نشرت الجريدة الرسمية «أم القرى» قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نظام نزع ملكية العقارات للمصلحة العامة ووضع اليد المؤقت على العقارات، وذلك في جلسة ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حيث جاء القرار بعد سلسلة من المراجعات القانونية والتنظيمية الواسعة التي شملت أنظمة سابقة ومحاضر وتوصيات من جهات متعددة.
إقرأ ايضاً:
نادي الاتحاد يرد على موجة اتهامات غامضة.. وهذه أول خطوة رسمية لحماية منسوبيه!”أمانة الرياض” تطلق مشروعاً يحوّل وجه العاصمة.. هل حيّك من ضمن المناطق المشمولة؟
النظام الجديد يهدف إلى تنظيم إجراءات نزع الملكية بما يحقق التوازن بين متطلبات المصلحة العامة وحقوق الأفراد، ويؤكد أن نزع الملكية لا يتم إلا وفق تعويض عادل، كما شدد على أن الإجراء لا يُتخذ إلا في حال عدم توفر أراضٍ مملوكة للدولة تحقق الغرض المطلوب.
وقد تضمن القرار أحكاماً خاصة بربط تكاليف استهلاك خدمات الكهرباء والمياه بشاغلي العقارات وليس بمالكيها، على أن يتم ذلك خلال عام واحد من تاريخ صدور النظام، مع إتاحة إمكانية التمديد بقرار من مجلس الوزراء، وهو ما يعكس توجهاً نحو تنظيم أفضل لعلاقة المستفيدين بخدمات المرافق العامة.
كما نصت الموافقة على أن يتم التعامل مع فواتير استهلاك الكهرباء والمياه للعقارات المنزوعة ملكيتها وفق آلية سبق إقرارها ضمن مشروع تطوير الدرعية، بما يضمن وضوح الإجراءات وتوحيدها على مختلف المشاريع التطويرية.
النظام يحدد مفهوم المصلحة العامة على نحو شامل، حيث يشمل تطوير مرافق الحرمين الشريفين، ومشاريع الطرق والنقل، والتخطيط العمراني، إضافة إلى مشروعات الطاقة والمياه والصرف الصحي والاتصالات، فضلاً عن حماية البيئة والمحميات والتراث الوطني، وحتى إقامة المنشآت العسكرية والأمنية.
ولحماية حقوق الملاك، نص النظام على أن يكون التعويض بناءً على القيمة السوقية للعقار، مع إضافة نسبة 20% تعويضاً عن نزع الملكية، وكذلك التعويض عن أي أضرار ناتجة عن العملية، أما في حال وضع اليد المؤقت، فيُحتسب التعويض على أساس أجرة المثل مضافاً إليها 20% أيضاً.
ألزم النظام الجهة صاحبة المشروع بتقديم طلب رسمي للهيئة العامة لعقارات الدولة، يتضمن المخططات الهندسية والرفع المساحي وتكاليف المشروع والبرنامج الزمني، إضافة إلى دراسة عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بما يضمن شفافية الإجراءات قبل البدء في التنفيذ.
وتتولى لجنة متخصصة داخل الهيئة، تضم ممثلين من وزارات وجهات حكومية متعددة، دراسة الطلبات والتأكد من تحقق المصلحة العامة، والتثبت من وجود الاعتمادات المالية اللازمة، وعدم وجود عقارات حكومية بديلة، مع تقييم الآثار المترتبة على القرار.
وتُصدر الهيئة قراراً بالبدء في إجراءات نزع الملكية خلال 60 يوماً من تقديم الطلب، فيما لا يُسمح بإصدار القرار إلا بعد التأكد من توافر التمويل أو الأراضي البديلة، وهو ما يعزز الحوكمة المالية والإدارية في تنفيذ المشاريع.
ألزم النظام الجهة المنفذة بنشر قرار نزع الملكية في الجريدة الرسمية وصحيفة محلية بالمنطقة المعنية، إضافة إلى المنصات الإلكترونية، مع إخطار الملاك رسمياً، على أن يعد مرور 30 يوماً من النشر في الجريدة الرسمية بمثابة تبليغ قانوني لمن تعذر إبلاغه.
كما نص على ضرورة تقديم ملاك العقارات المقرر نزعها مستندات الملكية خلال فترة لا تقل عن 15 يوماً، تمهيداً لحصر المشتملات غير المنقولة وتوثيقها بشكل فني عبر تقارير ورسوم وصور، بما يضمن عدم ضياع أي حقوق مادية أو قانونية.
وخول النظام الجهة صاحبة المشروع دخول العقارات لإجراء عمليات الحصر بمشاركة الملاك أو ممثليهم، وفي حال تعذر ذلك يتم تشكيل لجنة خاصة تضم ممثلين من الإمارة ووزارة الداخلية لضمان سير العمل، وهو ما يعكس حرص المشرّع على العدالة والشفافية.
كما أتاح للجهات التنفيذية الاستعانة بالجهات ذات العلاقة للتحقق من مستندات الملكية واستيفاء المتطلبات النظامية، على أن تحال جميع التقارير إلى الهيئة خلال مدة لا تتجاوز 60 يوماً من نشر القرار.
وبالنسبة لتقييم العقارات، أوجب النظام أن يتم عبر ثلاثة مقيمين معتمدين، لضمان دقة التقدير وحياديته، مع اعتماد المعايير والأدلة الصادرة عن الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، وهو ما يعزز الثقة في عملية التقييم.
ويمنح النظام المتضررين حق الحصول على تعويض عن الأضرار الناشئة سواء من نزع الملكية الدائم أو من وضع اليد المؤقت، بما في ذلك الخسائر المادية الناتجة عن تعطيل النشاط أو فقدان المنفعة خلال الفترة المحددة.
القرار يعكس رؤية المملكة في تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية المتسارعة وحماية الحقوق الفردية، خصوصاً في ظل المشاريع العملاقة التي تشهدها الرياض ومكة المكرمة والمناطق الأخرى ضمن مستهدفات رؤية 2030.
كما أنه يرسخ مبدأ العدالة من خلال التعويض العادل والشفافية في الإجراءات، ويمنح الثقة للمواطنين والمستثمرين في أن حقوقهم مصونة حتى في حال اقتضت المصلحة العامة استخدام ممتلكاتهم الخاصة.
النظام الجديد يأتي في وقت تشهد فيه المملكة طفرة تطويرية شاملة في البنى التحتية، حيث يشكل خطوة محورية لضمان استدامة التنمية مع المحافظة على العدالة الاجتماعية، مما يعزز مناخ الاستثمار ويواكب المعايير الدولية في إدارة الملكيات العقارية.
بهذا، فإن الموافقة على النظام تمثل نقلة نوعية في الإطار التشريعي والتنظيمي للعقارات بالمملكة، وتضع أسساً متينة لإدارة الموارد العقارية بما يضمن تحقيق المصلحة العامة وحماية الحقوق الخاصة في آن واحد.
