على مدى سنوات طويلة، شكّلت “الكدادة” مشهدًا يوميًا مألوفًا في شوارع المملكة العربية السعودية، خصوصًا في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، إضافةً إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث ترتفع وتيرة النشاط مع مواسم الحج والعمرة. لم تكن هذه الظاهرة مجرد وسيلة غير رسمية للنقل، بل مثلت اقتصادًا موازيًا اعتمد عليه آلاف المواطنين والوافدين كمصدر رزق ثابت أو دخل إضافي.

لكن مع دخول نظام النقل البري الجديد حيّز التنفيذ في أغسطس 2025، لم تعد “الكدادة” مجرد نشاط عشوائي، بل أصبحت تحديًا اقتصاديًا وأمنيًا تعمل الدولة على إنهائه.

إقرأ ايضاً:

ديربي الرياض يشتعل.. كيف تتابع مباراة النصر والرياض والقنوات الناقلة؟أزمة في صفوف النصر قبل مباراة الرياض بدوري روشن.. مفاجآت بالجملة

اقتصاد موازٍ خارج الرقابة

تشير التقديرات إلى أن العاملين في هذا المجال يتراوح عددهم بين 70 ألفًا و100 ألف شخص، يشكل الوافدون نحو 55% منهم، بينما يشارك السعوديون بنسبة كبيرة خاصة في مواسم الحج والعمرة. يدخل في هذه المهنة طلاب، موظفون، وأطباء وحتى متقاعدون، يستغلون مرونة العمل للحصول على دخل إضافي.

المثير أن حجم الأموال المتداولة في سوق “الكدادة” غير النظامي يصل إلى نحو 15 مليون ريال يوميًا، أي ما يقارب 450 مليون ريال شهريًا، بما يعادل 5.4 مليار ريال سنويًا. هذه الأرقام الضخمة تمثل خسارة مباشرة على خزينة الدولة وتحرم الشركات المرخصة من فرص استثمارية هامة.

تحديات موسمية وأبعاد اجتماعية

في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تتحول الظاهرة إلى نشاط موسمي مرتبط بخدمة ضيوف الرحمن. كثير من أبناء هاتين المدينتين يشاركون في النقل خلال مواسم الحج والعمرة بعقود غير رسمية مع مؤسسات الطوافة، ما يضيف بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا للظاهرة. لكن طبيعة التعاملات النقدية المباشرة تجعل من المستحيل تقريبًا تتبع حجم المعاملات أو فرض رقابة فعالة.

النظام الجديد والعقوبات المشددة

أعلنت الهيئة العامة للنقل أن العقوبات على المخالفين قد تصل إلى غرامة 20 ألف ريال مع حجز المركبة لمدة شهرين، إضافةً إلى إمكانية بيع المركبة أو ترحيل الوافدين غير النظاميين. هذه الخطوة تعكس توجهًا استراتيجيًا لتحويل قطاع النقل من فوضى غير منظمة إلى سوق جاذبة للاستثمار وآمنة للمستهلك.

حلول مقترحة واستلهام التجارب العالمية

التجارب الدولية أثبتت أن القضاء التام على النقل غير النظامي أمر صعب، لكن يمكن تحويله إلى نموذج ناجح عبر دمج العاملين في منظومات رسمية. مثلما فعلت شركات النقل التشاركي “أوبر” و”جراب” في الولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا.
ولهذا، فإن الحل في السعودية لا يقتصر على فرض العقوبات فقط، بل يتطلب برامج تأهيل مبسطة، تصاريح مؤقتة في المواسم، أو عقود رسمية مع شركات النقل المرخصة.