منذ أن بدأت إسرائيل هجماتها الأخيرة على البنية التحتية النووية الإيرانية، يتواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قادة العالم بشأن هذا الصراع. وصرح الكرملين بأنه بعد بدء الهجمات الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي (13 حزيران/يونيو 2025)، تحدث بوتين مع كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي بيان نُشر على موقع الكرملين الإلكتروني، أعرب الرئيس الروسي عن “تعازيه لقيادة وشعب إيران في الخسائر البشرية العديدة”، و”أكد أن روسيا تدين أفعال إسرائيل، التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.
وفي اليوم التالي، أدان بوتين مجدداً العملية الإسرائيلية خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعم القوي لنتنياهو.
ومع ذلك، ورغم تحالف روسيا المتنامي مع إيران، فمن غير المرجح أن يقدم الكرملين مساعدات عسكرية لشريكه الاستراتيجي.
لطالما كانت روسيا وإيران شريكين استراتيجيينصورة من: Iranian Supreme Leader/AP Photo/picture alliance
صفقة موسكو الذهبية مع طهران
بالنظر للعلاقات الاقتصادية بين روسيا وإيران، فإن انتقاد بوتين لإسرائيل لمهاجمتها الجمهورية الإسلامية ليس مفاجئاً. ولطالما كانت إيران شريكاً وثيقاً لروسيا، لا سيما وأن الديمقراطيات الغربية تفرض عقوبات شديدة على كلا البلدين. كما انضمت إيران مؤخراً إلى مجموعة البريكس، وهي مجموعة من الدول غير الغربية ذات الاقتصادات الناشئة التي ساهمت روسيا في تأسيسها. وتوطدت العلاقات بين البلدين بعد أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
اتهم الحلفاء الغربيون إيران بتزويد روسيا بطائرات عسكرية بدون طيار، والتي استُخدمت لمهاجمة البنية التحتية المدنية لأوكرانيا أيضاً. ووفقاً لتقارير إعلامية، ربما تكون موسكو قد دفعت ثمن الطائرات بدون طيار بما لا يقل عن 1.8 طن من سبائك الذهب، بقيمة قد تصل إلى 104 ملايين دولار، نُقلت إلى شركة “صحارى ثاندر” Sahara Thunder الإيرانية.
وربما تكون إيران قد طلبت من روسيا مساعدتها في تنفيذ برنامجها النووي. ويعتقد المحللون أن موسكو لا ترغب في خسارة شريك موثوق كهذا.
يقول رسلان سليمانوف، محلل شؤون الشرق الأوسط المقيم في القاهرة، لـ DW: “يتصرف الكرملين وفقا للمبدأ القرآني ′قاتلوا وحاربوا ولا تعتدوا′: بعبارة أخرى، تُفضل موسكو، التي لها مصالحها ووجودها في الشرق الأوسط، تجنب أي نوع من الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها في المنطقة”.
لماذا يُستبعد تقديم مساعدات عسكرية روسية لإيران؟
بعد شن إسرائيل هجماتها على إيران، صادق البرلمان الإيراني على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع روسيا. وُقّعت الاتفاقية مبدئياً من قِبل رئيسي البلدين في يناير/كانون الثاني، ووافق عليها البرلمان الروسي قبل شهرين. وعلى الرغم من اسمها الطموح، إلا أن المعاهدة لا تُشكّل اتفاقية دفاع مشترك. فهي لا تُلزم الطرفين بتقديم مساعدة عسكرية في حال وقوع هجوم على أحدهما، بل مجرد الامتناع عن مساعدة الخصم.
تعتقد محللة شؤون الشرق الأوسط ماريانا بيلينكايا، التي غادرت روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وتقيم الآن في إسرائيل، أنه من غير المرجح أن تقدم موسكو أي دعم عسكري مباشر لإيران، على الأقل ليس رسمياً وعلى العلن. وتضيف بيلينكايا أن روسيا “ليس لديها حاجة لذلك، لا سيما أنها تسعى إلى استعادة أو تحسين العلاقات مع واشنطن، مع أنه لا يمكن استبعاد بعض التدخلات من وراء الكواليس”.
روسيا وسيط محايد؟
وتردف ماريانا بيلينكايا، إن بوتين صادق في عروضه العلنية الأخيرة للوساطة بين إيران وخصومها، مشيرة إلى تقارير أفادت أن بوتين نصح المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بالعودة إلى طاولة المفاوضات العام الماضي.
وصرح ترامب في مقابلة أجريت معه مؤخراً مع شبكة ABC News الإخبارية الأمريكية بأنه منفتح على توسط روسيا في الصراع الإسرائيلي الإيراني.
ترى بيلينكايا أن روسيا “ربما لا تستطيع الضغط على إيران بالطريقة التي مارستها الولايات المتحدة كوسيط”، “لكنها قادرة على أن تكون قناة اتصال”. خلال المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في أبريل/نيسان، كان من المتوقع أن تلعب روسيا دوراً هاماً في حال التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
وذكرت صحيفة الغارديان أن موسكو تُعتبر وجهة محتملة لمخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، ويمكنها أن تلعب دور الوسيط المحايد في حال حدوث أي خرق للاتفاق. ويشير هذا الترتيب إلى أن روسيا ستعيد اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب إلى البلاد في حال انتهاك الولايات المتحدة للاتفاق.
في حال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، ستفقد ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة دورها كضامنين بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018.
عمليات الإنقاذ بعد الهجوم الروسي الأخير على كييفصورة من: Efrem Lukatsky/AP Photo/picture alliance
فرصة الكرملين للتقدم في أوكرانيا
في الوقت نفسه، يعتقد الخبراء أن الكرملين يستمتع بانشغال الغرب عن حربه المستمرة ضد أوكرانيا. يوم الثلاثاء (17 يونيو/ حزيران 2025)، شنت روسيا واحدة من أعنف هجماتها على كييف في الأشهر الأخيرة، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا وإصابة العشرات.
في الوقت نفسه، يسعى قادة مجموعة السبع إلى معالجة التصعيد في الشرق الأوسط خلال قمتهم في كندا. وكان المستشار الألماني فريدريش ميرتس قد صرّح مسبقاً بأن هذه القضية ستكون “على رأس جدول الأعمال”.
في غضون ذلك، يبدو أن اجتماعاً كان من المقرر عقده في 17 يونيو/حزيران بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أُلغي بعد مغادرة ترامب المبكرة لقمة مجموعة السبع.
وأكد رسلان سليمانوف، محلل شؤون الشرق الأوسط المقيم في القاهرة، لـ DW أن من مصلحة الكرملين صرف انتباه القادة الأمريكيين والأوروبيين عما يحدث في أوكرانيا. وأضاف: “في ظل هذه الظروف، قد ينتهز بوتين الفرصة لشن هجوم أو التسبب في نوع آخر من المشاكل”.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة
تحرير: خالد سلامة