن قرب. وحرصت على دعوة أهل الإعلام والصحافة إلى موقع تصوير الأغنية. واستقبلتهم ضمن أجواء تشبه تلك التي صُنع فيها الكليب. وكانت ديكورات المكان مستوحاة من ألوان السكاكر التي استخدمتها خلاله.
وعما إذا كان اختيارها لبلدة أنفة المشهورة باسم «أنفوريني» تيمناً بالجزيرة اليونانية سانتوريني، جاء على خلفية سياحية، تردّ لـ«الشرق الأوسط»: «رغبت في الإشارة إلى لبنان الإبداع والطبيعة الخلابة. فحتى أزيائي حملت توقيع المصممة اللبنانية جوجول لوموني. وأجواء أنفة توزعت على مجريات الكليب. بعض أصدقائي في الخارج اعتقدوا أنني صورت الأغنية في بلد غربي. ولكنني أجبتهم بفخر أن هذا هو لبنان الحقيقي».
وكانت قسيس قد فكّرت ببلدة دوما لتصوير الكليب. ولكن المنتج علي الرفاعي اقترح عليها أنفة، فوجدتها فكرة صائبة تلائم أجواء الأغنية.
من كليب أغنيتها “خليني معاك” بتوقيع ابراهيم كسرواني (تانيا قسيس)
وتشير قسيس إلى أنها منذ فترة تروّج للبنان السياحة والإبداع: «اتخذت من (السوشيال ميديا) منصة ترويج لبلدي. فألتقط صوراً من مناطق مختلفة أنشرها عبر حساباتي الإلكترونية. وكذلك أحفّز على تشجيع مواهب صاعدة في مجال تصميم الأزياء. واكتشفت كمية الإبداع التي يتمتع بها هؤلاء. ورغبت في مساندتهم على طريقتي تحت عنوان (صُنع في لبنان)».
اشتهرت تانيا قسيس بغناء أعمال وطنية وأخرى تلامس الإنسانية. فكانت تغرّد في فضاء يختلف بمعاييره ومكوناته الفنية عن غيرها من الفنانين. ومنذ ألبومها الأخير «زمن» اتخذت لنفسها مساراً فنياً يحاكي الأغاني الرومانسية والإيقاعية. واليوم مع «خلّيني معاك» تعتمد التجديد، فلماذا تأخرت في إبراز الجانب الآخر من شخصيتها الحيوية بعيداً عن الجدّية؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «هناك ظروف حضّتني على اتباع مسار فني مختلف. كما مثّلت لبنان في مهرجانات عدة، بينها (الألعاب الفرنكوفونية الدولية). وغنيت للأديان في (آفي ماريا). فبمجرد أن أقف على مسارح بهذا المستوى كان عليّ أن أقدم المختلف. ولكن في الفن نجتاز مراحل، ولكل منها خصوصيتها. الوجه الذي ترونه عندي اليوم كان موجوداً من قبل. واليوم شعرت بأنه عليّ تقديم ما يشبهني ويكون أقرب إلى الناس عامة».
تعترف قسيس بأن ولوجها أسلوباً غنائياً جديداً لم يكن بالأمر السهل. فهي تحب أن تقدّمه، ولكن على طريقتها وبأسلوبها. وتتابع: «لطالما تأثرت بالموسيقى الأجنبية والفنانين الغربيين. وكنت أتساءل: كيف بإمكاني تقديم أغاني (بوب) ضمن هويتي الفنية؟ ومع الفريق المحيط بي والذي يرافقني في كل خطواتي، وجدت ضالتي في موسيقى تمزج بين الشرق والغرب».
يشعر متابع تانيا قسيس منذ ألبومها الأخير «زمن»، مروراً بأغنية «حكايتك فيّ»، ووصولاً إلى «خلّيني معاك»، وكأنها تخبرنا قصة حبّ تعنيها شخصياً. تعلّق: «تحمل أغنياتي نبضاً ينبثق من ضلوعي. ويترجم مشاعر مررت بها ولامستني عن قرب. ومع الملحن عمرو مصطفى حصل تفاهم تلقائي بيننا. فأدرك اللحن الذي يليق بشخصيتي وأسلوبي في الغناء. ولديّ قناعة بأن كل شيء يأتي في حينه. وأعتقد أنه حان الوقت للتغيير، ولا سيما أنني صرت أكثر نضجاً وخبرة، وأعرف ما الذي أريده بالتحديد».
عندما تتحدث تانيا قسيس عن الحب تأخذك إلى عالم حالم، ولكنه ينبع من واقع حقيقي. وتقول: «رغبت في أن يعنون الحب وموضوعاته طريقاً أسير فيه اليوم. فالحب حاجة مهمة في حياتنا، ومن دونه تصبح شبيهة بالصحراء». وتضيف: «هناك عدة وجوه للحب، والأهم منه هو حب الشريك. تأذيت في فترة سابقة من هذا الحب. وحصل عندي خيبة أمل، وهو أمر قد تعيشه أي فتاة. ولكني قررت مع الوقت أن أتنبّه فأحب نفسي أولاً، وكذلك طموحي وأحلامي ومهنتي. عنده سأكون من يتحكّم بها جميعها من دون عوائق خارجية. وبعد (كورونا) جميعنا شعرنا بأهمية الحب في حياتنا. وخرجنا من هذه الجائحة تواقين لجرعات عاطفية. ووُلد ألبومي (زمن) يترجم الحب بكل معانيه».
تردد تانيا دائماً أن الموسيقى هي سلاحها، فمتى تستخدمه؟ «إنه سلاح أصوّبه لكل من يعمل ضد الإنسانية. فنحن اليوم بأمسّ الحاجة لها، وأحب من خلال الموسيقى أن أسلط الضوء على قيمة اجتماعية نفتقدها. فالصراع على المصالح الذي يسود عالمنا اليوم يدوس على الإنسانية ولا يعيرها أهمية».
وعن أعمالها المستقبلية تختم لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أغنية لبنانية أحضّر لإصدارها في نهاية الصيف، وهي من النوع الرومانسي الحالم، من كلمات وألحان نبيل خوري. وكذلك أخرى من ألحان عمرو مصطفى الذي أتمنى له الشفاء العاجل. ولديّ عدة حفلات، بينها في لبنان ومصر والإمارات».