في وقت تزايدت فيه التحديات اليومية التي تواجه الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد، برزت الحاجة الملحة إلى تصميم بيئات أكثر أماناً وشمولاً لهذه الفئة، ولا سيما أن نسبة الإصابة بالتوحد قد تصل إلى طفل واحد من بين كل 31 في بعض المجتمعات حول العالم، ما يشير إلى أهمية إيجاد حلول مستدامة تسهّل دمجهم في المجتمع.
وأكد محمد العمادي، مدير عام مركز دبي للتوحد وعضو مجلس إدارته، أن المركز كان سبّاقاً في تبني المبادرات التي تعنى بتحقيق الدمج المجتمعي الشامل لذوي اضطراب طيف التوحد، وذلك من خلال إطلاق برنامج البيئة الصديقة لذوي التوحد في سبتمبر 2022، كأول مبادرة من نوعها في المنطقة، تهدف إلى تمكين المؤسسات من تهيئة بيئاتها بما يضمن النفاذ الكامل والفعّال للأشخاص من ذوي التوحد إلى مختلف الخدمات.
وقال العمادي: «منذ تأسيسه في عام 2001، يسعى مركز دبي للتوحد إلى تعزيز الوعي المجتمعي باضطراب طيف التوحد من خلال حملات مبتكرة، ومبادرات تستند إلى معايير علمية وميدانية دقيقة.
ويأتي هذا البرنامج كترجمة حقيقية لرؤية القيادة الرشيدة نحو بناء مجتمع أكثر شمولاً وإنصافاً لأصحاب الهمم، حيث لا تقتصر الجهود على التوعية فقط، بل تمتد لتشمل التدريب، والدعم الفني، والتقييم البيئي، بما يضمن تكييف الخدمات والمرافق العامة والخاصة لتكون أكثر ملاءمة واحتواءً لاحتياجات هذه الفئة».
وأضاف: «نجح البرنامج، من خلال آلياته العملية والتي تشمل ورش العمل، الزيارات الميدانية، واستشارات التقييم الفني، في اعتماد 23 جهة في دبي حتى الآن كمؤسسات صديقة للتوحد، بعد اجتيازها سلسلة من التقييمات الصارمة».
وأكد أن مركز دبي للتوحد يعمل باستمرار على تطوير أدواته التدريبية والتقييمية ضمن البرنامج، مع الحرص على مواكبة أفضل الممارسات العالمية والمعايير المحلية ذات الصلة، مضيفاً: «إن التزامنا في مركز دبي للتوحد لا يقتصر على تقديم خدمات تعليمية وتشخيصية، بل يمتد ليشمل إحداث تغيير مؤسسي ومجتمعي حقيقي، يضمن استدامة التمكين والدمج لهذه الفئة في بيئات تتسم بالتفهم، والاحترام، والمرونة».
مطارات دبي
من جانبها، قالت فاطمة طاهر، رئيس قسم المشاريع الاستراتيجية والأجندة الحكومية في مطارات دبي: «بصفتنا البوابة الأولى التي تستقبل ملايين الزوار إلى دبي سنوياً، ندرك في مطارات دبي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا لتوفير تجربة سفر تعكس رؤية الإمارة في بناء مجتمع أكثر شمولاً ودمجاً للجميع، وخاصةً لأصحاب الهمم.
وانطلاقاً من هذا الدور، حرصنا على تهيئة مرافقنا وخدماتنا لتلبية احتياجات أصحاب التحديات غير المرئية بمن فيهم ذوو التوحد.
ويُعدّ اعتماد مطارات دبي كبيئة صديقة لذوي التوحد محطة مهمة ضمن رحلة مستمرة نحو تقديم تجربة سفر سلسة وآمنة للجميع، تترجم مكانة دبي الريادية عالمياً في مجال الشمولية، وتعكس القيم التي تقوم عليها الإمارة من تسامح وانفتاح».
مبادرات متخصصة
وأضافت: «تشمل جهودنا في مطارات دبي مجموعة من المبادرات والبرامج المتخصصة لدعم ذوي التوحد وأسرهم، من خلال توفير مسارات سفر ميسّرة، وغرف انتظار هادئة مصمّمة لتلبية احتياجاتهم الحسية.
كما اعتمدنا مبادرة شريط عباد الشمس، التي تُعد من المبادرات العالمية الرائدة، لمساعدة موظفينا على التعرّف بسهولة على المسافرين من ذوي التحديات الخفية، مثل اضطراب طيف التوحد، وتقديم الدعم اللازم لهم بشكل استباقي دون الحاجة إلى طلب المساعدة بشكل مباشر، وتشمل جهودنا أيضاً إطلاق برامج تدريب وتوعية تشمل نحو 45 ألفاً من موظفي الخطوط الأمامية من مطارات دبي وشركائها الاستراتيجيين، حول أساليب التعامل المهني والواعي مع ذوي التوحد، إلى جانب تدريب مستمر لسفراء تجربة الضيوف على التفاعل مع حاملي الشريط بطريقة تحترم خصوصيتهم وتلبّي احتياجاتهم بكفاءة وفعالية».
مراكز التسوق
وقالت ديبي روسو، المدير العام لميركاتو وتاون سنتر جميرا، والذي تم اعتماده في أبريل الماضي كأول مركز تسوق صديق لذوي التوحد على مستوى الدولة: «نحن في ميركاتو نؤمن بأهمية أن يشعر كل فرد في المجتمع بالترحيب والانتماء، ولهذا كان من الطبيعي أن نتعاون مع مركز دبي للتوحد للمساهمة في إنشاء بيئة تسوق أكثر شمولاً وإنسانية، حيث نفخر بكوننا أول مركز تسوق في دبي يحصل على اعتماد البيئة الصديقة لذوي التوحد.
لقد استقبلنا هذه المبادرة بكل حماس واعتزاز، انطلاقاً من التزامنا المستمر بدعم حملات التوعية باضطراب التوحد خلال السنوات الماضية».
نشر الوعي
وفي إطار التوعية المجتمعية، أكدت رزان قنديل، منسقة التوعية المجتمعية في مركز دبي للتوحد، أن برنامج البيئة الصديقة لذوي التوحد يقدم خدمات استشارية متكاملة تشمل الأفراد والمرافق والخدمات، موضحة بأن التدريب لا يقتصر فقط على تكييف المساحات المادية، بل يمتد ليشمل رفع وعي الموظفين وتقديم إرشادات حول كيفية التعامل الأمثل مع أفراد التوحد، بالإضافة إلى تصميم خدمات تراعي خصائصهم واحتياجاتهم.
على سبيل المثال، قد يتضمن ذلك تعديل الإضاءة أو مستويات الضوضاء، توفير مساحات هادئة، أو استخدام وسائل تواصل بصرية.
وقالت قنديل: «تخضع المؤسسات الراغبة في الحصول على الاعتماد لـمراجعة دقيقة وشاملة من قبل خبراء مركز دبي للتوحد.
بعد استيفاء جميع المعايير، يتم منح شهادة الاعتماد كدليل على التزام المؤسسة بتوفير بيئة صديقة للتوحد. ولا تتوقف جهود المركز عند هذا الحد، فلضمان الاستمرارية والامتثال الدائم للمعايير، يُعاد التقييم سنوياً.
هذا التقييم الدوري يضمن أن تظل المؤسسات ملتزمة بتقديم أفضل الممارسات وتكييف بيئاتها لتلبية الاحتياجات المتطورة لأفراد التوحد».