فيما يأتي استعراض لجهود المعهد في الحفاظ على التراث وإحياء الهوية الثقافية.

    النشأة والرؤية: مسيرة التأسيس والطموح

    تأسس معهد الشارقة للتراث بموجب المرسوم الأميري رقم (70) لعام 2014، والصادر عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقد افتتحه بنفسه في الرابع عشر من ديسمبر في عام 2014. 

    ونال المعهد تصنيف مركز دولي من الفئة الثانية تحت رعاية اليونسكو، ما عزّز مكانته العالمية في مجال التراث الثقافي، وتعتمد رؤيته على صون الهوية الإماراتية والموروث الثقافي، بينما تتمثل رسالته في نشر الوعي بأهمية التراث المحلي والعربي، مع الانفتاح على الثقافات العالمية.

    تعزيز ورعاية: رؤية القاسمي الاستشرافية

    وضع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مسألة حفظ التراث الإماراتي وصونه وتوثيقه على رأس أولويات العمل الثقافي والحضاري في إمارة الشارقة.

    وبدأت جهود إمارة الشارقة لتحقيق تلك الرؤية بتوجيهات من صاحب السمو حاكم الشارقة في الحفاظ على التراث العمراني مبكراً مع إنشاء “وحدة التراث” عام 1987، التي كانت نواة العمل الممنهج لحماية المواقع التراثية وإحياء العمارة التقليدية، تلاها تأسيس “إدارة التراث” عام 1995، وصولاً إلى إنشاء معهد الشارقة للتراث الذي يعد ثمرة رؤية حضارية عميقة تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

    التكوين العلمي: معرفة تراثية متجددة

    يُمثل المعهد منارة أكاديمية وعلمية تسعى إلى تعزيز الموروث الثقافي والفنون التقليدية وحفظهما عبر برامج الدبلوم المهني المتخصصة التي طرحها في مجالات حيوية متعددة، ويشرف على هذه البرامج مجموعة متميزة من الأكاديميين والمختصين، بغرض إعداد جيل من الكفاءات المؤهلة والمزودة بالمعرفة الضرورية في مختلف جوانب التراث الثقافي.

    ويُغني المعهد المحتوى المعرفي الإماراتي والعربي بمطبوعات متنوعة تضم كتباً ودوريات متخصصة مثل مجلة “الموروث” و”مراود” وسلسلة “عالم التراث”، إلى جانب إصدارات أخرى تتناول موضوعات تراثية وثقافية متنوعة.

    وتشكّل مكتبة الموروث التي تأسست عام 2016 تحت شعار “بالقراءة نرتقي”، منارةً معرفيةً متخصصة داخل المعهد، فهي تحتضن أكثر من 5000 عنوان تراثي قيم، وتغطي مختلف جوانب التراث المادي وغير المادي، وصُممت المكتبة بأبعاد وظيفية وجمالية توفر فضاءً مثالياً للباحثين والدارسين، ما يعزّز دورها بوصفها حاضنة علمية تدعم عمليات التوثيق والبحث، وتسهم في صون الذاكرة الثقافية الإماراتية والعربية.

    استشراف المستقبل: حماية التراث مسؤولية مُلحّة

    يدرك المعهد التحديات التي تواجه التراث الثقافي في ظل التحولات المعاصرة والعصر الرقمي؛ لذلك ينظم جلسات وفعاليات تناقش مستقبل التراث في عالم متغير، مثل جلسة “مستقبل التراث الثقافي في عصر متغير” التي عقدها في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

    وقد أكّد رئيس معهد الشارقة للتراث الدكتور عبد العزيز المسلم في تلك الجلسة أنَّ حماية التراث الثقافي باتت مسؤولية ملحة تتطلب تكاتف الجهود، وشدد على ضرورة دمج أدوات العصر الحديث ووسائل الإعلام الرقمية وتقنياتهما في ترويج التراث بجعله عنصراً حياً مواكباً ومتفاعلاً مع مستجدات العصر.

    مبادرات ثقافية: إحياء التراث الشعبي المشترك

    ينظم المعهد مجموعة متنوعة من الفعاليات والمبادرات الثقافية التي تُعنى بالتراث وتصونه،  وفيما يأتي أهم هذه المبادرات:

    ملتقى الشارقة الدولي للراوي

    يشكّل هذا الملتقى محطة سنوية بارزة للاحتفاء بناقلي الموروث الشفهي من الرواة والإخباريين، ويقدم تكريماً خاصاً إلى هؤلاء الحافظين للتاريخ والتراث المشترك وللباحثين المتخصصين في هذا المجال، ويتميّز الملتقى ببرنامج غني يضم عدداً من الورش التدريبية والندوات والجلسات المعرفية، ويهدف أساساً إلى حفظ الروايات الشفوية وصيانة القصص التراثية من الضياع والاندثار عبر الزمن.

    أيام الشارقة التراثية

    تُعد هذه الفعالية من أبرز المهرجانات الثقافية التي بدأت مسيرتها في عام 2003، وقد تطورت على نحو ملحوظ حتى أصبحت تغطي سبع مدن مختلفة في إمارة الشارقة.

    وتحتفي هذه الأيام بمختلف جوانب التراث مثل البيئات التراثية والفنون الاستعراضية والحرف اليدوية والأزياء التقليدية، وذلك بطرح شعارات سنوية ذات مغزى، ولعلَّ أهم ما يميّز هذه الفعالية هو دورها الفعال في إبراز الصورة الحقيقية للتراث الإماراتي وتعزيز الحوار الثقافي مع مختلف حضارات العالم.

    ملتقى الشارقة الدولي للحرف التقليدية

    بدأ هذا التقليد التراثي السنوي في عام 2007 استجابة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويركّز على نحو رئيس على المحافظة على الحرف التقليدية وإعادة إحيائها ونقل مهاراتها إلى الأجيال الجديدة، فضلاً عن توفير الدعم لممارسيها.

    جائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي

    تتميّز هذه الجائزة التي بدأت عام 2017 بكونها الأولى من نوعها على المستوى العربي التي تعتمد معايير علمية دقيقة، وتهدف إلى تقدير الجهود المبذولة في حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه ودراسته، وذلك بثلاثة محاور رئيسة تشمل: أفضل الممارسات في صون عناصر التراث الثقافي، وتكريم أفضل الرواة بعدّهم كنوزاً بشرية حية، وأخيراً تقدير أفضل الدراسات والأبحاث في مجال التراث الثقافي.

    ختاماً، يواصل معهد الشارقة للتراث مسيرته بِعدِّه منارة حضارية تربط بين الماضي والحاضر بجهود حثيثة لحفظ التراث الإماراتي وتوثيقه، ليبقى شاهداً على أصالة الشعب وهويته بفضل رؤية قيادة تؤمن بأن التراث أساس الحضارة.

    المراجع

    [1] sih.shj.ae, عن المعهد
    [2] universitycity.gov.ae, معهد الشارقة للتراث
    [3] sharjah24.ae, معهد الشارقة للتراث يستكشف مستقبل التراث في ظل التحولات المعاصرة
    [4] siach.ae, عن الجائزة
    [5] mofa.gov.ae, ملتقى الشارقة الدولي للراوي