بيروت – حقق الجيش اللبناني إنجازا أمنيا نوعيا بإعلانه الثلاثاء توقيف قائد تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان، في عملية تُعد ضربة قاصمة للبنية القيادية للتنظيم في البلاد، وتأتي لتؤكد اليقظة الأمنية المتواصلة في مواجهة خطر الإرهاب.

    وهذا الإنجاز، الذي تمثل في اعتقال القيادي البارز الملقب بـ”قسورة”، يسلط الضوء على الجهود المستمرة التي يبذلها الجيش اللبناني للحفاظ على استقرار البلاد، ويُبرز أهمية العمليات الاستباقية في مكافحة التهديدات الإرهابية، خاصة في منطقة تعج بالتوترات والاضطرابات.

    وجاء في بيان للجيش “بعد سلسلة عمليات رصد ومتابعة أمنية، أوقفت مديرية المخابرات المواطن (ر.ف.)، الملقب بـ’قسورة’، وهو أحد أبرز قياديي تنظيم داعش الإرهابي”.

    ولفت البيان إلى ضبط “كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر الحربية، بالإضافة إلى أجهزة إلكترونية ومعدات لتصنيع الطائرات المسيّرة” كانت بحوزته.

    وهذه المضبوطات تشير إلى طبيعة التخطيط المتقدم الذي كانت هذه الخلية تنوي تنفيذه، وتُظهر مدى خطورة الإمكانيات التي كان التنظيم يسعى لاستخدامها في عملياته.

    وفق الجيش تسلّم “قسورة” قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان “بعد توقيف سلفه المواطن (م.خ.) الذي عينه التنظيم ‘والي لبنان’، والملقب بـ’أبوسعيد الشامي’، مع عدد كبير من القادة” في ديسمبر.

    وهذا يكشف عن تتابع الضربات الأمنية التي يتلقاها التنظيم في لبنان، مما يفرض عليه تحديات كبيرة في إعادة بناء صفوفه وقيادته، ويُعرقل قدرته على التخطيط والتنفيذ لعمليات إرهابية مؤثرة.

    ولم تكن بصمة داعش في لبنان مجرد هامش عابر، بل كانت تمثل تهديدا جديا للاستقرار الوطني خلال العقد الثاني من الألفية الثالثة، فقد خاض التنظيم وجماعات سنية متطرفة متحالفة معه معارك عدة ضد الجيش اللبناني، أبرزها في جرود عرسال والقاع عام 2014، حيث تمكنوا من السيطرة على مساحات واسعة من الحدود الشرقية، وخطف جنود لبنانيين، في حادثة هزت الرأي العام اللبناني.

    كما تميزت تلك الفترة بسلسلة من التفجيرات الإرهابية التي استهدفت معاقل حزب الله ومناطق نفوذه في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، مما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا المدنيين. وهذه العمليات كانت تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الأمن الداخلي، مستغلة الانقسامات السياسية والاجتماعية في البلاد.

    لكن الجيش اللبناني تمكن من التصدي لهذه التهديدات بحزم، ففي عام 2017، وبعد عمليات عسكرية واسعة ومكثفة، تمكن الجيش من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتحالفة معه عسكريا في المعارك الحاسمة التي دارت في المنطقة الجبلية المعروفة باسم جرود رأس بعلبك وجرود القاع، والتي أطلقت عليها “عملية الجرود”.

    وكانت تلك الانتصارات نقطة تحول كبرى، حيث استعاد الجيش سيادته الكاملة على الحدود الشرقية، وقضى على الوجود العسكري المنظم لداعش في لبنان، مما أثلج صدور اللبنانيين وأعاد الثقة بقدرة مؤسساتهم الأمنية على حماية البلاد.

    ويُبرز توقيت هذا الإنجاز الأمني في لبنان مخاوف متزايدة من ظهور تنظيم داعش مجددا في المنطقة، فبعد هزائمه العسكرية الكبرى في العراق وسوريا خلال السنوات الماضية، تشير تقارير استخباراتية وعمليات متفرقة إلى محاولات التنظيم لإعادة تجميع صفوفه وتفعيل خلاياه النائمة.

    ويعد توقيف “قسورة” بعد يومين فقط على هجوم انتحاري على كنيسة في سوريا أوقع 25 قتيلاً، ونسبته السلطات السورية مبدئيا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، في حين تبنت “سرايا أنصار السنة”، وهي جماعة جهادية متطرفة غير معروفة، الهجوم الثلاثاء، دليلا آخر على أن التنظيم لم يختف تماما بل يتكيف ويتحور، مستغلاً الفراغات الأمنية والتوترات الإقليمية.

    وهذا الواقع الجديد يفرض على الدول، بما فيها لبنان، يقظة أمنية مضاعفة وتعاونا إقليميا ودوليا أكبر لضمان عدم تمكن هذا الخطر العابر للحدود من استعادة قوته وتهديد الاستقرار مجددا.

    ويُظهر هذا التطور أن خطر الإرهاب لا يزال قائما، وأن التنظيمات المتطرفة تسعى باستمرار لإعادة تجميع صفوفها وتجديد عملياته، لكنه في الوقت نفسه يُبرهن أن الجيش اللبناني يتمتع بقدرة استخباراتية وعملياتية عالية تمكنه من استباق التهديدات وتحييدها قبل أن تتحول إلى كوارث.

    ويُعد هذا الإنجاز الأمني البارز الذي حققه الجيش اللبناني أكثر من مجرد توقيف لقيادي متطرف، بل هو تأكيد جلي بأن لبنان، رغم تواليه الأزمات، يبقى حصنا منيعاً في وجه الإرهاب، وأن مؤسساته الأمنية لا تتوانى عن العمل الدؤوب لضمان أمن مواطنيه وصون وحدته الوطنية، كما يرسخ هذا النجاح مكانة لبنان كشريك حيوي وفاعل في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي ضمن جهود مكافحة الإرهاب.