تونس – أحيت نجوى كرم، السبت، حفلا فنيا ضمن فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، حيث أطلت “شمس الغنية اللبنانية” بفستان ذهبي ينهل تفاصيله من التاريخ ويستعير لونه من خيوط الشمس في أوج ضيائها على ركح مسرح قرطاج الأثري، وقد سبقتها إيقاعات الدبكة التي تسربت إلى المدارج ولبت الأجساد نداء الرقص.
ولم يكن استهلال السهرة كلاسيكيا، إذ طالع الجمهور إعلان مشاركة نجوى كرم في الدورة التاسعة والخمسين والذي احتفت فيه بقرطاج كلمات وزيّا ومكانا موغلا في التاريخ.. “عزك دايم يا قرطاج” هكذا صدحت الفنانة التي تحمل في صوتها زخم الجبال وغازلت جمهورها ورافقها على الركح عازف طبل يقتنص الإيقاعات من تفاعل الجمهور.
وكانت نجوى كرم أدت أغنية “عزك دايم يا قرطاج” التي استهلت بها حفلها السبت، للمرة الأولى في بداية حفلها على مسرح قرطاج الأثري سنة 1997 إهداء للجمهور التونسي، وهي أغنية من كلمات عصام زغيب وألحان أنطوان الشعك.
ونسجت الفنانة نجوى كرم منذ عام 1992 علاقة فنية ووجدانية مع مهرجان قرطاج وجمهوره فلم يخذلها كما لم تخذله فنيا سنوات 1992 و1997 و1998 و2004 و2008 و2012 وآخرها عام 2016.. وتأتي مشاركتها هذا العام لترسخ حضورها في تونس وتؤكد مرة أخرى أن شمسها لم تغرب بعد وأنها قيمة فنية ثابتة في مشهد موسيقي عربي متغير، فكان حضورها بمثابة طقس غنائيّ خاصّ تجاوز حدود العرض الموسيقي العابر ليصبح جزءا من ذاكرة المهرجان ووجدانه وهو ما يتجلى في اختلاف الفئات العمرية الحاضرة.
وقد كانت هذه السهرة بمثابة تعبير عن حنين مشترك بين الجمهور والفنانة، حنينها للذكريات التي تجمعها بجمهور تونس، وتحديدا مهرجان قرطاج الدولي الذي غنت على ركحه في مناسبات عديدة، والذي عبرت عنه بالكلمات والأغاني، وحنين أجيال من التونسيين، جيلي الثمانينات والتسعينات، ممن تعيد أغاني نجوى كرم إلى ذاكرتهم سنوات الشباب بشغفها وجموحها.
وأدت الفنانة خلال هذا الحفل الذي توافدت إليه جماهير غفيرة، العديد من أغانيها القديمة، فكانت السهرة عبارة عن رحلة عبر الزمن حيث انطلقت من أغان اشتهرت في أواخر تسعينات القرن الماضي وأخرى عرفها الجمهور في بداية هذه الألفية.
ومن بين الأغاني التي أدتها، “سهرانة” و”لو ما بتكذب” و”هيدا حكي” و”عاشقة اسمراني” و”خليني شوفك بالليل” و”اتهموني بغرامو” و”ساحرني” و”تعى خبيك” و”انا ما فيي” و”حكم القاضي” و”روح روحي” و”خيروني” و”عم يرجف قلبي” و”حط اصحابك بالغربال” و”لو بس تعرف بغيبتك” و”لشحد حبك” و”يلعن البعد” و”شو هالحلا”.
وقدمت نجوى كرم التي اعتلت ركح المسرح الأثري بقرطاج بعد غياب دام تسع سنوات، على امتداد نحو الساعتين ونصف الساعة وصلة من الغناء المتواصل، تغنت خلالها بالحب والعشق، لتختتم حفلها بأغنية “ملعون أبو العشق”.
هذا الحفل الذي تم بثه مباشرة على موجات الإذاعة الوطنية التونسية والتلفزيون التونسي و قناة “روتانا” العربية، حظي بمتابعة واسعة من الجمهور حيث عبر الكثيرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن استمتاعهم بمتابعتهم لعرض نجوى كرم، وهو ما مثل فرصة لكل الذين رغبوا في حضور هذه السهرة ولكن لم يسعفهم الحظ بسبب نفاد التذاكر بعد مدة وجيزة من انطلاق عملية البيع.
وانطلقت الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان قرطاج الدولي بالعرض الأوبرالي “من قاع الخابية” للموسيقار محمد القرفي في سهرة فنية مستمدة من ذاكرة الموسيقى التونسية. لكن على غير المعتاد جاء الإقبال على الحفل ضعيفا، وقد عبّر عدد من الحضور لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “وات” عن خيبة أملهم إزاء ما وصفوه بعرض “دون المنتظر لا يرقى إلى مستوى افتتاح مهرجان عريق كمهرجان قرطاج الدولي”.
وكان برنامج الدورة التاسعة والخمسون، التي تقام للمرة الأولى منذ تأسيس المهرجان دون مدير فني، تعرض لانتقادات متعددة قبل انطلاقه تعلق بعضها بترشحيات المشاركين والتنظيم.
ويضم برنامج هذه الدورة عشرين عرضا لفنانين وفرق موسيقية من تونس وبلدان عربية وأجنبية. وقد غابت القارة الأفريقية تقريبا عن برمجة هذه السنة، لأول مرة، رغم الدور التاريخي للمهرجان في مدّ جسور التعاون الثقافي والفني بين شمال القارة وعمقها الأفريقي، في حين تستأثر العروض العربية بنصيب الأسد ضمن البرمجة حيث تسجل الدورة حضورا لافتا لأصوات فنية من أجيال مختلفة.