لأول مرة منذ عقود، إسرائيل وسوريا على طاولة المفاوضات، إذ التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك في باريس قبل أيام، بهدف خفض التصعيد بين البلدين.
شملت النقاط الرئيسية على جدول أعمال القمة تهدئة التوترات بين سوريا وإسرائيل وعدم تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية السورية وإعادة تنشيط اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974 بين البلدين، بالإضافة إلى بحث قضية إدخال المساعدات الإنسانية للأقلية الدرزية في السويداء.
صرّح متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية لـ DW أن إسرائيل امتنعت عن التعليق على اجتماع باريس، في حين علقت عليه وكالة الأنباء السورية سانا مؤكدة أن الاجتماع قد انتهى بالالتزام بإجراء مزيد من المحادثات، على عكس جولة سابقة من المحادثات جرت في أواخر يوليو/ تموز انتهت دون اتفاق رسمي.
يمثل هذا الاجتماع المباشر تحولاً كبيراً في العلاقات بين البلدين، التي بقيت شبه مقطوعة على مدى الخمسة وعشرين عاماً الماضية.
نظرياً، البلدان في حالة حرب منذ عام 1967، عندما احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، التي تمثّل أهمية استراتيجية بسبب وقوعها على طول الحدود المشتركة بين البلدين.
في عام 1981 أقدمت إسرائيل على ضم مرتفعات الجولان رسمياً إلى أراضيها، ولكن ما يزال المجتمع الدولي يعتبر الجولان أرضاً سورية ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، وحتى الآن لا تعترف بها رسمياً كجزء من إسرائيل سوى الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي عام 1974 وقع الطرفان على اتفاق وقف إطلاق النار تم بموجبه إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان على طول الحدود الإسرائيلية السورية.
لكن الحال تغيّر عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتصاعدت التوترات بين البلدين، ونشرت إسرائيل قوات خارج المنطقة منزوعة السلاح ونفذت حوالي ألف غارة على سوريا التي لم ترد على أي منها.
الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع كان قد أدان هذه الهجمات وأكد مراراً وتكراراً أنه لا يريد خوض حرب مع إسرائيل.
ما هي أجندة إسرائيل؟
قال شالوم ليبنر، الدبلوماسي المخضرم والمستشار السابق لسبعة رؤساء وزراء إسرائيليين، بمن فيهم بنيامين نتنياهو لـ DW: “في ظل الظروف الحالية، من الصعب تصور أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستفكر في تقديم تنازلات تتجاوز العروض المتبادلة بالامتناع عن التدخل في جهود حكام سوريا الجدد لتعزيز سلطتهم”.
وأضاف: “الأهداف الإسرائيلية المباشرة هي ضمان الأمن على طول المنطقة الحدودية مع سوريا، ومنع أي تمركز الدخلاء المعادين الذين قد يعرضون التسوية مع دمشق للخطر، بالإضافة إلى ضمان حماية الدروز في سوريا”.
وبحسب وكالة سانا، أكد مصدر سوري أن إسرائيل أصرّت خلال اجتماع باريس على إنشاء ممر إنساني إلى السويداء، حيث يعيش حوالي 700 ألف شخص من الأقلية الدرزية، في حين يبلغ عددهم في إسرائيل 150 ألف شخص، وهي الأقلية الوحيدة التي يتم تجنيدها في الجيش الإسرائيلي.
استمرار العنف في جنوب سوريا
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video
وضع إنساني كارثي في السويداء عقب أعمال العنف
مطالبة إسرائيل بإنشاء ممر إنساني إلى السويداء جاءت بعد أحداث العنف الطائفي الذي حصل في السويداء منتصف يوليو/ تموز الماضي بين الدروز والبدو، وأسفر عن مقتل أكثر من 1700 شخص، بينهم مدنيون من كلا الطرفين.
انتهت أعمال العنف باتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، ومع ذلك أفاد السكان المحليون بأن حكومة دمشق تقيّد وصول المساعدات الإنسانية إلى السويداء، وهو ما نفاه مسؤولون سوريون.
وبحسب منصة أخبار أكسيوس، أعرب مسؤولون حكوميون من قلقهم من أن الفصائل الدرزية قد تستخدم الممر الإنساني لتهريب الأسلحة، في الوقت الذي خرج فيه دروز إلى الشوارع مطالبين بحق تقرير المصير.
بين تقرير نشرته هذا الأسبوع منظمة العمل من أجل الإنسانية، المنظمة غير الحكومية الأم لإغاثة سوريا أن الوضع الإنساني في السويداء يتدهور يوماً بعد يوم وأصبح مثيراً للقلق في ظل نقص في الخدمات الأساسية وقيود على حرية التنقل، وقالت المنظمة: “يعتمد المدنيون النازحون إلى حد كبير على ترتيبات إيواء غير رسمية مع الأقارب والأصدقاء، ولا يزال انعدام الأمن الغذائي الحاد قائماً”.
فرصة سانحة أمام دمشق
يرى يوسي ميكلبيرغ، الزميل الاستشاري الأول في مركز تشاتام هاوس للأبحاث ومقره لندن، أن المحادثات الحالية بين البلدين فرصة لدمشق لكسب الثقة داخل البلاد وخارجها.
وقال لـ DW: “إن تحسين طريقة معاملة الأقليات يمكن أن يخدم سوريا في خلق مساحة للحكومة لتوحيد البلاد وتحسين صورتها أمام الولايات المتحدة وبقية العالم”، ويرى أن ذلك قد يخفف من حدة التوترات مع إسرائيل؛ لأن قضية الدروز هي القضية الأكثر أهمية بالنسبة لها.
ويعتقد ميكلبيرغ أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من وراء المنطقة العازلة لعام 1974 في جنوب سوريا.
يوافقه الرأي ننار حواتش، كبير محللي الشؤون السورية في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة تعمل على منع الحروب. إذ يرى حواتش أن المحادثات قد تساعد دمشق ليس فقط على استعادة ثقة الدروز، بل أيضاً المجتمعات المختلفة التي لا تؤيد الحكومة”.
وساطة أذرية في مساعي “التطبيع” بين إسرائيل وسوريا؟
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video
هل سنشهد تطبيعاً للعلاقات؟
يرى مراقبون أن ذلك احتمال وارد خصوصاً مع سعي واشنطن إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال تعزيز “شرق أوسط مزدهر” كما تصوره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل جزء لا يتجرأ من هذه الرؤية. كما يعتقد شالوم ليبنر أنه من وجهة نظر إسرائيل، سيكون التطبيع هدفاً طموحاً طويل الأجل.
في حين يعتقد يوسي ميكلبيرغ عكس ذلك، ويستعبد تطبيع العلاقات حالياً ” بالنظر إلى استمرار الحرب في غزة” على حدّ تعبيره. ولكن إذا انتهت الحرب في غزة، واستمر تقدم المفاوضات بين سوريا وإسرائيل فقد يؤدي ذلك إلى عملية تطبيع.
قال ميكلبيرغ إنه “من غير المعروف الاتجاه الذي تسلكه سوريا، ومن غير المعروف أيضاً الاتجاه الذي تسلكه إسرائيل في الوقت الحالي”.
وأفادت صحيفة “إندبندنت عربية” مؤخراً نقلاً عن مصادر سورية أن سوريا وإسرائيل ستوقعان اتفاقية أمنية برعاية واشنطن، ومن المتوقع توقيع الصفقة في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، ولكن من المستبعد وفق المصدر التوقيع على اتفاقية سلام شامل في المستقبل القريب.
وأضافت صحيفة “إندبندنت عربية” أنه سيسبق توقيع الاتفاق خطاب للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في نيويورك في 24 سبتمبر/ أيلول، وذلك في إطار مشاركته في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة.