في إطار التزامها بتعزيز الشفافية وتوفير قراءة تحليلية معمقة لتطورات قطاع الطيران المدني، أطلقت الهيئة العامة للطيران المدني بدولة الإمارات سلسلة تقارير تحليلية بعنوان «رؤية من الداخل: الطيران المدني في دولة الإمارات»، تستعرض من خلالها أبرز ملامح التقدم، والتحديات، والفرص المستقبلية، من واقع البيانات الرسمية والخبرات التشغيلية المتراكمة، كما تسلط الضوء على النهج الذي تتبعه الدولة لترسيخ موقعها محوراً دولياً مؤثراً في واقع ومستقبل الطيران المدني.

وتمتلك دولة الإمارات منظومة متكاملة لخدمات الملاحة الجوية، مصممة لإدارة وتنظيم أحد أكثر الأجواء ازدحاماً وحيوية في العالم، والتي سجلت خلال العام الماضي أكثر من مليون حركة جوية مدعومة بأنظمة وخدمات الملاحة الجوية المتقدمة.

وتواصل دولة الإمارات برنامج تحديث خدمات الملاحة الجوية من خلال الاستثمار الكبير في تعزيز البنية التحتية للملاحة الجوية، وتطوير التقنيات والتطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتمكين الكوادر البشرية لمواصلة قيادة عمليات الملاحة الجوية بكفاءة وأمان نحو مستقبل أكثر استدامة وإشراقاً.

الانسجام العالمي

وتقود دولة الإمارات قطاع الملاحة الجوية في منطقة الشرق الأوسط لضمان المواءمة بين الخطط الوطنية والإقليمية وخطة الملاحة الجوية العالمية، دعماً لمنظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) في تحقيق الانسجام العالمي والتنفيذ الفعال لإطار عمل حزم التحسينات لنظم الطيران (ASBU).

ومن أبرز المشاريع الرائدة ضمن هذه الجهود مشروع «المجال الجوي الحر» (FRA)، والذي أطلق منتصف 2023، والمطبق في إقليم الإمارات لمعلومات الطيران (Flight Information Region – FIR) فوق ارتفاع 355 (FL355) ويهدف إلى تعزيز الكفاءة والاستدامة والتنسيق الإقليمي.

حيث يتيح هذا المشروع للطائرات اختيار مساراتها المفضلة بدلاً من الالتزام بالممرات الجوية الثابتة، ما يعزز كفاءة التشغيل ويقلل من زمن الرحلات واستهلاك الوقود والانبعاثات الكربونية.

التكامل السلس

وتم تصميم المشروع بتنسيق وثيق مع مزودي خدمات الملاحة الجوية بالدول المجاورة، ومستخدمي المجال الجوي، والجهات الإقليمية والدولية، لضمان التكامل السلس مع مناطق معلومات الرحلات المحيطة ودعم التشغيل المتوافق على المستوى الإقليمي.

وعلى الرغم من محدودية تطبيق المشروع حالياً على مستويات طيران معينة (FL360 فما فوق)، فقد استفادت أكثر من 400 ألف رحلة من مشروع (المجال الجوي الحر) خلال عام واحد فقط، ما أسفر عن نتائج تشغيلية وبيئية ملموسة تضمنت توفير أكثر من 235.000 ميل بحري في إجمالي مسافة الرحلات، وتوفير أكثر من 11.000 كجم من الوقود في جميع الرحلات التي تستخدم نظام FRA.

كما تم خفض ما يقرب من 35.000 كجم من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO₂)

تعكس هذه النتائج مدى مساهمة مشروع المجال الجوي الحر في تعزيز الاستدامة والكفاءة في إدارة الحركة الجوية، مؤكداً التزام دولة الإمارات بدعم أهداف المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) في الأداء البيئي والتشغيلي على المستوى العالمي.

وعلى الرغم من توفر FRA للتشغيل فقط في الطبقات العليا من المجال الجوي (FL360 وما فوق) تعكس البيانات بوضوح زيادة قوية ومستقرة في الطلب.

وفي الشهر الأول فقط، استخدم 34٪ من إجمالي الرحلات الجوية مستويات (المجال الجوي الحر) وخلال شهرين، ارتفع هذا الرقم بشكل كبير إلى أكثر من 58–60٪، ومنذ ذلك الحين استقر عند حوالي 52–55٪، ما يدل على استمرار الاعتماد والثقة في عمليات المجال الجوي الحر، من قبل مستخدمي المجال الجوي.

هذا الارتفاع السريع رغم محدودية التطبيق يوضح الطلب التشغيلي الكبير على المسارات المرنة ونجاح استراتيجية التنفيذ. كما يبرز الإمكانات الكبيرة لتحقيق فوائد إضافية مع توفير مزيد من المساحات الجوية في المراحل المقبلة.

سلامة وكفاءة

ويعد مشروع المجال الجوي الحر، جزءاً من برنامج أوسع للتحديث والتطوير بما يعزز سلامة وكفاءة المجال الجوي. وتشمل تطوير الأنظمة الداعمة: الملاحة القائمة على الأداء (PBN)، وإدارة تدفق حركة الطيران (ATFM) إضافة إلى أدوات مراقبة متقدمة ودعم اتخاذ القرار، حيث تعمل هذه القدرات مجتمعة على توفير رؤية فورية، وتحسين استخدام المجال الجوي، ودعم إدارة حركة أكثر أماناً وديناميكية.

نموذج إقليمي

ويقدم مشروع المجال الجوي الحر في دولة الإمارات نموذجاً لتخطيط المستقبل في المنطقة. فهو يوضح كيف يمكن لتصميم المجال الجوي المرن والمستند إلى البيانات تحسين القدرة الاستيعابية، وتقليل الأثر البيئي، ورفع معايير الخدمة، مع الحفاظ على السلامة التشغيلية والمرونة. مشروع المجال الجوي الحر ليس مجرد إنجاز تشغيلي، بل هو تأسيس لمستقبل إدارة المجال الجوي المتكامل والمستدام والتعاوني.