طهران- بعد أقل من 24 ساعة على سريان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، أقرّ البرلمان الإيراني، اليوم الأربعاء، مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعليق دخول مفتشيها، إلى حين تقديم ضمانات أمنية شاملة بشأن منشآت إيران النووية.

    ويرى مراقبون أن هذه الخطوة التشريعية تمثل تحوّلا لافتا في السياسة النووية الإيرانية، وردا رسميا على الهجمات التي تعرضت لها منشآتها من قبل واشنطن وتل أبيب خلال الحرب التي استمرت 12 يوما.

    وصوّت لصالح المشروع 221 نائبا من أصل 290، دون تسجيل أي معارضة، في حين امتنع نائب واحد فقط عن التصويت، بحسب التلفزيون الرسمي.

    ويُنتظر أن يحال مشروع القانون للمصادقة النهائية من قبل مجلس صيانة الدستور والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ليصبح ساريا بشكل رسمي، وسط إشارات إلى أن إيران تستعد لمرحلة نووية جديدة عنوانها “التخصيب في ظل القصف، والرقابة بشروط”.

    مواقف رسمية

    قال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رفضت إصدار حتى إدانة شكلية للهجمات على منشآتنا، باعت مصداقيتها الدولية بأبخس الأثمان”، مؤكدا أن البرنامج النووي السلمي الإيراني سيتقدم بوتيرة أسرع بعد تعليق التعاون.

    من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي للجزيرة نت إن “مشروع القانون يمثل إرادتنا السياسية، وردا على الهجمات غير القانونية”، مضيفا أن البرلمان من حقه أن يشكك في حياد الوكالة، وأن إيران كانت تتوقع من المدير العام للوكالة رافائيل غروسي موقفا واضحا يدين الاعتداءات على منشآتها النووية.

    وشدد بقائي على ضرورة “حماية وتأمين منشآت إيران النووية وعلمائها، في ظل تكرار الاعتداءات وعمليات الاغتيال”، معتبرا أن “الوكالة هي المطالبة الآن ببناء الثقة تجاه طهران، لا العكس”.

    وفي السياق ذاته، نقلت وكالة إيرنا عن عضو هيئة رئاسة البرلمان علي رضا سليمي أن “مشروع القانون ينص على منع دخول مفتشي الوكالة إلى إيران ما لم تُقدَّم ضمانات حقيقية لأمن المنشآت”، مضيفا أن المجلس الأعلى للأمن القومي سيكون الجهة الوحيدة المخوّلة بالموافقة على أي استئناف محتمل للتعاون.

    وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حذّر في وقت سابق من أن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يقبل انقطاع التفتيش في المواقع النووية الإيرانية، مشيرا إلى أن آلية الرقابة معطلة حاليا، وقال إن إيران تحتفظ بالمعرفة والقدرة النووية، “وهو أمر لا يمكن إنكاره” بحسب وصفه.

    من ناحية أخرى، صرح الكرملين الروسي بأن “سمعة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تضررت بشدة بسبب الضربات الأميركية والإسرائيلية”.

    وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أنه “من المبكر تقييم الأضرار بدقة”، ردا على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي قال فيها إن “الهجمات دمرت البنية النووية الإيرانية بالكامل”.

    IAEA Director General Rafael Grossi holds a news conference after the first day of the agency's quarterly Board of Governors meeting at the IAEA headquarters in Vienna, Austria, June 9, 2025. REUTERS/Lisa Leutnerغروسي: المجتمع الدولي لا يمكنه قبول انقطاع التفتيش في المواقع النووية الإيرانية (رويترز)
    ثمن التفتيش

    يرى الباحث السياسي عرفان بجوهنده أن “الحرب الأخيرة سيكون لها أثر بالغ على مقاربة طهران للملف النووي، بما في ذلك علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصا بعد قصف منشأة فوردو من قبل الولايات المتحدة”.

    ويشير بجوهنده إلى أن “التقارير الغامضة وغير الحاسمة التي أصدرتها الوكالة في الفترة الماضية وفّرت أرضية خصبة لإسرائيل لاختلاق ذرائع لشن هجوم على إيران، وهو ما تعتبره طهران تهديدا مباشرا”.

    ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن من أسباب تصاعد التوتر بين إيران والوكالة استخدام الأخيرة معلومات استخباراتية قدمتها إسرائيل بشكل غير قانوني، مما أدى إلى تسريب بيانات حساسة عن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما تعتبره طهران سابقة خطيرة أضرّت بعلاقاتها مع الوكالة.

    ويقول إن طهران تستند في ذلك إلى وثائق حصلت عليها من إسرائيل “وهي وثائق كانت موضع نقاش قبل اندلاع الحرب، لكنها اختفت وسط ضجيج التطورات الميدانية”.

    ويؤكد بجوهنده أن عضوية إيران في معاهدة عدم الانتشار النووي وتعاونها مع الوكالة “كان يفترض أن يضمن لها حق التخصيب والاستخدام السلمي للطاقة النووية، مقابل حماية منشآتها ضمن أطر دولية، لكن ورغم أن إيران كانت من أكثر الدول خضوعا للتفتيش، فإن الوكالة لم تحمِ منشآتها، بل تصرفت على العكس، ولم تدن الهجمات على هذه المنشآت إلا بعد تأخير كبير”.

    ويرى الباحث الإيراني أن “العلاقة مع الوكالة بعد الحرب فقدت جدواها، بل باتت تمثل خطرا من حيث تسريب المعلومات، وهو ما جعل طهران تتخذ موقفا أكثر حزما”، لكنه لا يظن أن إيران ستقطع علاقتها مع الوكالة بشكل دائم، “لكن استمرار تعليق التعاون سيعتمد بشكل كبير على تغيّر موقف واشنطن”.

    ويتابع بجوهنده أن إيران “لم تغادر طاولة المفاوضات رسميا، لكنها بعد ما تعتبره محاولة موجهة لتدمير برنامجها النووي السلمي، لم تعد ترى مبررا للسماح برقابة مجانية على منشآتها”، لافتا إلى أن “البعد الأمني أصبح حاضرا بقوة، فطهران لم تعد مستعدة لتسليم معلومات حساسة قد تُستخدم مستقبلا ضدها”.

    ويختم بالقول “حتى الآن لم يُحسم شكل التعليق أو مداه، لكن في حال تقرر تعليق التعاون بشكل كامل دون قطع رسمي، فإن ذلك سيعني خروج البرنامج النووي الإيراني من تحت رقابة الوكالة”، معتبرا أنها لن تكون قادرة على معرفة حجم النشاط، ولا مواقع المنشآت، ولا أين تُخزّن المواد المُخصبة.

    أدوات دبلوماسية

    من ناحيته، يرى الباحث السياسي برهام بور رمضان أن إيران ستدخل مرحلة جديدة من إعادة تقييم إستراتيجيتها النووية بعد التطورات الأخيرة، لكنه يستبعد أن يكون هذا التحول باتجاه امتلاك سلاح نووي.

    ويقول للجزيرة نت “أعتقد أن إيران ستُجري تعديلات على عقيدتها النووية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها ستتجه نحو القنبلة النووية، بل إن التغيير سيتركز في مقاربتها للالتزامات الدولية”.

    ويشير إلى أن مدى جدية طهران في تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يرتبط بشكل مباشر بسلوك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه سياساتها النووية، وما إذا كانت هذه الأطراف ستُبدي تغييرا ملموسا في نهجها.

    ويؤكد بور رمضان أن إيران -رغم التصعيد العسكري الأخير- “لا تزال ترى في السلام خيارا مطروحا، حتى وإن كانت تُعتبر أحد أطراف النزاع الذي بدأ باعتداء من جانب إسرائيل، وردّت عليه طهران من منطلق الدفاع عن النفس”.

    ويضيف أن “إيران في هذه المرحلة تتبنى سياسة مزدوجة: يد على الزناد، وأخرى تتحرك في المسار الدبلوماسي. فهي، كما كانت تؤمن بأهمية التفاوض قبل هذه الحرب، لا تزال ترى في الحوار أداة فعالة، ولكنها لن تتردد في استخدام أدواتها الدبلوماسية سواء في الاتجاه الإيجابي أو التصعيدي”.