صادفت يوم أمس الاثنين الذكرى السنوية الخامسة لانفجار مرفأ بيروت وقد نُظمت عشية هذه الذكرى أمسية صلاة بالقرب من موقع الانفجار شاركت فيها فعاليات دينية، مدنية ومجتمعية بالإضافة إلى عدد من أهالي الضحايا، ومن بينهم إيلي حصروتي الذي فقد والده غسان في الحادث المأساوي.

حصروتي – الذي كان ضمن وفد من أهالي الضحايا استقبله البابا فرنسيس في الفاتيكان لسنة خلت – هو أيضا مؤسس “مبادرة ٤ آب” التي “تسعى لأن تكون صوتاً أصيلاً في سبيل الحقيقة والعدالة والحياة”. تضم المبادرة مواطنين لبنانيين يؤمنون بأن ما حصل في الرابع من آب أغسطس ٢٠٢٠، “وإلى جانب كونه نكبة وطنية، يشكل أيضاً فرصة لخلق وعي وطني يعزز أسس التعايش والعمل في سبيل وطن منيع مزدهر”. وهي “تعتمد على شبكة من الأفراد والشركاء يقومون بأنشطة تثقيفية وتوعوية في المدارس والجامعات والمجتمع، بهدف تسليط الضوء على أهمية استخلاص العِبر من الكارثة لتجنب تكرارها وترسيخ ثقافة العدالة والسلام”.

في الذكرى السنوية الخامسة لانفجار مرفأ بيروت شاء موقعنا أن ينقل شهادة هذا الشاب اللبناني الذي علّق على الرسالة التي وجهها البابا صباح أمس إلى اللبنانيين، وتطرق حصروتي إلى أمسية الصلاة التي أُقيمت للمناسبة، كما جدد التعبير عن أمله في تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة بعد انتظار دام خمس سنوات.

شهادة إيلي حصروتي

إيلي حصروتي مع البابا فرنسيس خلال استقبال البابا الراحل لوفد من أهالي ضحايا انفجار المرفأ ٢٦ آب ٢٠٢٤

إيلي حصروتي مع البابا فرنسيس خلال استقبال البابا الراحل لوفد من أهالي ضحايا انفجار المرفأ ٢٦ آب ٢٠٢٤

شهادة إيلي حصروتي

في الذكرى السنوية الخامسة لتفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب ٢٠٢٠، اطّلعتُ على الرسالة التي وجّهها قداسة البابا لاون الرابع عشر إلى اللبنانيّين الذين شاركوا في أمسية الصلاة من أجل راحة نفوس الضحايا. كنت قد شاركت في هذه الأمسية، متّحدًا بالصلاة مع كل ذوي الإرادة الصالحة، والمتعبين، والمجروحين، وأيضًا مع من انتقلوا إلى جوار الرب.

أشكر الحبر الأعظم، بابا الكنيسة الجامعة، على قربه منّا في هذا الوقت بالذات، وعلى تفقّده لنا. ومعه أشكر الكنيسة بأسرها، المتّحدة بالمحبّة؛ هذه المحبّة وحدها قادرة أن تقف في وجه الشرّ، وتغلب الموت، وكم نحن بأمسّ الحاجة إليها. أبواب الجحيم لن تقوى على الذين يحبّون بعضهم بعضًا؛ هذا وعد الرب، وهذا اختباري وحقيقتي.

في رسالته، حمل البابا إلينا ما هو أعمق من الكلام: حمل حبّ يسوع، قلب الكنيسة، إلينا، ليلاقي كلّ قلب ويعزّيه. علّ كلماتي تصل إلى البابا، من القلب إلى القلب:

“أنا ممتنّ لك، يا قداسة البابا، ولكلّ الكنيسة. شكرًا على انفتاحكم على نعمة الرب، وعلى سخائكم وأمانتكم. أشكر الله على حضوركم في هذا العالم، وعلى شهادتكم؛ شهادة المحبّة، شهادة يسوع المسيح القائم من الموت. بوجودكم، يصبح العالم مكانًا للحياة.”

كما أتقدّم بالشكر إلى سعادة السفير البابوي باولو بورجا، وإلى الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات الذين شاركونا أمسية الصلاة والمحبّة عشية الذكرى. أصلّي معهم ومن أجلهم، لكي نُدرك معًا رسالة يسوع في قلب حياتنا ومأساتنا؛ في هذا الشرق، في لبنان، وفي جريمة تفجير المرفأ على وجه التحديد. فلنتذكّر دائمًا أن رسالتنا واحدة: رسالة يسوع. ونحن رفاق له في المسيرة.

في هذا السياق، أتذكّر زيارتي العام الماضي إلى الحبر الأعظم، البابا فرنسيس، وكل ما حملته تلك الزيارة من كشف للقلوب. يوم لقائي به، لم أكن أحمل سوى قلب محطّم، مجروح، مخذول، فاقد للإحساس من عمق الألم والخيبة… تحدّثت إليه، وطلبت الشفاء باسم يسوع. علّ شفائي يكون دربًا لكلّ من يطلب الشفاء باسمه. هذه صلاتي وتعزيتي.

وحده الحبّ يشفي. وحده يسوع يعطي لمعاناتي وتعب مسيرتي معنى. معه فقط أستطيع أن أقدّم حياتي حبًّا وخدمة للآخرين.

عشيّة الذكرى الخامسة، ترافقنا مع السفير البابوي في بيروت لمباركة “حديقة الزيتون”، حيث غُرست أشجار بأسماء الضحايا. ورغبتي الأكبر أن تتحوّل ذكرى ٤ آب من مأساة إلى محطة للعدالة والسلام، تنبع من الصلاة والقلوب الحيّة التي اجتمعت ونظّمت وعملت وصلّت معًا، من أجل سلام حقيقي في القلوب، في لبنان، وفي المنطقة والعالم.

حين نفقد القداسة، نفقد الشجاعة والإنسانيّة والبوصلة. نفصل أنفسنا عمّا يمدّنا بالقوّة. الصلاة تعيدنا إلى جوهرنا، تسمو بنا، تُرجع لنا كرامتنا، وشجاعتنا، وانطلاقتنا… فنثبت ولا ننكسر.

واليوم، مع الذكرى الخامسة، لا تزال صورة غياب العدالة تتكرّر، رغم بصيص الأمل بعودة المحقّق العدلي إلى عمله بعد سنوات من التجميد. لكننا لا نريد قرارًا ظنيًّا أو اتهاميًّا يُجمّل المشهد، من دون أن يُلامس حقيقة الجريمة التي تتجاوز “الإهمال الوظيفي” و”سوء الإدارة”.

العدالة لا تزال تنتظر.

كمواطن لبناني، قبل أن أكون ابنًا لأحد الضحايا، أسأل:

هل سيكون القرار الظنّي المنتظر خطوة نحو عدالة شاملة لجميع اللبنانيين؟

أم مجرّد جائزة ترضية لفصل جديد من مسرحية دولة كرتونيّة واستعراضات فارغة، لا تُخدّر إلا شعبًا قرّر أن يُغمض عينيه عن الحقيقة؟