أنهت سينما “الكندي” بدمشق، عملها، كصالة عرض تابعة للمؤسسة العامة لسينما في وزارة الثقافة، وأسدلت ستارة العرض، على مشهد وُصف بالمأسوي، إثر صدور القرار رقم 2923\13، تاريخ 10 تموز 2025، عن مديرية أوقاف دمشق، والقاضي بفسخ عقد السينما الواقعة على العقار الموصوف بالمحضر رقم 2285، منطقة صالحية جادة، والعائدة ملكيته لمديرية أوقاف دمشق.

 

ورغم الانتقادات التي تعرض لها قرار مديرية أوقاف دمشق، من المثقفين وعشاق الفن السابع، إلا أن المديرية، تدعم قرارها قانونياً، إذ تُصنف سينما الكندي والعقار 2285، ضمن أملاك الوقف التابعة لها.

 

وقالت مديرية الأوقاف في قرارها، إن البدل السنوي لهذا العقار الاستراتيجي وسط المدينة، يبلغ 30 دولاراً، رغم أن مساحته تتجاوز 700 متر مربع. واستنادًا لذلك، طلبت من ورثة “محمد عارف الخيمي وشركاه”، مستأجري العقار، إخلاءه خلال أسبوع من تبلغهم القرار، مشيرةً للجوء إلى الضابطة العدلية في حال عدم التنفيذ. كما قالت المديرية في قرارها، إنها ستعيد تأهيل العقار المذكور، ليصبح “مركزاً ثقافياً يشع منه نور المعرفة والعلم على شباب سوريا”.

 

سينما الكندي بدمشق

 

ومن المعروف أن المؤسسة العامة للسينما، التابعة لوزارة الثقافة السورية، متعاقدة منذ زمن طويل مع مستأجري هذا العقار، وقدحولته إلى صالة عرض سينمائي، تقدم عروض المؤسسة وغيرها من الأفلام، إضافة لاحتضانها مهرجانات سينمائية محلية وعربية.

 

ويؤكد مصدر خاص، من المؤسسة العامة للسينما، لـ”المدن”، أن المؤسسة فوجئت بالقرار منشوراً مساء الخميس في السوشال ميديا، وأنه لم يكن لديها علم به، كما لم يحصل أي تنسيق معها، لأنها المعنية بإخلاء المكان الذي يحتوي معدات عرض سينمائي كاملة، مع ما يرافقها من تجهيزات، خلال أسبوع واحد فقط!

 

ويعتبر المحضر رقم 2285، منطقة صالحية جادة، الذي تشغله سينما الكندي، من أملاك الأوقاف التي ينظمها القانون رقم 31 لعام 2018، ويعرف هذا القانون “الأوقاف” بالقول إنها “الأموال المنقولة وغير المنقولة المُعدَّة على حكم ملكِ الله تعالى والمخصَّصة للنفع العام وفق أحكام الشريعة الإسلاميَّة”. كما يحدد القانون 31 عمل وزارة الأوقاف، ومهام الوزير والوزارة، ومن ضمنها: “إدارة الأوقاف ووضع الضوابط اللازمة للمحافظة عليها وصيانتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنميتها واستثمارها على النحو الأمثل، واتخاذ الإجراءات الإدارية أو القضائية الكفيلة بإزالة التعدِّيات والتجاوزات عليها”.

سينما الكندي بدمشق

ويندرج عقد الإيجار المبرم بين مديرية الأوقاف ومستأجري المحضر رقم 2285، منطقة صالحية جادة، ضمن عقود “التمديد الحكمي”، التي لا يمكن إلغاؤها إلا من خلال تشريع قانوني.

 

وفي وقت سابق، نظم المتضررون من إلغاء عقود التمديد الحكمي، سلسلة من الاحتجاجات في دمشق وعدد من المحافظات السورية، ما اضطر وزارة العدل لتشكيل لجنة خاصة بدراسة التشريعات العقارية المتعلقة بعقود الإيجار، برئاسة القاضي أنس منصور السليمان، رئيس محكمة النقض، وعضوية عدد من القضاة وممثلي الجهات المعنية، بهدف مراجعة القوانين الخاضعة “للتمديد الحكمي”، ووضع مقترحات تشريعية تحقق توازنًا عادلًا بين حقوق المؤجرين والمستأجرين.

 

ويقول المحامي عارف الشعال، في منشور في فايسبوك، إن هذه القضية، هي إحدى مظالم “الفروغ”، ويضيف: “تقع سينما الكندي في الكتلة التي تضم مقهى الهافانا في قلب الشام، وهي من أملاك الوقف. تبلغ مساحتها 700 متر مربع، أُجرتها السنويّة 30 دولاراً فقط! وفي حالتنا هذه، من المستبعد أن تكون مديرية الأوقاف قد استوفت بدل الفروغ من المستأجر. فهل ثمة جورٌ وإجحافٌ أوضح من هذا الوضع؟ وقِس على ذلك أجرَ الغالبية العظمى من العقارات التجارية الخاضعة للتمديد الحكمي!”.

 

سينما الكندي بدمشق

 

لكن الشعال، يشير إلى أن مديرية الأوقاف، كان من المفترض أن تنتظر تعديل قانون “التمديد الحكمي”، الذي تعمل عليه لجنة مختصة من وزارة العدل، قبل إصدار قرارها بفسخ العقد مع مستأجري عقار سينما الكندي. ويضيف: “من اللافت أن مديرية الأوقاف لم تنتظر تعديل قانون التمديد الحكمي؛ إذ ألغته من تلقاءِ ذاتها، وتسعى لاسترداد المأجور دون أن تعير منظومة الفروغ أي اعتبار! فإذا نجحت الأوقاف في مسعاها هذا، وكرَّست هذه السابقة، فيمكننا أن نقول للمستأجرين في عقارات الوقف: لقد أُكل الثور الأبيض”.

 

وتقع كامل العقارات الموجودة، من مقهى الكامل الصيفي ومطعم الكمال الجديد وهمبرغر وسناك الكندي وندوة الكندي، وسينما الكندي ومحل فلاحة لألبسة الأطفال، ومحل بيع النظارت الطبية والمكتبة ومقهى الهافانا وألبسة الواحة، وسينما الأهرام، والمكتبة بجانبها أيضًا، وصولًا إلى مدخل شارع شيكاغو، كلها ضمن أملاك مديرية أوقاف دمشق.

 

لكن الوضع القانوني الذي تستند إليه مديرية أوقاف دمشق، لم يعفها من الانتقادات العارمة، لأنها ألغت قانوناً مصنفاً ضمن “التمديد الحكمي”، ولم تنتظر تعديل التشريعات العقارية، الذي تعمل عليه لجنة من وزارة العدل، كما أسلفنا.

 

من جانب آخر، فإن وجود طرف آخر، يستثمر هذا العقار كصالة سينمائية، ويتبع لمؤسسات الدولة، أي المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة، يجعل التنسيق ضرورياً بين وزارتي الأوقاف والثقافة، وهو ما لم يحدث، كما أكد لنا مصدر خاص من مؤسسة السينما. حيث بالإمكان الإبقاء على صالة السينما، مع رفع الإيجار أو قيمة الاستثمار السنوي، وتعديل الإيجار الشخصي لآل الخيمي وشركائهم، بحيث تصبح القيمة المالية عادلة لجميع الأطراف.

 

صفحة “دمشق الآن”، علقت على الخبر بالقول: ” وداعًا سينما الكندي… وأهلاً بعصر الفتوى.. منذ العام 1979، افتُتحت سينما الكندي بدمشق كمركز ثقافي وفني، لتكون نافذة السوريين على السينما والعالم. واليوم، بعد أكثر من 40 سنة، تُسدل الستارة. لا بنهاية فيلم، بل بقرار رسمي!”.

 

الإعلامي محمد يونس كتب معلقًا على القرار: “نعم يا جماعة سينما الكندي يلي صار عمرها أكبر من عمر أغلب قراراتنا المصيرية السابقة والحالية، تم تبليغها بالإخلاء، لأنو النور اللي عم يشعّ منها “مش من النوع الموافق عليه شرعًا”، يعني وزارة الأوقاف قررت تحط حد لهاد الانحراف الثقافي المسمى: سينما”.

 

المخرج السينمائي وليد الدرويش، انتقد القرار، وكتب: “قرار تحويل سينما الكندي التاريخية بدمشق إلى “صرح ثقافي” ليس إلا مثالًا آخر على وعود الحكومة الفارغة، التي تزعم تحويل سوريا إلى سنغافورة، بينما الحقيقة أن هذه القرارات تعكس تراجعًا ثقافيًا حقيقيًا. السينما كانت مساحة حية للفن والتلاقي الثقافي، وتحويلها إلى مبنى غامض وغير محدد الوظيفة يمحو تاريخها ويخنق الحياة الفنية في دمشق”.

 

فيما أيد القرار متابعون آخرون، وكتب أحدهم: ” تحية لمدير أوقاف دمشق سامر بيرقدار وكافة الجنود المجهولين الذين يعملون بهمة عالية لاسترداد الأوقاف الإسلامية، وإعادتها إلى ما وُقِفَت له أو لما تجيزه الشريعة لما فيه نفع الأمة وخير البلاد والعباد”.

 

وسينما الكندي لها تاريخ غني ومميز في المشهد الثقافي السوري، وهي واحدة من أبرز دور العرض التابعة للمؤسسة العامة للسينما في سوريا.

 

ويعود تاريخ تأسيس سينما الكندي إلى أوائل القرن العشرين، حيث كانت تُعرف سابقًا باسم “سينما أدونيس” ثم “سينما بلقيس”، قبل أن تُصبح “سينما الكندي” العام 1952 في شارع المتنبي مقابل شركة الترام بدمشق.

 

اعتصام أمام سينما الكندي بدمشق

 

 استلمتها المؤسسة العامة للسينما العام 1976  وجعلتها جزءًا من شبكة صالاتها الرسمية، لتُستخدم في عرض الأفلام السورية والعالمية، وكذلك في الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمسابقات السينمائية الشبابية.

 

شهدت صالة الكندي عمليات تحديث في السنوات الأخيرة، وتم افتتاحها مجددًا بعرض أفلام وثائقية مثل “سايكو” للمخرج مايكل مور، في محاولة لإحياء الطقس السينمائي في دمشق. كما استقبلت مهرجانات الأفلام القصيرة الخاصة بالسينمائيين الشباب في دورات عديدة.

 

ورغم تراجع صالات العرض بدمشق، لأسباب إنتاجية ومالية كثيرة، إلا أن سينما الكندي بقيت مركزًا لتدريب طلاب دبلوم الإخراج السينمائي، كما تُستخدم كمنصة تعليمية أكثر منها تجارية.