لا أحد يعلم الآن ما الأعمال التي لم ينشرها أو لم يطلقها زياد الرحباني. يقال إن هناك بعض الأعمال المسجلة للفنانة التونسية لطيفة وأخرى لكارول سماحة، الأيام ربما تكشف عنها، وإذ ما راقبنا الكثير من المقابلات مع زياد فهو تحدث عن الكثير من المشاريع الغنائية والمسرحية لكنها لم تنجز إما لظروف إنتاجية أو ذاتية أو كانت مجرد كلام مقابلات، أو توقفت بسبب ظروف الحرب، ومن بينها مسرحية “صبحي الجيز”، التي لم يبق منها إلا الأغنية الشهيرة بصوت الفنان خالد الهبر، ثم بصوت الفنانة فيروز في ألبوم “ولا كيف”(2001).
كان الاعتقاد بأن “صبحي الجيز” شخصية يسارية من أصدقاء أو رفاق زياد الرحباني، إلا أن الممثل الراحل شوقي متى روى في تقرير، حقيقته، أنه شخصية وهمية، وهو بطل مسرحية كان كتبها زياد الرحباني ويستعد لتقديمها في العام 1975، غير أن اندلاع الحرب حال دون ذلك. وفي مقابلة مع زافين قيومجيان في “سيرة وانفتحت” قبل سنوات كشف زياد إنه مزق نص مسرحية “صبحي الجيز”، لإنه شعر بان الحرب تخطت ما كان كتبه، لكنه ندم، وقال إنه يأخذ أحيانًا قرارات خاطئة، وأنه قرر أن يتوقف عن أخذ القرارات. وفي الحلقة نفسها تحدث عن مسرحية “مارتن” التي يعمل عليها منذ 1982، وكان اسمها “ميشا” في البداية، وغيّر اسمها، وكانت هناك عراقيل حالت دون ان تبصر النور. وقال إنه عادة يكتب بسرعة، وهذه المسرحية أخذت وقتا معه، وهو يعيد كتابتها، وسيقوم ثلاثة أشخاص بتمثيلها، الزوج والزوجة والطبيب، وسيكون هو على المسرح أيضًا: “لن أكون الزوجة وطارق تميم هو الطبيب”. وأوضح أن المشكلة هي في العثور على مسرح لتقديمها، ويمكن أن يقدمها في المركز الثقافي الروسي.
ولم يكن حديث زياد الرحباني على سياق واحد حول مسرحية “مارتن”، وفيه شيء من الالتباس، ففي مقابلة مع الإعلامي عماد مرمل على قناة “المنار” التابعة لحزب الله، قال إنه سيعود إلى المسرح بعد انقطاع عنه دام سنوات طويلة، بعمل جديد يحاكي آلام اللبنانيين وأزماتهم. وأن مسرحيته الجديدة ستحمل عنوان “مارتن”، معلناً أنه بدأ كتابتها منذ العام 1989، إلا أنهّ مزّق أوراق نصّها أكثر من مرّة، إلى أن اقتنع أخيرًا بنصها الأخير الذي كتبه. وفي حوار مع جريدة “الأخبار” (الإثنين 12 كانون الثاني 2015) ذكر أنه سوف يتعاون مع فرقة موسيقية عالمية في برلين ويقدم حفلات، وينصرف إلى تحويل مسرحية “مارتن” التي كتبها عام 2004 ولم تعرض، إلى سيناريو فيلم من إنتاج لبناني ألماني وبتمثيل لبنانيين. هكذا تحولت مسرحية مارتن، محطة في المقابلات الصحافية أو التلفزيونية. ربما هي فكرة حاضرة على نحو دائم في رأس زياد الرحباني ولكنها لم تر النور.
والمسرحية الأشهر التي كان ينوي زياد عرضها 1982 ولكن الاجتياح الإسرائيلي حال دون ذلك، كان عنوانها “كان به” تقول النجمة مادونا: “كنا نستعد لعرض مسرحية “كان به” وأحضر الفرقة الموسيقية والاستعراضية من روسيا، لكننا لم نقدمها بسبب الاجتياح”. وتكتب جريدة “السفير” المحتجبة في 26 /5/ 1952 “على معظم الجدران في منطقة بيروت الغربية، مجموعة من الملصقات تحمل عنوانا عريضًا “كان به”، وهي مذيلة بكلمة بطولة “كان به”.
الملصقات المذكورة تمهد للعرض الجديد لزياد الرحباني، وهو من فصلين، الفصل الأول عن مسرحي يعمل على إعداد مسرحية في الظروف الأمنية الراهنة، والفصل الثاني يمكن القول إنه “ميوزك هول” غنائي راقص، تشترك فيه مجموعة من المغنين والعازفين والراقصين.
تشارك مع زياد في الفصل المسرحي مجموعة من الوجود المسرحية التي عملت مع الرحباني في مسرحيتيه السابقتين، “بالنسبة لبكرا شو” و”فيلم أميركي طويل”، منهم زياد أبو عبسي وتوفيق فروخ…..
ومن المقرر أن يبدأ العرض في أوائل حزيران المقبل: على صالة مسرح البكاديللي، وهو من إعداد زياد الرحباني”.
وفي معرض تعليقة على اللغة التي يستعملها زياد، يستذكر الباحث أحمد بيضون في كتابه “في صحبة العربية.. منافذ إلى لغة وأساليب” أن زيادا علـّق، في أوائل الثمانينات، (إن لم أخطئ التقدير) إعلانات مربعة على أعمدة الكهرباء المزروعة في رصيفي نزلة البيكاديللي (وهو المسرح الذي قدّم فيه مسرحياته الحربية). كان الإعلان إعلانا عن مسرحية لم يشاهدها أحد بعد ذلك ولا قبله، وكان عنوانها “كان به”. وأول ما تنبهت إليه، وأنا أنظر إلى هذا الإعلان، أنني لم أكن فكرت قط، طوال عشرات من السنين مضت، في كيفية تكوّن هذه العبارة وتلبـّسها المعنى الذي لها ولا في إعرابها. فأدركت أن مكر زياد وطرافته واقعان هنا بالضبط: في هذه القدرة على إقلاق الكلام المستقر فينا… على إزاحته شيئا ما عن مستقرّه… وعلى إلزامنا الكشف عن أحواله ومندرجاته وذيوله”.
والسؤال: هل كانت مسرحية “كان به” نصًا مكتوباً؟