مع إعلان انتهاء الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، تتجه الأنظار إلى مفاعيل وقف إطلاق النار وتداعيات ما جرى على مستوى الإقليم، خصوصاً في لبنان الذي بقي، رغم عدم انخراطه المباشر، جزءا من المسرح الجغرافي والسياسي للصراع.

ومع دخول المنطقة مرحلة ما بعد الحرب، تبقى الجبهة الجنوبية للبنان واحدة من أكثر البؤر حساسية، في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية اليومية واحتلال إسرائيل لعدد من المناطق اللبنانية ، وتحديدا لنقاط خمس.

في هذا السياق، تبرز من جديد أهمية القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل»، لا سيما مع اقتراب موعد التجديد لمهمتها في آب المقبل، وسط تساؤلات حيوية حول مستقبل وجودها ودورها، في ضوء التغيّرات الإقليمية وتبدّل ميزان القوى، بالإضافة إلى الضغوط السياسية المتصاعدة داخليا وخارجيا.

مصادر دبلوماسية معنية بملف التجديد لقوات «اليونيفيل» كشفت لـ»اللواء» عن إنجاز وزارة الخارجية لمسودة الكتاب الرسمي الذي يُفترض توجيهه إلى الأمم المتحدة لطلب التجديد، وقد تمّ رفعه إلى كلّ من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة للاطّلاع عليه.

وأوضحت المصادر أن الكتاب يستند إلى الصيغة التقليدية التي اعتُمدت في السنوات الماضية، دون إدخال أي تعديلات جوهرية، معربة عن أملها في أن تتم الموافقة عليه سريعا وإرساله في أقرب وقت إلى المراجع الدولية، نظرا لضيق الوقت وحساسية المرحلة.

إلّا ان المصادر كشفت أيضاً عن اقتراح لبناني قد يُعرض على الدوائر الأممية، يقضي بالتمديد لقوات «اليونيفيل» لمرة أخيرة ولمدة عامين، تُشكّل مهلة نهائية يُعاد خلالها انتشار الجيش اللبناني في مناطق عمل القوة الدولية. ويُفترض، وفق الاقتراح، أن تدرك «اليونيفيل» أن هذا التمديد سيكون الأخير، ما يستوجب منها وضع خطة انسحاب تدريجي تواكب خطة الانتشار المرتقب للجيش اللبناني.

وتعتبر المصادر ان على الحكومة اللبنانية تقديم موقفا واضحا وحازما تجاه صيغة التجديد، بما يراعي مصلحة الدولة ويمتّن علاقتها بالمجتمع الدولي.

في المقابل، ترى مصادر مطّلعة أن الواقع الأمني في الجنوب لا يزال هشّا وخطيرا، فـ«حزب الله» يبقى تحت مجهر الرصد الإقليمي والدولي، بينما لا تخفي إسرائيل استعدادها الدائم لتوجيه ضربات استباقية لأي تحرّك تعتبره تهديدا لأمنها، ما يجعل من الجنوب ساحة مفتوحة لاحتمالات التصعيد في أي لحظة.

وتُذكر المصادر بانه منذ عام 2006، تتولى قوات «اليونيفيل» تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، وتعمل بالتنسيق مع الجيش اللبناني على ضبط الأوضاع جنوب الليطاني ومنع التصعيد. إلّا أن مهمة هذه القوات أصبحت أكثر تعقيدا في السنوات وحتى في الأشهر الاخيرة، مع تزايد الاعتداءات على دورياتها، وعرقلة تحركاتها، وظهور مؤشرات على تراجع هيبتها أمام بعض القوى المحلية النافذة، ما أضعف قدرتها على الردع وأربك فاعليتها الميدانية.

وترى هذه المصادر أن مسألة التجديد «لليونيفيل» هذا العام لن تكون مسألة إجرائية روتينية كما في السابق، بل هي مرتبطة هذه المرة بتوازنات دقيقة من الضغوط السياسية الدولية، والمخاوف من انزلاق الجنوب نحو مواجهة جديدة.

في هذا الإطار، بدأت بعض الدول المشاركة في» اليونيفيل»، طرح تساؤلات جديّة حول مستقبل هذه المهمة، وما إذا كانت لا تزال تؤدي الدور المرجو منها. وتشير المصادر إلى أن ثمة توجّها داخل الأمم المتحدة لطلب تعديلات محتملة على قواعد الاشتباك، أو تعزيز التنسيق مع الجيش اللبناني، في محاولة لزيادة فاعلية القوات، ومنع تحويل الجنوب إلى ورقة مساومة إيرانية – إسرائيلية، تكون أرض لبنان مسرحها من دون قرار رسمي من الدولة.

وفي السياق تلفت المصادر الى الموقف الفرنسي المدافع عن بقاء هذه القوات، باعتبار ان باريس تُعدّ من أكثر العواصم التزاما باستقرار لبنان، وقد عبّر مسؤولوها مرارا عن تمسّكهم بـ«اليونيفيل» كأداة فاعلة لمنع الانفجار. كما شدّدوا على أن أي محاولة للمساس بهذه المهمة أو عرقلتها سيُنظر إليها كمؤشر سلبي للغاية، ليس فقط تجاه القوات الدولية بل تجاه التزام لبنان بالقرارات الدولية، وخصوصا القرار 1701.

لذلك، فان طلب الحكومة اللبنانية بالتمديد للقوة الدولية سيكون عنوان المرحلة المقبلة خلال المفاوضات في مجلس الأمن، وموضع درس من الأمم المتحدة والدول الأعضاء في المجلس، في ظل وجهات نظر مختلفة في ما خص دور «اليونيفيل» ومهامها ويجري العمل على التقريب في ما بينها للتوصل الى اتفاق في هذا الصدد قبل حلول موعد التمديد نهاية شهر آب المقبل حسب المصادر، التي تؤكد ان الأمم المتحدة تدعم لبنان في المطالبة باستمرار عمل «اليونيفيل» لا سيما وان التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني يجري بانتظام.

ولكن تشير المصادر أيضا إلى أن النقاش حول مهمة «اليونيفيل» لا يمكن فصله عن الإشكالية الأوسع المرتبطة بسلاح «حزب الله» لأنه بعد الحرب الأخيرة، بات واضحا أن المجتمع الدولي يعتبر هذا السلاح عنصر تهديد حقيقي للاستقرار الإقليمي، وعليه، فإن أي دعما إضافيا للقوات الدولية، أو للجيش اللبناني في الجنوب، سيجري تناوله من زاوية فرض سيادة الدولة، وضبط السلاح غير الشرعي.

ويبقى السؤال المطروح هل يشكّل تجديد مهمة «اليونيفيل» هذه السنة بداية لطرح أكبر يتناول الواقع الأمني والسيادي في الجنوب، أم أن الأمر سيُختزل مجدّداً بتمديد تقني مؤقت، يراعي التوازنات الحالية دون أي تغيير حقيقي؟

في كل الأحوال، ما زالت الفرصة متاحة أمام الدولة اللبنانية لإعادة صياغة علاقتها بالمجتمع الدولي على قاعدة التزامها الجدّي بالقرارات الدولية، والعمل على تحصين الجنوب، حماية للبنان من أي مغامرة جديدة تُرسم له من خارج الحدود.

لينا الحصري زيلع – اللواء