06:44 م
الإثنين 18 أغسطس 2025
-مارينا ميلاد:
لا يعرف “عصام”، ما عليه فعله بعد أن منع صاحب العقار، والدته من الصعود إلى شقتها خلال الأيام الماضية بحجة “أن لها مسكنا آخرا”.
وقع بعدها في حيرة ما بين أن ينخرط في مشادات أو أن يحرر محضرًا له، فهو يخشى أن يستغل الطرف الثاني ذلك “في إثبات أن الشقة محل خلاف ويكون ذلك في صالحه لاحقًا”.
ورثت والدة “عصام” الشقة عن والدتها بنظام الإيجار القديم في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وأقامت فيها طوال ستين عامًا تقريبًا، عدا الفترة الأخيرة التي انتقلت فيها للعيش مع شقيقتها، لكنها صارت مهددة بالطرد منها.
فبعد أيام من تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات ما يعرف بقانون الإيجار القديم، التي أقرها مجلس النواب يوليو الماضي، يعيش بعض مستأجري الإيجار القديم وضعًا مرتبكًا مع الملاك، فمنهم من طلب إقرار زيادة في الإيجار مبكرًا ومنهم من حال دون وصولهم إلى بيوتهم أو سعى لإثبات أنهم لا يسكنوها، كما حدث في حالة والدة “عصام”.
ووافق مجلس النواب على تعديلات قانون الإيجار القديم، التي تنص على إلغاء عقوده القائمة بعد فترة انتقالية مدتها 7 سنوات للمساكن و5 سنوات للوحدات التجارية والمكتبية. على الرغم من وجود كثير من الجدل والخلافات حول ذلك.
يقول “عصام”، “إنه يشعر بالظلم، ولم يفهم ما عليه فعله، فكلها أمور جدت عليهم فجأة!”. وهو ما تطرق إليه شريف الجعار (رئيس اتحاد مستأجري عقارات الإيجار القديم)، وقال، في تصريحات لـ”مصراوي”: “إن القانون ينصف الملاك على المستأجرين”، مشيرًا إلى اتخاذه الإجراءات القانونية ضده.
ووالدة “عصام” التي يتجاوز عمرها الستين عامًا، تمثل الشريحة الأكبر من المستأجرين من كبار السن المعتمدين على معاشاتهم، وهو ما يزيد المخاوف تزداد من كيفية تنفيذ قرارات الإخلاء المتوقعة بعد نهاية الفترة الانتقالية.
لكن الحكومة تعهدت بتوفير شقق كافية للمستأجرين الذين سيضطرون لإخلاء منازلهم. وأعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مؤخرًا، بدء تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم القواعد والشروط اللازمة في الحصول على وحدات بديلة في أول أكتوبر المقبل من خلال منصة إلكترونية أو مكاتب البريد، ولمدة 3 أشهر، حيث سيتمكن المواطنون عبر تلك المنصة من التقدم واستيفاء الطلبات للحصول على الوحدات البديلة بعد انقضاء المدة.
ويبدو أن هذه السيدة لم ترغب في الذهاب إلى أي مكان آخر، فيحكي “عصام” عنها، “أنها قضت عمرها كله في هذا البيت، وكل زاوية به تحمل ذكرياتها”، موضحًا أنها “لم تخرج منه إلا مؤخرًا، لتقضِ وقت أطول عند شقيقتها، حتى لا تبق وحدها بعد زواجه”. لكنها ظلت تدفع كل المستحقات المالية على البيت من إيجار أو المياه والكهرباء وغيره.
في نفس الوقت، كانت أماني فهمي (58 عامًا) تحاول أن تتصرف وتبيع ما تملكه في شقة والدتها بمنطقة حدائق القبة، فهي تخشى أن يحدث معها ما جرى مع والدة “عصام”، وأن يسيطر صاحب البيت على الوحدة قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وبالتالي لا تتمكن من التصرف في مقتنياتها.
أما هشام محمد، الذي يسكن مع أسرته في شقة بنظام الإيجار الجديد، فيزعجه رسائل متكررة من صاحبة البيت، تطالبهم بزيادة مبكرة للإيجار وأكثر مما نص عليه القانون. فتبادلوا الرسائل حول نصوص القانون والأخبار التي توضح أن الزيادة بواقع 250 جنيهًا بداية من شهر سبتمبر حتى يتم تشكيل لجان لتصنيف المناطق.
وصنفت تعديلات القانون الجديد جميع العقارات السكنية أو التجارية المؤجرة ما بين متميزة، ومتوسطة، واقتصادية، وسوف تتفاوت قيمة إيجاراتها خلال 7سنوات مقبلة حسب المنطقة، على أن تزيد سنوياً بنسبة 15% سنوياً. وهو ما يعني أن “هشام” الذي يدفع 55 جنيهًا كقيمة إيجار شقته، يمكن أن يدفع قرابة 400 جنيه شهريًا باعتباره في نطاق مناطق متوسطة، ستزيد 10 أضعاف القيمة الحالية.
ولأن الرجل الستيني قلق بشأن وضع شقته، فقرر أن يذهب مع زوجته لعمل تجديدات بها والبقاء فيها أطول وقت، “حتى يثبت أنه لازال يسكنها، بشهادة جيرانه”، كما يقول. ويضيف: “نحن لا نملك أي وحدة، فنسكن إيجار جديد لفترة بسبب ظروف عمل أولادي، ونعول على شقتنا القديمة الأساسية.. فمع زيادة الإيجار الجديد سنويًا بصورة مبالغ فيها، فقد لا نستطيع السداد العام القادم ونعود إليها في أي وقت.. لكن الآن نحن لا نضمن الشقتين!”.
وفي الماضي، نظم مسألة الإيجار في مصر عدة قوانين متعاقبة، أولها قانون عام 1920، ونص على عدم جواز طرد المستأجر من الوحدة إلا بحكم محكمة يستند إلى عدة قواعد، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار. تلاه قانون عام 1941 الذي يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية. ثم حلت ثورة يوليو 1952 لتخفض قوانينها القيمة الإيجارية.
ولم يمنح المؤجرين مزايا سوى قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة الصادر عام1977، إلا أن الملاك ظلوا يطالبون بتعديلات تشريعية، فصدر قانون عام 1981 لتحقيق التوازن بين الطرفين، وأشركهما في قيمة صيانة المبنى، وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السّكنى.
وشهد سوق العقارات في مصر ارتفاعًا كبيرًا في سوق العقارات خلال الفترات الأخيرة. وقد توقع خبراء ومتعاملون بالقطاع العقاري ارتفاع أسعار العقارات في السوق المصري بنسبة تتراوح من 15% إلى 45% خلال هذا العام، مدفوعة بعدة عوامل محلية وعالمية، بما في ذلك التضخم، وزيادة سعر الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة الطلب على الوحدات السكنية، فضلًا عن التوسع في المدن الجديدة.
لذا يدرك “عصام” أن “شقة والدته باتت مطمعا لمالكها، إذ قفز سعرها الآن لمليون ونصف على الأقل”. لكنه يتساءل: “كيف لوالدتي أن تستوعب بعد هذا العمر، أن يقولون لها أمامك سبع سنوات للرحيل؟!.. وعلى أي أساس؟”.
وفي حديثه، أكد مصطفى مدبولي (رئيس مجلس الوزراء) “أن مشروع قانون الإيجار القديم لا يستهدف طرد المستأجرين أو إنهاء العلاقة التعاقدية بشكل مفاجئ، موضحًا أن الحكومة حريصة على الحفاظ على التوازن بين حقوق الملاك واستقرار أوضاع المستأجرين”. وأضاف، خلال مؤتمر صحفي، “أن الخبراء القانونيين والعقاريين أكدوا استحالة استمرار الوضع الحالي دون تدخل تشريعي، لكن الحكومة تدرك حساسية هذا الملف، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية جميع الأطراف، دون المساس بالحقوق القانونية أو إحداث صدام بين الملاك والمستأجرين”.
على الجانب الآخر، لا تخفي نشوى (أحد مالكي العقارات)، سعادتها بإقرار القانون. إذ كانت تتلقى مبلغًا زهيدًا من أشقائها كل شهر. ذلك المبلغ الذي لا يتجاوز المائتي جنيه يمثل نصيبها من إيجار الوحدات السكنية بالعقارات التي يملكونها بمنطقة روض الفرج والخاضعة جميعها لقانون الإيجار القديم. ولم يزد ما تتقاضاه مع الوقت رغم زيادة أسعار كل شيء حولها، ما دفعها لتقول: “نحن كنا بالاسم أصحاب ملك، لكننا لا نستطيع العيش جيدًا!”.
كما أن لديها في كل عقار من العقارات الثلاثة نحو ثلاث أو أربع شقق مغلقة، لا تجد سبيلا مع أصحابها للتنازل عنها، وهو ما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة لها. إذ تتراوح الإيجارات ما بين 15 وحتى 50 جنيهًا مقابل تأجير وحدات سكنية وتجارية. وفوق ذلك، فهي لم تستطع التقديم لمشاريع الإسكان، كذلك بعض الخدمات باعتبارها “من ذوي الأملاك”، لكن الحقيقة أنها تتقاسم مع أشقائها التسعة هذا الإيجار الضعيف. ما تصفه بـ”الظلم الشديد”.
لذا ترى أن فترة السبع سنوات المحددة فرصة لكلا الطرفين لإعادة الاتفاق بشكل عادل يناسب هذا الوقت.