تمر السياسة الفرنسية بلحظة حاسمة، حيث تتشابك خيوطها في علاقة خاصة تجمع الرئيس إيمانويل ماكرون برئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور.

وتعتمد هذه العلاقة على رسائل نصية مقتضبة، ومكالمات ضمن دائرة ضيقة، وحوارات غير معلنة قد يكون لها تأثير كبير على مستقبل الحكومة.

وتتجه الأنظار إلى فرنسا غدا الاثنين، حيث يُتوقع أن يوجه البرلمان “الضربة القاضية” لحكومة فرانسوا بايرو، ما يعيد الرئيس ماكرون إلى مواجهة معضلة سياسية جديدة، إذ يعتبر الخبراء أن سقوط الحكومة شبه مضمون خلال تصويت الثقة المرتقب، ما يضع ساكن الإليزيه أمام تحدٍ آخر للعثور على خامس رئيس وزراء منذ إعادة انتخابه في مايو/ أيار 2022.

أخبار ذات علاقة

ماكرون وبايرو

فرنسا تحبس أنفاسها.. حكومة بايرو تواجه الانهيار و”يوم الغضب” قد يعصف بماكرون

من وزارة الاقتصاد إلى إعادة التواصل

وفي ظل هذا الوضع، تطرقت مجلة “لكسربيس” إلى العلاقة بين ماكرون وفور، إذ أوضحت بأن فور تعرف إلى ماكرون مباشرة حين تولى وزارة الاقتصاد في 2014. لكن بعد 3 سنوات، بدا أن الرئيس الجديد قد نسي الحزب الاشتراكي تمامًا.

عام 2017، وسط المد الماكروني وانهيار الاشتراكيين، لم يجد فور أي أثر لمكالمات أو رسائل مع الرئيس. وزاد الشك حين عملت زوجته السابقة، سوريا بلاتمان، مستشارة في حقوق الإنسان بالإليزيه. خصومه داخل الحزب، مثل فرانسوا كالفون، لم يفوّتوا فرصة اتهامه بـ”التساهل مع ماكرون”.

في يونيو/ حزيران 2022، بعد الانتخابات التشريعية التي حرمت ماكرون من الأغلبية المطلقة، استؤنف الاتصال. حيث دعا الرئيس قادة الأحزاب إلى لقاءات فردية. ذهب فور وحيدًا إلى الإليزيه. ومع مرور الوقت، ازدادت اللقاءات والاتصالات، أحيانًا حول التشكيلات الحكومية، وأحيانًا حول مشاريع كبرى مثل إصلاح التقاعد أو الميزانية. 

وبحسب المجلة، حافظ الرجلان منذ سنوات على قناة تواصل بعيدة عن الأضواء: مكالمات تبدأ غالبًا برسالة قصيرة من الرئيس “هل تستطيع الاتصال بي؟”، ورغم قلة اللقاءات الرسمية، فإن فور نفسه يعترف: “نحن على اتصال منتظم. أقول له ما أعتبره صائبًا وديمقراطيًا. ربما استمع إليّ، لكنه لم يسمعني حقًا”.

اليوم، ومع اقتراب سقوط حكومة بايرو، يعود السؤال: هل يفتح ماكرون الباب أمام اشتراكيين، وعلى رأسهم فور، للعب دور في إدارة المرحلة المقبلة؟، تقول لـ”كسربيس”.

أخبار ذات علاقة

 أوليفييه فور

بعد فوزه برئاسة “الاشتراكي الفرنسي”.. ما التحديات أمام أوليفييه فور؟

الاتصالات وسيناريوهات الحكومة

داخل الإليزيه، تؤكد مصادر أن الرئيس “يتجه إلى اليسار” بحثًا عن مخارج للأزمة، فيما لا يُخفي الاشتراكيون حماستهم للعودة إلى صدارة المشهد السياسي. ومع ذلك، ينفي فور حتى الآن تلقي أي اتصال مباشر من ماكرون بشأن خلافة محتملة لرئيس الوزراء فرنسوا بايرو، لكنه يترك الباب مواربًا: “إذا أراد أن يتصل، فسيتصل”.

وتقول المجلة إن العلاقة بين فور ورئيس الجمهورية أكثر مرونة مما هي عليه بين ماكرون ورئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان بوريس فالو، حيث يصف البعض خلافهما سخرية بـ”مشكلة خريجي ENA”، في إشارة إلى أن كليهما خريج من دفعة ليوبولد سيدار سنغور في المدرسة الوطنية للإدارة، أما أوليفييه فور، فهو ليس من هؤلاء، ويقدم نفسه كبديل عملي يمكن التحاور معه.

أخبار ذات علاقة

فرانسوا بايرو يتحدث أمام مؤتمر حول المالية العامة

بايرو أمام قرار “محفوف بالمخاطر” يهدد مسيرته السياسية في فرنسا

رسائل مشفرة و”لغة ماكرون”

منذ 2022، ومع ظهور الحاجة للتحالفات البرلمانية بعد خسارة الأغلبية المطلقة لماكرون، بدأ الخط الساخن بينه وبين فور يعود إلى الحياة. لقاءات منفردة، مشاورات حول مشاريع القوانين الكبرى مثل التقاعد والميزانية، وحتى تبادل “رسائل مشفرة” حول تشكيل الحكومات. وفي كل مرة، ظل الشك يلاحق الاشتراكي: هل يستخدمه ماكرون كورقة مناورة أم كشريك حقيقي؟

وبينما تترقب فرنسا التطورات السياسية بعد رحيل فرانسوا بايرو، يبعث أوليفييه فور رسائل واضحة حول استعداده للتفاوض، حتى لو تطلب الأمر بقاء ملفات حساسة كالدفاع والسياسة الخارجية تحت سيطرة الرئيس. بعبارة أخرى، يُظهر فور قدرته على التحدث بـ”لغة ماكرون” إذا كان هذا هو الثمن المطلوب لعودة الاشتراكيين إلى السلطة.

وهكذا، فقد تتحوّل الاتصالات الهاتفية العابرة واللقاءات المحدودة بين الرجلين إلى عنصر حاسم في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، وربما في رسم مصير الحكومة الفرنسية نفسها.