صدر الصورة، Paul Natkin/Getty Image
قبل 26 دقيقة
ساهم أوزي أوزبورن، الذي توفي عن عمر ناهز 76 عاماً، في تشكيل الصوت الذي أصبح يُعرف باسم موسيقى Heavy Metal (هيفي ميتال). كما ابتكر أوزبورن صورة نجم الروك الجامح.
ترك فريق Black Sabbath (بلاك ساباث)، الذي أسسه أوزي، بصمة لا تُمحى في عالم موسيق الهيفي ميتال، وحظي بإشادة واسعة من العديد من الفنانين الذين تأثروا بها لاحقاً.
بفضل أسلوبه الغنائي الصارخ وسمعته التي أكسبته لقب “أمير الظلام”، قاد أوزي الفرقة نحو النجومية العالمية، قبل أن يُطرد منها بسبب اعتماده المتزايد على المخدرات والكحول.
لكنّه نجح في إطلاق مسيرة فردية لامعة قبل أن يجتمع بالفرقة مجدداً، كما أصبح نجماً مفاجئاً لبرنامج تلفزيون واقع شهير كشف تفاصيل حياته العائلية الفوضوية.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة، بدلت الموسيقى حياة أوزبورن
وُلد جون مايكل أوزبورن في حي أستون بمدينة برمنغهام في 3 ديسمبر/كانون الأول 1948. كان والده جاك يعمل صانع أدوات، بينما عملت والدته ليليان في مصنع “لوكاس” لقطع غيار السيارات.
اكتسب لقب “أوزي” في المدرسة الابتدائية، وبقي معه طوال حياته.
كانت المدرسة تجربة بائسة لأوزبورن الصغير، حيث عانى من عسر القراءة واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. ترك الدراسة في عمر 15 عاماً، وتنقل بين أعمال متعددة، منها العمل في مسلخ، مما مكنه من تنفيذ العديد من المقالب، مثل وضع عيون الأبقار في أكواب الزبائن في الحانات.
بل إنه جرب حظه في عالم الجريمة، ولكنه لم ينجح فيه، حيث سقط عليه تلفاز أثناء اقتحامه أحد المنازل، وقضى ستة أسابيع في سجن وينستون غرين في برمنغهام بعد سرقته متجر ملابس.
بداية جديدة
كانت الموسيقى هي ما أنقذ أوزي: تغيرت حياة أوزي مع استماعه لفريق البيتلز، وهو يؤدي أغنية She Loves You (شي لَفز يو)، عبر راديو صغير.
قال لاحقاً: “كان ذلك انفجاراً مذهلاً من السعادة والأمل… كنت أحلم أن يتزوج بول مكارتني شقيقتي”.
أقنع أوزي والده أن يشتري له ميكروفون ومكبر صوت له، وشكّل مع صديقه تيري “جيزر” باتلر فريقاً لم يدم طويلاً اسمه Rare Breed (رار بريد)، ولم يقدّم سوى عرضين.
لاحقاً انضم الاثنان إلى عازف الغيتار توني آيومي وعازف الطبول بيل وارد في فريق Polka Tulk Blues (بولكا تُلك بلوز) الذي غير اسمه إلى Earth (إيرث)، قبل أن يصبح Black Sabbath (بلاك ساباث).
كانت الفرقة، التي تهدف إلى تقديم ما أطلقت عليه “الموسيقى المخيفة”، تتدرّب في غرفة مقابل السينما المحلية، حيث كان يُعرض فيلم الرعب الصادر عام 1963 Black Sabbath (بلاك ساباث)، وهو ما ألهمهم اسم الفرقة وأول أغنية ناجحة لهم.
وقال أوزي لاحقاً: “لم أخترع هذا النوع من الموسيقى. عندما أنظر إلى تلك الأغنية، Black Sabbath (بلاك ساباث)، أفكر: كيف خطر ببالي لحن كهذا؟”.
تحفة موسيقية
صدر الصورة، Getty Images
أفتتحت أغنية Black Sabbath (بلاك ساباث)، التي كتبها أوزبورن وباتلر، ألبومهم الأول عام 1970، الذي رغم انتقادات النقاد، حلَّ في المركز الثامن في بريطانيا، والثالث والعشرين في الولايات المتحدة.
تلت ذلك نجاحات بألبومات مثل Paranoid (بارانويد)، وMaster of Reality (ماستر أوف رياليتي)، وVolume 4 (فوليوم فور)، وجميعها باعت أكثر من مليون نسخة.
بحلول 1973، ومع صدور ألبوم Sabbath Bloody Sabbath (ساباث بلودي ساباث)، بدأت الإشادات تتوالى.
ووُصفه أحد النقاد بأنه “تحفة فنية” تكشف نضجاً موسيقياً جديداً.
وفي 1975، حصد ألبوم Sabotage (سابوتاج) الثناء النقدي، لكن الخلافات الداخلية وانغماس أوزي في الإدمان بدأت تُفكك الفرقة.
كان أوزبورن قد بدأ بالفعل في الاستسلام للكحول والمخدرات التي سيطرت لاحقاً على حياته. وأصبح عدم التزامه مثيراً لغضب زملائه في الفريق.
كما كانت حياته العائلية تحت ضغط كبير، إذ وضعت الإدمان والعلاقات العابرة والجولات المستمرة علاقته بزوجته ثيلما وطفليهما في خطر. وانتهى الأمر بانفصالهما لاحقاً.
طرد “غير عادل”
لطالما أخفى أوزبورن اهتزاز ثقته بذاته عن طريق لعب دور “مهرج” الفرقة، لكن في تلك المرحلة بدأت تصرفاته تعرقل مسيرة بلاك ساباث.
لم تكن علاقته مع توني آيومي سلسة على الإطلاق، وبدأ أوزي يشعر بالاستياء مما اعتبره هيمنة عازف الغيتار على الفرقة.
في عام 1978، أمضى أوزي ثلاثة أشهر يعمل على مشروع منفرد بعنوان Blizzard of Ozz (بليزارد أوف أوز)، لكنه عاد إلى الفرقة لتسجيل ألبوم Never Say Die (نيفر سي داي).
وبعد جولة استقبلت استقبالاً فاتراً، طُرد أوزبورن من قبل أعضاء الفرقة الآخرين بسبب إدمانه، وحلّ محله المغني روني جيمس ديو.
وزعم أوزبورن لاحقاً أن طرده كان غير عادل، قائلاً: “كنا جميعاً على نفس القدر من السوء”.
وما جرى أن أوزي لم يكن قادراً على تحمّل آثار الكم الهائل من المواد المخدرة التي انغمس فيها جميع أعضاء الفرقة.
أعاد إحياء مشروعه Blizzard of Ozz (بليزارد أوف أوز) بمساعدة شارون آردن، ابنة مدير الفرقة دون آردن. وتزوجا لاحقاً وأنجبا ثلاثة أطفال: إيمي، كيلي، وجاك.
كما حاولت شارون مساعدته على السيطرة على إدمانه للكحول والمخدرات. كانت هناك فترات بدا فيها أنه تخلص من إدمانه، لكنه غالباً ما كان يعود إليه.
“لولا شارون، لكنت مت منذ زمن طويل”
قال أوزي لاحقاً لأبليارد: “لولا شارون، لكنت مت منذ زمن طويل”.
لطالما كان أوزي مثيراً للجدل. وأشهر الحوادث كانت في عام 1982 عندما عضّ رأس خفاش حي على المسرح في ولاية آيوا، ففصلها عن بقية جسده.
كان يلقي اللحوم النيئة نحو الجمهور خلال جولاته، ما دفع بعض المعجبين إلى رمي أشياء على المسرح. قال إنه ظن أن الخفاش لعبة بلاستيكية قبل أن يعضه.
لم يحاول استخدام العذر نفسه مع الحمامتين اللتين فصل رأسيهما بأسنانه خلال اجتماع مع شركة التسجيلات في العام السابق لذلك.
ومن مواقفه الأخرى: اعتقاله لتبوّله على نصب تذكاري في تكساس يُعرف بـ”آلامو” بينما كان يرتدي أحد فساتين شارون؛ وطرده من معسكر اعتقال “داخاو” في ألمانيا أثناء جولة بسبب السكر والفوضى؛ وسحب مسدس في وجه عازف الدرامز في فرقة Black Sabbath (بلاك ساباث) خلال نوبة هلوسة حادة؛ وفقدان الوعي ليجد نفسه في منتصف الطريق السريع على طريق يتكون من 12 حارة؛ وإبادة الدجاج في حظيرته باستخدام بندقية وسيف وبنزين، بينما كان يرتدي رداء حمام وحذاء مطاطياً.
كل ذلك أضاف إلى أسطورة أوزي، لكن في الواقع لم تكن معظم تصرفاته جذابة أو براقة. كان في حالة انهيار، وجعلته الكحول والمخدرات يعيش بشخصية مزدوجة أشبه بـ”جيكل وهايد”.
في عام 1989، استيقظ في السجن ليُبلّغ بأنه اعتُقل للاشتباه بمحاولة قتل، بعد أن حاول خنق شارون. لم يتذكر شيئاً عن الحادث، وأسقطت شارون التهم لاحقاً.
في هذه الأثناء، حقق ألبومه المنفرد الأول مبيعات بلاتينية، كما حققت الألبومات التالية مثل Diary of a Madman (داياري أوف أ مادمان)، وBark at the Moon (بارك آت ذا مون) نجاحاً كبيراً.
قام بجولات موسيقية واسعة خلال الثمانينيات والتسعينيات، وحقق نجاحاً تجارياً هائلاً عبر مهرجان Ozzfest (أوزفِست)، وهو سلسلة من الحفلات، معظمها في الولايات المتحدة، تضم فرقاً من مختلف أنواع موسيقى الميتال.
وكان أوزبورن يتصدر معظم هذه المهرجانات، بل وشارك زملاؤه القدامى في بلاك ساباث أحياناً.
ثم في عام 2002، حظي هو وعائلته بنوع جديد من الشهرة عندما أصبحوا من رواد برامج تلفزيون الواقع، إذ التقطت الكاميرات حياتهم العائلية الفوضوية (لكن المليئة بالمحبة) والتي اشتهرت بكثرة الألفاظ النابية.
استعادة السحر القديم
حقق البرنامج نجاحاً هائلاً، رغم أن النسخة الأمريكية خضعت لرقابة صارمة لحذف الألفاظ النابية التي كان أوزبورن يستخدمها كثيراً، وهو أمر لم يُعتبر ضرورياً عند بث البرنامج في المملكة المتحدة.
وفي الوقت نفسه، واصل أوزبورن تسجيل الموسيقى، لكنه اضطر للتوقف في عام 2003 بعد سقوطه من دراجة رباعية وإصابته بجروح خطيرة.
وخلال فترة تعافيه في المستشفى، تصدّر لأول مرة قائمة الأغاني البريطانية بأغنية Changes (تشينجز) لفرقة بلاك ساباث، والتي قدّمها كثنائي غنائي مع ابنته كيلي.
اجتمع أعضاء بلاك ساباث مجدداً في عام 2005، ثم في سنوات لاحقة من دون عازف الطبول بيل وارد.
وفي عام 2013، عادوا إلى صدارة قائمة الألبومات في المملكة المتحدة، بعد 43 عاماً من آخر مرة مع ألبوم Paranoid (بارانويد).
شهدت الجولة الناتجة عن ذلك عودة أوزي بروح جديدة، حيث قدّم الأغاني بدقة متناهية، وقاد فرقة لم تفقد شيئاً من سحرها القديم.
وفي عام 2018، أعلن أنه تخلّى عن الكحول والمخدرات، وأنه سيحد من أسلوب حياته القائم على الجولات الفنية.
وقال حينها في مقابلة صحفية أثناء الترويج لمهرجان أوزفِست:
“أصبحت جَداً الآن، وعمري 70 عاماً، ولا أريد أن أموت في غرفة فندق”.
لكن واجهته مشاكل صحية أخرى. في البداية، اعتقد أن ارتجاف يديه كان نتيجة سنوات طويلة من الإفراط في الكحول والمخدرات، لكن في عام 2007 تم تشخيصه بمتلازمة باركنسونية، ثم في عام 2019 شُخّص بمرض باركنسون.
كما عانى تلفاً في العمود الفقري نتيجة سقوطه ليلاً في العام نفسه، مما فاقم إصابة قديمة من حادث الدراجة الرباعية. ورغم خضوعه لعدة جراحات، لم تحقق سوى نجاح محدود.
وعلى الرغم من ذلك، كان مصمماً على توديع الجمهور بأسلوبه المعتاد المليء بالمفاجآت.
فقد نظّم، برفقة شارون وزملائه القدامى في بلاك ساباث، حفلاً ختامياً في ملعب “فيلا بارك” لكرة القدم قبل أسبوعين فقط.
شارك في الحفل عدد من أساطير الروك، من بينهم Metallica (ميتالليكا)، وGuns N’ Roses (غنز آند روزز)، وستيفن تايلر من فرقة Aerosmith (إيروسميث)، لتكريم أوزي وتأثيره الفني مع الفرقة.
أدى أوزبورن العرض جالساً بسبب مشاكله في الحركة، لكنه نجح في استعادة سحره القديم، وهو يصدح بأغانيه الشهيرة، ويصفق، ويرفع ذراعيه، كما في الماضي.
قال ذات مرة في مقابلة: “أنا فخور بما حققته في حياتي… حتى لو حاول أفضل كاتب في العالم أن يكتب قصة حياتي، لما استطاع تخيلها بهذا الشكل”.