نداء الوطن

نايف عازار

نداء الوطن

باتت التفجيرات والحرائق “الغامضة” مسلسلًا شبه يومي يستفيق عليه الإيرانيون كما نظام الملالي، الخارج لتوّه منهكًا من حرب إسرائيلية – أميركية ضروس أعادت قدراته العسكرية “سنين نووية” إلى الوراء.

فلا يكاد يمرّ يوم من دون أن يدوّي انفجار “غامض” في مبانٍ سكنية ومصانع، أو يشب حريق “لقيط” في منشأة نفطية ما على مساحة الجمهورية الإسلامية المترامية الأطراف، في وقت تفرض فيه السلطات القضائية في البلاد تعتيمًا محكَمًا على نتائج تحقيقات لم تظهر يومًا إلى العلن، ما يزيد من حال الإرباك واللايقين لدى الجمهور الإيراني.

وإذا كانت سياسة طهران المنتهَجة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وإحكام الملالي قبضتهم المطلقة على رقاب الإيرانيين، أفرزت لها العديد من الأعداء الخارجيين القريبين والبعيدين، فإن في الداخل الإيراني أيضًا مواطنين يكنّون العداء الشديد لنظامهم القمعي والتوتاليتاري، ويشكّلون بالتالي نواة صلبة تتكل وتتكئ عليها قوى خارجية، لتنفيذ أجنداتها الأمنية والسياسية.

وفيما يجهد النظام الفارسي للظهور بمظهر المسيطِر على الوضع والممسِك بزمام الأمور الأمنية، من خلال إرجاعه أسباب الانفجارات والحرائق إلى تسريبات الغاز وحرائق النفايات والبنية التحتية المتهالكة في البلاد، من دون أن يقرن شكوكه بأدلة مقنعة، فإن بصمات “الموساد” الإسرائيلي تبدو جليّة في هذه الحوادث “اللقيطة” المتنقلة. ففي حزيران الفائت، وعقب انتهاء “حرب الـ 12 يومًا” جاهر رئيس “الموساد”، خلال خطاب علني ونادر تفاخر فيه بانجازات الجهاز داخل إيران، بالقول: “سنكون هناك، تمامًا كما كنا حتى الآن”.

وما يعزز أيضًا فرضية وقوف الدولة العبرية خلف الهجمات في العمق الإيراني، ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، من تصريحات عن مسؤولين إيرانيين، من بينهم عضو في “الحرس الثوري”، أعربوا فيها عن شكوكهم بأن هذه الانفجارات ليست مجرّد حوادث عرضية، بل هجمات منسّقَة يُرجَّح أن تقف خلفها إسرائيل، خصوصًا أن الدولة العبرية لم تتوان في العقد الأخير عن تنفيذ عمليات سرّية في عمق الأراضي الإيرانية، تضمّنت تفجيرات واغتيالات لعلماء نوويين.

وفي الإطار نفسه، نقلت الصحيفة عينها عن مسؤول أوروبي متابع للشأن الإيراني قوله إن التقديرات الأمنية في “القارة العجوز” تنحو إلى وضع هذه الأعمال في خانة “التخريب المدروس”، الذي يُستخدم كأداة ضغط نفسي ضدّ النظام الإيراني، ويستهدف بث الفوضى وزعزعة الثقة المهتزّة أصلًا في الداخل الإيراني.

ولا ريب أيضًا في أن الدولة العبرية باتت بعد هجمات 7 أكتوبر متفلّتة من أي ضوابط، فهي وإن كانت أنهت رسميًا ضرباتها على قدرات “رأس الأخطبوط” العسكرية والنووية بـ “مؤازرة أميركية حاسمة”، إلّا أنها قد تكون انتهجت أساليب الحرب غير المباشرة، إذ إن لتل أبيب طموحات لا تتوقف عند بتر أذرع “الأخطبوط الإيراني” في المنطقة وإضعاف قدرات طهران النووية، بل تتعدّاها إلى “حلم” اقتلاع نظام الملالي من جذوره، وهو الذي يقف سدًا منيعًا مع ما تبقى من إذرعه في طريق إبرام مزيد من الاتفاقات الإبراهيمية.

ويبقى أن ملالي طهران يتجنبون اتهام الدولة العبرية بصورة علنية أو رسمية بالوقوف خلف هذه الحوادث، لأن هذا الاتهام يستدعي ردًا من إيران على إسرائيل، وهذا الرد في حال حصوله سيجرّ العدوين اللدودين إلى حرب جديدة، إيران المنهكة بغنى عنها، وهي الساعية إلى التقاط أنفاسها بعد الحرب الأخيرة المدمرة عليها، والمنكبَّة على إعادة ترميم قدراتها العسكرية، في ظل اقتصاد متهالك ونظام مترهّل أمسى آيلًا إلى السقوط أكثر من أي وقت مضى.