أمضى الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي، الأحد، في حشد الدعم لمشروع قانون الضرائب والهجرة الضخم، الذي يُعد محور أجندة الرئيس دونالد ترمب في ولايته الثانية، في محاولة لمنع حدوث انشقاقات داخلية بعد تمرد كاد أن يطيح بالمقترح خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.

وأشارت الصحيفة الأميركية في تقرير، الاثنين، إلى أن الجمهوريين يسابقون الزمن لتمرير مشروع الموازنة الضخم، ووضعه على مكتب ترمب لتوقيعه وتحويله إلى قانون قبل موعد نهائي حددوه لأنفسهم في 4 يوليو المقبل، لكن الانقسامات لا تزال قائمة داخل الحزب بشأن التخفيضات في برامج المساعدات الاجتماعية ومكافحة الفقر، بالإضافة إلى التكلفة المتصاعدة لمشروع القانون.

وتمكن مجلس الشيوخ بفارق ضئيل فقط من دفع مشروع القانون عبر تصويت إجرائي في وقت متأخر، السبت، وصوّت الأعضاء بأغلبية 51 مقابل 49 صوتاً، لفتح النقاش حول مشروع القانون الضخم.

وأشاد ترمب عبر حسابه على منصة “تروث سوشيال” (Truth Social) بالتصويت، ووصفه بأنه “انتصار عظيم” لمشروع قانونه “الكبير والجميل والموحد”.

ويرغب ترمب في إقرار مشروع القانون قبل عطلة عيد الاستقلال في الرابع من يوليو المقبل، وهذا الموعد النهائي اختياري، لكن المشرعين سيواجهون موعداً نهائياً أكثر خطورة في وقت لاحق من هذا الصيف عندما يتعين عليهم رفع سقف الدين الذي حددته البلاد لنفسها، أو المخاطرة بالتخلف عن سداد ديون بقيمة 36.2 تريليون دولار، والذي سيكون له تبعات خطيرة.

“نقاط ضعف”

وناقش المشرعون مشروع القانون في مجلس الشيوخ حتى ساعات المساء، قبيل موجة متوقعة من التعديلات التي سيطرحها الديمقراطيون بدءاً من صباح الاثنين.

وبدأت نقاط الضعف في مشروع القانون تظهر على مدار اليوم، إذ أعلن السيناتور الجمهوري من نورث كارولاينا توم تيليس، أنه لن يسعى لإعادة الترشح بعد فشله في إدخال تعديلات على المشروع تعفي مستشفيات المناطق الريفية في ولايته من تخفيضات التمويل.

وفي مجلس النواب، أعلن تكتل محافظ مؤثر معارضته لمشروع القانون، بحجة أنه لا يُخفض الإنفاق الفيدرالي بما فيه الكفاية. ومع ذلك، أعرب قادة الحزب الجمهوري عن تفاؤلهم بإقرار مشروع القانون قريباً.

وقال السيناتور الجمهوري من مونتانا ستيف داينز، عضو لجنة المالية المعنية بصياغة التشريعات الضريبية: “الأمور تمضي قُدماً… الأمر ليس سهلاً أبداً”.

ويتضمن مشروع القانون “الكبير والجميل” الذي طرحه ترمب تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت في عام 2017، وتنفيذ وعود انتخابية مثل إعفاء الإكراميات من الضرائب، إلى جانب إنفاق مئات المليارات من الدولارات على حملة الترحيل الجماعي التي تتبناها إدارة البيت الأبيض، وأولويات الدفاع الوطني.

ولتعويض الكُلفة، يقترح المشروع إجراء تخفيضات حادة في برنامج “ميديكيد” (Medicaid) للرعاية الصحية، الذي تموّله كل من الحكومة الفيدرالية والولايات، ويُقدم خدماته لذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى تقليص برنامج المساعدات الغذائية التكميلية (SNAP)، المعروف سابقاً باسم “كوبونات الطعام”.

عبء الدين

ومن المتوقع أن يضيف مشروع القانون نحو 3.3 تريليون دولار إلى الدين العام خلال السنوات الـ10 المقبلة، أي أكثر بنحو 800 مليار دولار من النسخة التي أقرها مجلس النواب الشهر الماضي، وفقاً لتقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس.

وأصدر المكتب، وهو جهة غير حزبية معنية بتقدير التكاليف المالية للتشريعات، تقديره لتأثير مشروع القانون على الدين الفيدرالي البالغ 36.2 تريليون دولار، بينما يحاول الجمهوريون في مجلس الشيوخ المضي قدماً بالتشريع في جلسة ماراثونية بعد أيام.

ورفض الجمهوريون، الذين طالما عبروا عن قلقهم إزاء تزايد العجز والدين الأميركي، المنهجية التي يتبعها مكتب الميزانية منذ فترة طويلة في حساب تكلفة التشريع. لكن الديمقراطيين يأملون في أن يؤدي الرقم الأحدث الملفت إلى إثارة ما يكفي من القلق بين المحافظين المهتمين بالتبعات المالية للقرارات لحملهم على مخالفة حزبهم الذي يسيطر على مجلسي الكونجرس.

ولا تشمل تلك التقديرات تكاليف الاقتراض الإضافية، التي يُتوقع أن تكون كبيرة، نظراً لأن المشروع، رغم ما يتضمنه من تخفيضات في الإنفاق، ممول إلى حد كبير عبر عجز الموازنة.

والجمهوريون في مجلس الشيوخ، الذين يرفضون تقديرات مكتب الميزانية بشأن تكلفة التشريع، مصممون على استخدام طريقة حساب بديلة لا تأخذ في الحسبان التكاليف الناجمة عن تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017.

ويصف خبراء ضرائب خارجيون، مثل أندرو لوتز من مركز الأبحاث غير الحزبي “بايبارتيزان بوليسي سنتر” (Bipartisan Policy Center) ومقره واشنطن، هذه الطريقة “بالخدعة السحرية”

ووفقاً لتحليل أجراه المركز، فإن استخدام طريقة الحساب هذه يظهر أن مشروع القانون الذي طرحه الجمهوريون في مجلس الشيوخ أقل تكلفة بكثير، ويبدو أنه يوفر 500 مليار دولار.

وإذا أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون، فسيعود بعد ذلك إلى مجلس النواب لإقراره بشكل نهائي قبل أن يوقعه ترمب ليصبح قانوناً.

“مهمة شاقة”

وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر لـ”واشنطن بوست”: “هذا يوضح حجم المخاطر التي تواجهها الأغلبية الجمهورية، لأن مشروع القانون لا يحظى بشعبية، ليس فقط في نورث كارولاينا، بل في عموم البلاد”. وأضاف: “هذا خبر سيئ لأغلبيتهم”.

وحرص الديمقراطيون على جعل تمرير مشروع القانون “مهمة شاقة” قدر الإمكان، إذ طالب شومر بقراءة نص مشروع القانون، المؤلف من 940 صفحة، كاملاً وبصوت عالٍ في قاعة مجلس الشيوخ، وهي عملية استغرقت نحو 16 ساعة. ولم تبدأ المناقشات الجدية في المجلس إلا بعد ذلك، ظهر الأحد، بحسب “واشنطن بوست”.

ويعتزم الديمقراطيون أيضاً تقديم مجموعة من التعديلات قبل التصويت النهائي، وهي تعديلات يُرجح أن تُرفض، لكنها تهدف إلى تحذير المرشحين الجمهوريين من تداعيات مواقفهم في الانتخابات المقبلة.

وقال السيناتور الجمهوري من أوكلاهوما ماركواين مولين، الأحد، في برنامج Meet the Press على شبكة NBC News: “لا ندفع المال للناس في هذا البلد ليكونوا كسالى”.

وأضاف: “نريد أن نمنحهم فرصة، وعندما يمرون بوقت عصيب، نريد أن نمد لهم يد العون. هذا هو الهدف الذي صُمم من أجله برنامج ميديكيد، وللأسف، جرى إساءة استخدامه”.

وأثرت المخاوف من تأثير المشروع على العجز وخفض الإنفاق بشكل كبير على نظرة الناخبين تجاهه. 

وأظهر استطلاع أجرته صحيفة “واشنطن بوست” بالتعاون مع مؤسسة “إبسوس” هذا الشهر، أن الأميركيين يعارضون مشروع القانون بنسبة تقارب الثلثين مقابل الثلث، إذ رأى 63% من المشاركين أن تأثيره على الدين العام “غير مقبول”.

تفاصيل مشروع القانون

ويتضمن مشروع القانون تمديد التخفيضات الضريبية، التي أُقرت خلال الولاية الأولى لترمب، إلى جانب إعفاءات ضريبية تأمل الإدارة الأميركية أن تسهم في تحفيز النمو الاقتصادي.

ويشمل المشروع ثلاثاً من الوعود الشعبوية التي أطلقها ترمب في حملته الانتخابية؛ وهي: إلغاء الضرائب على الإكراميات، وأجور العمل الإضافي، وفوائد قروض السيارات. كما يضيف 6 آلاف دولار إلى قيمة الخصم الضريبي القياسي الممنوح لكبار السن.

وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، اقترح ترمب إنهاء الضرائب على مزايا الضمان الاجتماعي، لكن هذا البند لم يُدرج في مشروع القانون.

أما على صعيد القطاع الخاص، فيمنح المشروع الشركات خصومات ضريبية أكبر على أنشطة البحث والتطوير واستهلاك الأصول والفوائد على المشتريات الكبيرة.

ووفقاً لتقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس، سيؤدي المشروع إلى تقليص برامج الرعاية الصحية بقيمة 1.1 تريليون دولار. وبحلول عام 2034، من المتوقع أن يفقد نحو 12 مليون شخص خدمات التأمين الصحي.

وبحسب مشروع القانون، ستأتي أكبر التخفيضات في الميزانية من ما يُعرف بـ”ضرائب مقدمي الخدمات”، وهي رسوم تفرضها الولايات على مقدمي الرعاية الصحية كطريقة غير مباشرة لزيادة الأموال التي تحصل عليها من الحكومة الفيدرالية عبر برنامج “ميديكيد”.

وأثار هذا البند انتقادات حادة من السيناتور توم تيليس، الذي هاجم مشروع القانون مساء الأحد، في مجلس الشيوخ، قائلاً: “ماذا سأقول لـ663 ألف شخص بعد عامين أو ثلاثة، عندما ينكث الرئيس ترمب وعده ويدفعهم خارج مظلة ميديكيد، لأن التمويل لم يعد متوفراً؟”، في إشارة إلى عدد السكان في ولاية نورث كارولاينا المهددين بفقدان تغطية الرعاية الصحية.