تراهن مصر على 3 مناطق اقتصادية ذات طبيعة خاصة لتكون محركات رئيسية للنمو وجذب استثمارات مليارية في السنوات المقبلة، مع تنامي المنافسة الإقليمية على الاستثمارات الصناعية واللوجستية في ظل تحديات التجارة العالمية.

1-قناة السويس.. أكبر مركز صناعي ولوجستي في البلاد

تتصدر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone) قائمة المناطق الاقتصادية في مصر من حيث حجم الاستثمارات وعدد المشروعات. أُنشئت رسميًا عام 2015 بناءً على القرار الجمهوري رقم 330، لتكون أول منطقة اقتصادية خاصة طبقًا للقانون رقم 83 لسنة 2002، وتمتد على مساحة 461 كيلومترًا مربعًا، ما يعادل نحو ثلثي مساحة سنغافورة، موزعة على ضفتي المجرى الملاحي لقناة السويس. وتضم المنطقة أربع مناطق صناعية وستة موانئ بحرية تقدم مزايا ضريبية وجمركية للمستثمرين، مع موقع استراتيجي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية سنويًا.

تنقسم مناطقها إلى منطقتين متكاملتين: عين السخنة المخصصة للصناعات الثقيلة والطاقة المتجددة، وشرق بورسعيد المخصصة للصناعات الخفيفة والأنشطة اللوجستية، بالإضافة إلى منطقتين صناعيتين أخريين هما قنطرة غرب كمركز لصناعة المنسوجات والصناعات الغذائية، وشرق الإسماعيلية (وادي التكنولوجيا) المتخصصة في التعدين والألياف وتكنولوجيا المعلومات. أما الموانئ الستة فتشمل شرق بورسعيد، غرب بورسعيد، الأدبية، الطور، العريش، والعين السخنة.

على مدار السنوات القليلة الماضية، ضخت الهيئة نحو 3 مليارات دولار في تطوير البنية التحتية، وتخطط لاستثمار مبلغ مماثل خلال الأعوام المقبلة. وخلال آخر 24 شهرًا، جذبت المنطقة أكثر من 6.3 مليار دولار عبر 164 مشروعًا جديدًا، منها سبعة مشاريع مرتبطة بالموانئ والباقي في قطاعات صناعية ولوجستية، ما ساهم في زيادة عدد الشركات العاملة بنسبة تقارب 50%. وإجمالًا، بلغ عدد المشروعات الموقعة حتى مارس 2025 نحو 272 مشروعًا باستثمارات تقارب 8.3 مليار دولار، وفرت أكثر من 40 ألف فرصة عمل.

تشمل التوسعات الجارية إضافة كيلومتر جديد من أرصفة الحاويات في ميناء شرق بورسعيد إلى جانب 2.4 كيلومتر قائم، وتشغيل محطة سيارات “رول أون – رول أوف” في يناير، وافتتاح محطة حاويات جديدة في أبريل، إلى جانب خطط لبناء محطة تحلية مياه في العين السخنة بطاقة 250 ألف متر مكعب يوميًا لخدمة مشروعات الطاقة الخضراء.

وتسعى المنطقة لترسيخ موقعها كمركز إقليمي للطاقة المتجددة، حيث تستهدف قطاعات متنوعة تشمل الطاقة المتجددة، الإلكترونيات، الأدوية، مكونات السيارات، الصناعات المعدنية، والتعدين بما في ذلك السيليكا ومواد البناء. ووقعت 15 اتفاقية إطارية و8 مذكرات تفاهم لمشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا والميثانول الأخضر بإجمالي استثمارات محتملة تصل إلى 40 مليار دولار على مدى عشر سنوات، منها 12 مليار دولار للمرحلة التجريبية و29 مليار دولار للمرحلة الأولى.

ورغم تأثر إيرادات قناة السويس من الهجمات الحوثية على الشحن في البحر الأحمر، والتي دفعت العائدات في الربع الأول من 2025 إلى 830 مليون دولار فقط، مسجلة أدنى مستوى فصلي منذ 21 عامًا، مقارنة بذروة بلغت 2.54 مليار دولار في الفترة نفسها من 2023، فإن المنطقة الاقتصادية نجحت في الاستفادة من تنويع أنشطتها الصناعية واللوجستية لتقليل الاعتماد على رسوم عبور السفن، مع اعتماد نظام “النافذة الموحدة” لتسهيل إجراءات التراخيص والخدمات للمستثمرين.

2- المثلث الذهبي.. بوابة التعدين والطاقة في الصعيد

تأسست المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي (GTZone) بقرار جمهوري في عام 2017، وتمتد بين مدن سفاجا وقنا والقصير على ساحل البحر الأحمر، لتكون أحد أكبر المشروعات القومية الهادفة إلى تعظيم الاستفادة من الموارد التعدينية والزراعية واللوجستية في جنوب مصر. وتتمتع المنطقة بموقع استراتيجي يربط الموانئ البحرية على البحر الأحمر بالأسواق الأفريقية والآسيوية، ما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

تركز المنطقة على استغلال احتياطيات المعادن والخامات الاستراتيجية، وتطوير صناعات تحويلية عالية القيمة في مجالات مثل إنتاج الفوسفات، الذهب، الرمال السوداء، والطاقة الجديدة والمتجددة. كما تستهدف إنشاء مجمعات صناعية متخصصة في الصناعات الكيماوية والهندسية والغذائية، مع توفير بنية تحتية لوجستية متكاملة تربط الموانئ بالمناطق الصناعية والمناجم.

شهد عام 2025 دفعة قوية لمشروعات المنطقة، أبرزها توقيع مذكرة تفاهم مع شركة السويدي إليكتريك لتطوير منطقة صناعية ولوجستية متكاملة بمدينة سفاجا، تضم صناعات التعدين والهندسة والتحويلية والكيماوية والغذائية، وتعمل وفق أحدث النظم الذكية والمستدامة. ومن المتوقع أن يسهم المشروع في جذب استثمارات محلية وأجنبية وخلق آلاف فرص العمل، وتعزيز صادرات مصر للأسواق الإقليمية والدولية.

وفي 11 أغسطس 2025، أبرمت الهيئة اتفاقًا جديدًا مع مطور صناعي عالمي لإنشاء منطقة صناعية متخصصة في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية، مستهدفة تعزيز القيمة المضافة للصناعات التعدينية في المنطقة. وتواكب هذه الخطط تحركات لجذب كبار المطورين والمستثمرين الدوليين لإنشاء مناطق صناعية متخصصة في قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية.

المثلث الذهبي

ولتعزيز كفاءة الإدارة، نفذت الهيئة إعادة هيكلة شملت تشكيل مجلس إدارة جديد ولجان فنية، وإنشاء مكتب سجل تجاري خاص لتسجيل الشركات واستكمال اللوائح والإجراءات التنظيمية، في إطار خطة تطوير للأعوام 2025/2026 تستهدف تحقيق الاستدامة المالية للمشروع دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية، عبر نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP).

ويؤكد مسؤولو الهيئة أن المثلث الذهبي يمثل منصة صناعية ولوجستية متكاملة قادرة على استغلال الموارد الطبيعية وتعزيز مساهمة الصعيد في الناتج الصناعي القومي، ووضع جنوب مصر على خريطة المراكز الاستثمارية الإقليمية والدولية.

3-جرجوب.. محور جديد على الساحل الشمالي الغربي

في يونيو 2025، وافق مجلس الوزراء على إنشاء المنطقة الاقتصادية لجرجوب لتكون ثالث منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة في البلاد. تقع المنطقة في الساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح، وتغطي مساحة تبلغ نحو 402 ألف فدان (حوالي 1,687 كيلومترًا مربعًا).

المخطط الاستراتيجي للمنطقة يتضمن تطوير ميناء جرجوب البحري ليكون مركزًا إقليميًا للنقل واللوجستيات، إلى جانب منطقة صناعية ومراكز تجميع وإعادة تصنيع السيارات المستعملة القادمة من آسيا، وخط أنابيب بترول لنقل الخام الليبي إلى مصر لإعادة التصدير، فضلًا عن مناطق سياحية وسكنية على ساحل البحر المتوسط.

المثلث الذهبي

تستهدف الحكومة جذب استثمارات في قطاعات الموانئ، الصناعات التحويلية، الطاقة، والخدمات اللوجستية، مع منح المستثمرين مزايا مماثلة لتلك المطبقة في قناة السويس والمثلث الذهبي.

رهان استراتيجي على التنويع

ترى الحكومة المصرية أن هذه المناطق الثلاث تمثل ركائز استراتيجية لتنويع مصادر الدخل وجذب العملة الصعبة، خاصة في ظل التقلبات الإقليمية التي تؤثر على إيرادات قناة السويس والتجارة البحرية. ويؤكد مسؤولو الاستثمار أن تكامل هذه المناطق مع خطط تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية سيعزز موقع مصر كمحور صناعي ولوجستي يربط بين أسواق أوروبا وآسيا وأفريقيا.

اقرأ أيضا.. صادرات البطاطس المجمدة المصرية تسجل قفزة ضخمة مع دخول مصانع جديدة للخدمة| صور

نسخ الرابط
تم نسخ الرابط