عندما زار الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بيروت، كان واضحاً أن هدف الزيارة لا يقف عند حدود إعطاء جرعة دعم لـ”حزب الله” بعد قرار الحكومة نزع سلاحه، أو حتى إعطاء قياداته التوجيهات اللازمة لرفع سقف الخطاب السياسي وعدم الظهور بمظهر استسلامي أو انهزامي، مع تأكيده دعم بلاده المستمر للحزب، بل حملت الزيارة رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين تفيدهم بأن طهران ليست في وارد التخلي عن الحزب، ولن تقبل بمساومة ورقته وسلاحه الممول منها مجاناً.

 

صحيح أن موقفي رئيسي الجمهورية جوزف عون والحكومة نواف سلام عكسا رفضاً للموقف الإيراني واضعين إياه في خانة التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، في رسالة واضحة إلى واشنطن والرياض بأن لبنان ليس في وارد تمييع موقفه من السلاح أو التراجع عنه تحت ضغط إيراني، حتى لو بلغ حد التهديد بالحرب الأهلية، كما فعل الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، إلا أن واقعاً صادماً برز في كلام الموفد الأميركي توم براك خلال زيارته الأخيرة لبيروت، حيث اعترف، ولو مداورة بدور إيراني في التسوية اللبنانية، إذ قال إن إيران جار وشريك في مسار التسوية. وكان لافتاً أن هذا الكلام صدر غداة زيارة لاريجاني بيروت وكلامه على دعم الحزب ورفضه تجريده من سلاحه.

 

لم تتعامل القوى السياسية المعارضة للحزب بجدية مع كلام براك، بل بدا واضحاً أن ثمة محاولة للتقليل من شأنه واعتباره من زلات لسان براك التي يُساء فهمها في بيروت، على غرار كلامه على بلاد الشام وضم لبنان إلى سوريا، أو أن “حزب الله” حزب سياسي. في حين أن رئاستي الجمهورية والحكومة تعاملتا مع هذا الكلام على أنه عائد إلى صاحبه ولا يعني لبنان في أي شكل، على قاعدة أن الموقف اللبناني الرسمي الواضح يقوم على رفض أي تدخلات إيرانية في الملف اللبناني.

 

لكن المواقف الأخرى التي أطلقها براك حيال الطائفة الشيعية، والمرونة التي أبداها مقرونة باحترام وتضامن، موجهاً بذلك رسالة إلى البيئة الشيعية الحاضنة للحزب بأن لا استهداف لها، سبقت التلميح إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتزم إنشاء منطقة ترامب الاقتصادية في الجنوب، وهو ما عكس منحى جديداً أكثر عملانية للتسوية،  مغلفاً بالمكاسب التي سيحقّقها الحزب لبيئته وجمهوره في ما لو سار بالتسوية، وفق معادلة من ضلعين: الأول الضغط على إسرائيل من أجل تقديم خطوة تقابل الخطوة اللبنانية، ما يكسب واشنطن نقطة في رصيد مشروعها للتسوية في المنطقة.

 

أما الضلع الثاني فيكمن في الحوافز المالية والاقتصادية التي يجري التحضير لها حالياً، ليس فقط من خلال مؤتمر الدعم الدولي المزمع عقده في باريس في الخريف، إذا ما توافرت الشروط الدولية له، وإنما عبر دعم استثماري مباشر تكون واشنطن وسيطة وشريكة فيه. وهذه النقطة تعيدنا إلى ما سبق أن طرحته الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس من الدوحة عندما تحدثت عن أن صندوق النقد الدولي ليس الخيار الوحيد للبنان، وأن لديها أو لدى بلادها خطة أكبر تحفز المستثمرين على الاستثمار في لبنان. 

 

وللتذكير فقط، فإن أورتاغوس عادت لتولي الملف اللبناني، ولعل من المفيد الإشارة إلى أن ظهور المشروع الاقتصادي لترامب قد لا يكون منفصلاً عما كشفته الموفدة الأميركية سابقا.

 

والسؤال: هل هذا يعني أن واشنطن وافقت بالفعل على دور ما لطهران في لبنان؟

في رأي أوساط سياسية أن حسابات الإدارة الأميركية قد تكون أكثر عقلانية من الرهانات اللبنانية على إنهاء النفوذ الإيراني في لبنان. ولكن هذا لا يعني أن أي تسوية مقبلة ستأخذ في الاعتبار هذا النفوذ. فقرار إنهاء نفوذ الحزب في لبنان نابع من قرار أميركي بإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، بما فيها لبنان.

 

[email protected]