فرضت المنصات الرقمية المتواجدة في العالم الرقمي اليوم نفسها كمساحة مستقلة للتعبير والتاثير، …. لا بل وذهبت الى ابعد من ذلك لتمثل النسخة الجديدة للإعلام بما تحمله من تحول جذري في الشكل والمضمون.ومع هذا التحول الكبير الذي نشاهد ملامحه وتأثيراته يوميا ، ظهر جيل جديد من الشباب يوظّف هذه المنصات لتقديم محتوى متنوّع، من الترفيهي إلى التثقيفي، أو لبناء هوية رقمية تساعده في خلق فرص العمل والوصول إلى الشهرة.وسط هذا التحول ، يبرز سؤال جوهري يفرضه الواقع الحالي: هل كل من يصنع محتوى رقمياً يُعتبر ريادياً إعلامياً؟ أم أن هناك معايير وشروطًا تميز الريادة الحقيقية عن مجرّد الوجود الرقمي؟يستوقفنا جميعا مصطلح ( الريادة الإعلامية ) ، فماذا يعني ؟ وما هي دلالاته ؟إن الريادة الاعلامية هي مفهوم جديد، لا يقتصر فقط على إنتاج المحتوى أو الحصول على مشاهدات عالية, بل يقصد به بناء مشروع إعلامي متكامل لهُ رؤية واضحة , ويقوم بمعالجة قضية أو يقدم قيمة وخدمة لها تاثير , وتتقاطع مع مفاهيم الريادة الأخرى في البحث عن الاستدامة وربح طويل الأمد ؛ ولكن ما الفرق بين صانع المحتوى المشهور الريادي الإعلامي؟ أعتقد أننا هنا نقوم بالمقارنة بين من يتواجد بحساب ما على المنصات الرقمية المختلفة مثل الفيسبوك والامسترغام والتيكتوك وغيرها ” تيكتوك” مثلا ، لنشر يومياته وبين من يطلق منصة أو برنامجاً رقمياً له مضمون وأصالة.رغم سهولة الدخول إلى عالم الإعلام الرقمي ؛ إلا أن الانتقال للريادة فيه قد يواجه مجموعة من التحدّيات أبرزها: غياب المفهوم الحقيقي لطبيعة العمل الإعلامي وما يتطلبه من مسؤولية وتأثير مجتمعي.واعتقد ان قلة البرامج التدريبية والمبادرات المتخصصة قد تضعف من فرصة هؤلاء الشباب في التحول إلى روّاد في الإعلام.هناك خلط بين الشهرة الرقمية والنجاح الريادي ، ولكن روّاد الإعلام الذين يبحثون عن النجاح الريادي يبحثون دائما عن فرص تطوير وليس أعداد لحظية، وقد تتخدل الخوارزميات وظاهرة ” الترند ” لتشكل لهم صعوبة في الاستمرار ، تبعدهم عن الرسالة الأصلية للمشروع أحياناً.وتشير بيانات “Global Web Index” لعام 2024 إلى أن أكثر من 65% من شباب الشرق الأوسط يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات, فيما توضح لنا إحصاءات “Statista” أن عدد صنّاع المحتوى المستقلين عالميًا تجاوز 200 مليون، لكن القليل منهم من يمتلك مشاريع إعلامية قائمة على نموذج ربحي أو رؤية مستدامة.أما في الأردن وبحسب “صندوق الواحة الاستثماري” فمنذ عام 2011 تم الاستثمار فقط ب 6 شركات ناشئة في قطاع الإعلام ما يعكس حجم الفجوة الموجودة في هذا المجال.عملت خلال السنوات الماضي على مشروعي الريادي الاعلامي الذي يحمل اسم “فسفوري”؛ وهو مشروع برنامج إعلامي رقمي يعالج قضايا مجتمعية من منظور شبابي، ويعمل في العلاقات العامة والإعلام ، ويقدّم استشارات استراتيجية في بناء الرسائل وتنفيذ الحمّلات الإعلامية، مع التركيز على ربط الإعلام بالريادة والتمكين المجتمعي.في رحلتي مع مشروع “فسفوري”، بدأت كصانعة محتوى أشارك فيه أفكاري وقضايا تهمني، لكن سرعان ما واجهت سؤالاً محورياً: هل أنا فقط صانعة محتوى؟ أم أنني أبني برنامجًا إعلاميًا يمكن أن يتحول إلى مشروع مستقل ومستدام؟ كانت هذه الفجوة مربكة إلى حدٍ ما.وبعد عمل متواصل لسنوات كصاحبة مشروع اعلامي واضح المعالم، يساورني الشك في كثير من الاحيان حيال القدرة على الاستمرار واعتبار المشروع كيان منفصل عن شخصيتي ، خاصة بعد إدخال دمية ” فسفوري” كشريك تعبيري معي في البرنامج ، حيث اصبح التحدّي أعمق وأكثر تعقيداً.هذا التحدي ليس شخصيًا فقط، بل يعكس واقعًا يعيشه كثير من الشباب العاملين في الإعلام، حيث تغيب النماذج الواضحة، ويقل فيها الحديث عن الاستدامة وبناء الهوية المؤسسية.إذا أردنا إحداث فرق حقيقي في المشهد الإعلامي العربي، فعلينا أن نعيد النظر في أولوياتنا تجاه الإعلام الرقمي، لا باعتباره مجرد منصة للتعبير، بل مساحة حقيقية للبناء والتغيير, كما ان علينا العمل بجد حول كيفيات تطوير المحتوى ليصبح مشروعا قائما مستداما يوازن بين الرسالة التي نتبناها من الشمروع الاعلامي وما نريد تغييره وبين السعي لتحقيق الايراد والارباج من اجل الاستدامة.