“مريم هي ذاك النسيج من النعمة والحرية الذي يدفع كل واحد منا إلى الثقة والشجاعة والالتزام في حياة شعب” هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في عظته مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة عيد انتقال مريم العذراء بالنفس والجسد إلى السماء
بمناسبة عيد انتقال مريم العذراء بالنفس والجسد إلى السماء ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عشر القداس الإلهي في رعية القديس تومازو دا فيلانوفا في كاستيل غاندولفو وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها اليوم ليس يوم الأحد، لكننا نحتفل بطريقة مختلفة بفصح يسوع الذي يغيّر التاريخ. في مريم ابنة الناصرة نجد تاريخنا، تاريخ الكنيسة المنغمسة في الإنسانية المشتركة. بتجسّده فيها، انتصر إله الحياة والحرية على الموت. نعم، اليوم نتأمل كيف ينتصر الله على الموت، ولكن ليس بدوننا. له الملكوت، لكن لنا أن نقول “نعم” لمحبته التي يمكنها أن تغيّر كل شيء. على الصليب لفظ يسوع بحرية تلك الـ”نعم” التي كان يجب أن تُفرغ الموت من قوّته، ذلك الموت الذي لا يزال ينتشر عندما تصلب أيدينا وتبقى قلوبنا أسيرة الخوف وانعدام الثقة. على الصليب انتصرت الثقة، وانتصر الحب الذي يرى ما هو ليس موجود بعد، وانتصرت المغفرة.
تابع الأب الأقدس يقول ومريم كانت هناك، حاضرة، متحدة بالابن. يمكننا اليوم أن ندرك أن مريم هي نحن حين لا نهرب، هي نحن حين نجيب بـ “نَعمِنا” على “نَعَمها”. في شهداء زمننا، وفي شهود الإيمان والعدالة، والوداعة والسلام، ما زالت تلك الـ “نعم” حيّة وتقاوم الموت. وهكذا، فإن يوم الفرح هذا هو يوم يلزمنا لكي نختار كيف ولأجل من نعيش.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد قدّمت لنا الليتورجيا في عيد انتقال العذراء نص إنجيل الزيارة. وينقل لنا القديس لوقا في هذه الصفحة ذكرى لحظة حاسمة في دعوة مريم. من الجميل أن نعود إلى تلك اللحظة في اليوم الذي نحتفل فيه ببلوغها غاية مسيرتها. إنّ كل قصة، حتى قصة أم الله، على الأرض هي قصيرة وتنتهي. لكن لا يضيع منها شيء. وهكذا، حين تُختتم حياة ما، تسطع فرادتها بوضوح أكبر. إن نشيد “تعظم نفسي الرب” الذي يضعه الإنجيل على شفتي مريم الشابة، يشعّ اليوم بنور جميع أيام حياتها.
تابع الأب الأقدس يقول إن يوماً واحداً، يوم لقائها بنسيبتها أليصابات، يحمل سرّ كل يوم آخر، وكل فصل آخر. والكلمات وحدها لا تكفي: بل هناك حاجة إلى نشيد، يواصل المؤمنون إنشاده في الكنيسة “من جيل إلى جيل”، عند غروب كل يوم. إن الخصوبة العجيبة لأليصابات العاقر قد ثبّتت مريم في ثقتها: لقد استبقت خصوبة الـ “نعم” التي قالتها، والتي تمتد في خصوبة الكنيسة والبشرية جمعاء، عندما تُقبل كلمة الله المجدِّدة. في ذلك اليوم، التقت امرأتان في الإيمان، ثم بقيتا معًا لثلاثة أشهر، تتساندان، ليس فقط في الأمور العملية، بل في أسلوب جديد لقراءة التاريخ.
أضاف الحبر الأعظم يقول وهكذا، أيها الإخوة والأخوات، تدخل القيامة اليوم أيضًا إلى عالمنا. قد يبدو أن كلمات الموت وخياراته هي السائدة، لكن حياة الله تقطع طريق اليأس من خلال خبرات ملموسة من الأخوّة، ومن خلال مبادرات جديدة من التضامن. فالقيامة في الواقع، قبل أن تكون مصيرنا الأخير، هي تغيّر – نفسًا وجسدًا – أسلوب سكنانا على هذه الأرض. إن نشيد مريم، نشيد “تعظم نفسي الرب”، يقوّي في الرجاء المتواضعين والجياع وخدّام الله العاملين.
تابع الأب الأقدس يقول إنهم رجال ونساء التطويبات، الذين يرون، وسط الشدّة، ما لا يمكن رؤيته: المقتدرون المطروحين عن العروش، والأغنياء الفارغي الأيدي، ومواعيد الله التي تحققت. إنها خبرات علينا أن نتمكن جميعًا، في كل جماعة مسيحية، من أن نقول إننا قد عشناها. قد تبدو مستحيلة، لكن كلمة الله لا تزال تولد. وعندما تولد الروابط التي نواجه بها الشرّ بالخير، والموت بالحياة، نرى عندها أن “ما من شيء يعجز الله”.
أضاف الحبر الأعظم يقول وأحيانًا، للأسف، حيث تسود الضمانات البشرية، ونوع من الرفاهية المادية، وتلك الراحة التي تخدّر الضمائر، يمكن لهذا الإيمان أن يشيخ. عندها يتسلّل الموت في أشكال الاستسلام، والتذمّر، والحنين، وانعدام الأمان. وبدل أن نرى العالم القديم يزول، نبحث عن عونه مجددًا: عون الأغنياء والأقوياء، الذي غالبًا ما يقترن باحتقار الفقراء والمتواضعين. لكن الكنيسة تحيا في أعضائها الهشّة، وتتجدّد بفضل نشيد تسبحتهم.
تابع الأب الأقدس يقول واليوم أيضًا، تشكّل الجماعات المسيحية الفقيرة والمضطهدة، وشهود الحنان والمغفرة في أماكن النزاع، وصانعو السلام وبناة الجسور في عالم ممزّق، فرح الكنيسة، وهم خصوبتها الدائمة، وبواكير الملكوت الآتي. كثيرون منهم هم نساء، مثل أليصابات المسنّة ومريم الشابة: نساء فصحيّات، ورسولات القيامة. لنسمح لشهادتهنّ أن تغيّر قلوبنا!
أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات، حين “نختار الحياة” في هذه الحياة، عندها نرى في مريم، المنتقلة إلى السماء، سببًا لكي نرى فيها مصيرنا. لقد أُعطيت لنا كعلامة على أن قيامة يسوع لم تكن حالة استثنائية أو حادثًا منفردًا. وإنما يمكننا جميعنا، في المسيح، أن نبتلع الموت. إنّه بالتأكيد، عمل الله لا عملنا. ومع ذلك، مريم هي ذاك النسيج من النعمة والحرية الذي يدفع كل واحد منا إلى الثقة والشجاعة والالتزام في حياة شعب. “لأن القدير صنع إلي أمورا عظيمة”: ليتمكّن كل واحد منا من أن يختبر هذا الفرح ويشهد له بنشيد جديد.
وختم البابا لاوُن الرابع عشر عظته بالقول فلا نخافنًّ من اختيار الحياة! قد يبدو الأمر عادةً خطيرًا أو غير حكيم. كم من الأصوات تهمس لنا دائمًا: “ما حاجتك لهذا؟ اترك الأمر! فكّر في مصلحتك”. إنها أصوات موت. أما نحن فتلاميذ المسيح. ومحبته هي التي تدفعنا، نفسًا وجسدًا، في زماننا. كأفراد وككنيسة، نحن لم نعد نحيا لأنفسنا. وهذا الأمر بالذات – وهذا فقط – هو الذي ينشر الحياة ويجعلها تنتصر. إن انتصارنا على الموت يبدأ من الآن.