عناصر مسلحة في محافظة السويداء السورية. (النهار)
على رغم استمرار التكرار الديبلوماسي إلى بضعة أسابيع خلت أن لبنان أمام فرصة حقيقية يجب استغلالها لإعادة سيادة الدولة على كل أراضيها، يخشى أن يكون الوضع وصل إلى فقدان الحماسة لتكرار ذلك، بعدما تظهّر أن الفرصة قد تكون اضمحلت بالفعل أو هي في طريقها إلى ذلك.
فخلال ما يقارب العامين، بذلت جهود خارجية فعلية لفصل لبنان عن حرب مساندة غزة من دون جدوى، في ظل استمرار تأكيد “حزب الله” أنه سيبقى مساندا لها أيا تكن الكلفة، وقد اضطر بعد ضربات قاصمة إلى فصل لبنان عن غزة. ارتبطت التطورات في لبنان بمساعي فصله خارجيا عن إيران والمفاوضات التي كانت قائمة بينها وبين الولايات المتحدة، ثم فصله عن الحرب الإسرائيلية – الأميركية على إيران، إنما من دون أن تنجح في فصل التأثير الإيراني على الحزب والتزامه مسارها.
وجاءت التطورات الدرامية في جنوب سوريا أخيرا لتزيد المشهد تعقيدا، سواء من حيث امتداداتها المحتملة على لبنان وفق ما ترجمته تحركات ومواقف منذرة بذلك، أو من حيث توظيف الأحداث السورية التي أثارت مخاوف واقعية لجهة ضرورة التريث في السير بالخطوات المطلوبة حول نزع سلاح الحزب.
والحال أن اقتناعا سياسيا بات يسري في الأوساط السياسية مؤداه أن الفرصة تراجعت حين لم توضع على الطاولة فور تأليف الحكومة. كان “حزب الله” تحت وطأة السير قسرا بتسوية سياسية أتاحت انتخاب الرئيس جوزف عون تحت وطأة تغيير قسري دفع بالقاضي نواف سلام إلى رئاسة الحكومة. كان يفترض المسارعة آنذاك إلى الدعوة إلى الاجتماعات الضرورية مع تحديد مهل للسير قدما بما تم التعهد به لجهة حصرية السلاح واسترداد سيادة الدولة على قاعدة ضرب الحديد حاميا.
لم يحصل ذلك، فيما الإلحاح على استغلال النافذة المفتوحة أمام لبنان ارتبط بالمخاوف من حصول تطورات أو تغيرات إقليمية قد تستجرّ عوامل جديدة تعقد المشهد السياسي في لبنان وربما الأمني أيضا. وهذا ما حصل فعلا عبر حرب “ميني أهلية” في جنوب سوريا بين الدروز والعشائر السنية، فيما أضاف التدخل الإسرائيلي تعقيدا كبيرا على المشهد السوري بتهديده السلطة الناشئة في سوريا وما يحمله ذلك من خلط كبير للأوراق انعكس بدوره على لبنان. فسوريا قد تلملم آثار أحداث السويداء، لكن تداعياتها خطِرة وطرحت استحقاقات لم تكن السلطة السورية على استعداد للتعامل معها، في ظل اعتقاد أن الجهد لإرضاء الخارج والحصول على دعمه يتقدم على ما يطرحه الداخل من تحديات، أو ظنّا أنّ هذا التجاوب مع الخارج قد يتيح على الأرجح غضا للنظر عن إدارة الشأن الداخلي السوري، وهو ما يسمح للسلطات الناشئة بتنفيذ أجندتها أو فرض السلطة وفق ما تراه مناسبا لها، علما أن الخارج لم يهتم بأسلوب الحكم أو بالشأن السوري.
والمؤشرات المقلقة حتى الآن، على رغم الدعم الأميركي انطلاقا من أن الإدارة الأميركية التي انفتحت بسرعة على سوريا الجديدة، أثارت انتقادات أميركية داخلية لرفع العقوبات من دون مقابل، لن ترغب في أن تحرجها إسرائيل في مخططها لاستيعاب سوريا الجديدة، أو تظهر الإدارة الأميركية عاجزة عن التزام ما تعهدت به لدول خليجية وإقليمية حول سوريا.
وكان لافتا بقوة ليس الدعم الخليجي الإقليمي للرئيس السوري أحمد الشرع في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، بل اتصال مهم بين وزير خارجية السعودي ونظيره الأميركي أكد فيه فيصل بن فرحان لماركو روبيو ضرورة احترام استقلال سوريا وسيادتها.
إعادة تذكير لبنان بكل مواقفه المبدئية من حصرية السلاح واستعادة سيادة الدولة، ليست كافية للتغطية على عجز الدولة في لبنان عن إجبار “حزب الله” على تسليم ترسانة سلاحه لها وعدم رغبتها في خوض مواجهة مباشرة مع الحزب لهذا الغرض. ومن غير المستبعد أن ينتهي تكليف توم برّاك الملف اللبناني في أي وقت وعلى نحو مفاجئ، تماما كما انتهى تكليف مورغان أورتاغوس، فيما يستدل البعض من استمرار الانخراط الأميركي في وقف الحرب في غزة والالتزام الأميركي لاستمرار دعم النظام السوري الناشئ على مؤشر مشجع مناقض من منطلق الحرص الأميركي على استقرار في المنطقة لاعتبارات لا تتصل بأهمية لبنان أو أولويته.
العلامات الدالة