كشفت مجلة “نيولاينز” الأمريكية النقاب عن ازدواجية المعايير التي تطبع موسم الجوائز في هوليوود، حيث يتحوّل مجرد ذكر فلسطين إلى فعل مقاومة يُقابل بردود فعل مبالغ فيها تكشف مدى هشاشة الخطاب الليبرالي وصمت المؤسسة الفنية أمام واقع الاحتلال والتمييز العنصري.

وأوضحت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، أن كلمة واحدة كانت كفيلة بإثارة الضجة في القاعة في حفل توزيع جوائز الإيمي لهذا العام، وهذه الكلمة كانت “فلسطين”، فقد أدرجت الممثلة هانا أينبيندر عبارة “الحرية لفلسطين” في كلمتها عقب استلام الجائزة، وسط أجواء احتفالية، لتصطدم بكلمة واحدة بجدار الصمت الذي تبنيه هوليوود حول القضية الفلسطينية.

وأشارت المجلة إلى أن أينبيندر، التي فازت بجائزة أفضل ممثلة مساعدة في مسلسل كوميدي، واجهت سؤالًا في غرفة الصحافة حول سبب ذكرها لفلسطين، فردّت بأنها، كيهودية، تشعر بمسؤولية أخلاقية لفصل اليهودية عن دولة الاحتلال الاإسرائيلي، في موقف ينسجم مع تصريحات ممثلين يهود آخرين مثل ناتالي بورتمان، وأكدت أن اضطرارها لتوضيح ذلك في ليلة مخصصة للاحتفال يكشف ضيق المساحة التي تمنحها هوليوود لفلسطين.

اظهار أخبار متعلقة

وأفادت المجلة بأن الصناعة السينمائية لطالما تباهت بضميرها عندما يكون المناخ آمنًا، مثلما حدث بشأن فيتنام في السبعينيات، والتغير المناخي في الألفينات، وحركة #أنا_أيضًا في العقد الماضي. أما فلسطين، فلم تُمنح يومًا هذا الهامش؛ فمجرد ذكرها أو ارتداء شارة باسمها أو قول الكلمة علنًا يضمن رد فعل مبالغًا فيه.

وبدأ هذا النمط عام 1978، حين أنتجت فانيسا ريدغريف فيلمًا وثائقيًا بعنوان “الفلسطيني”، فواجهت هجومًا فوريًا من جماعات ضغط، وأُحرقت دميتها أمام حفل الأوسكار. وبعد أشهر، انفجرت قنبلة أمام دار عرض في لوس أنجلوس كانت تستعد لعرض الفيلم. وفي الليلة ذاتها، تسلّمت ريدغريف جائزتها عن فيلم “جوليا”؛ حيث أدانت من على المسرح من وصفتهم بـ”البلطجية الصهاينة” الذين حاولوا إسكاتها. وسرعان ما تحوّلت لحظة التحدي إلى مادة للسخرية، إذ بثّ برنامج “ساترداي نايت لايف” فقرة ساخرة عنها، شاركت فيها لاراين نيومان، والدة أينبيندر.

اظهار أخبار متعلقة

وأشارت المجلة إلى أن هذا الربط لا يعد مجرد صلة نسب، بل يعكس نمطا متكررا يتحول فيه الغضب الأخلاقي سريعا إلى تهكم، وتفرغ فيه الجدية من معناها عبر السخرية. ورغم أن ريدغريف واصلت مسيرتها الفنية، فإنها تجاوزت بذلك خطًا غير معلن.

وفي عام 2005، رُشّح فيلم “الجنة الآن” لجائزة أفضل فيلم أجنبي، لكن مجرد تصنيفه كفيلم فلسطيني أثار جدلا، إذ ضغطت جهات إسرائيلية لتغيير التسمية، فتحول النقاش من فني إلى سياسي.

وعادت فلسطين إلى الواجهة عام 2024، داخل خيمة جوائز “سبيريت” في سانتا مونيكا حيث قاطع نشطاء الحفل بهتافات تطالب بوقف إطلاق النار، بعد أربعة أشهر من الهجوم الإسرائيلي على غزة، ومع أن الحدث يقدّم نفسه كمساحة للحرية الفنية، جرى التعامل مع الصوت الفلسطيني باعتباره إزعاجا لا تضامنا.

وفي الموسم ذاته، فاز فيلم “لا أرض أخرى” بجائزة أفضل فيلم وثائقي في الأوسكار، وتحدث مخرجاه باسل عدرا وحمدان بلال عن القصف والتهجير، فردّت حكومة الاحتلال الإسرائيلية بإدانة الأكاديمية لسماحها بما وصفته بـ”رسالة مسيّسة”، وتساءلت الصحف عمّا إذا كان المخرجان قد تجاوزا الحدود، رغم أن هذه الحدود لم يتم تحديدها أبدًا، وهذه هي النقطة الجوهرية.

وقالت المجلة إن بلال تعرّض لاحقا للضرب على يد مستوطنين، وقتل أحد الشخصيات المركزية في الفيلم. على خلفية ذلك، أصدرت الأكاديمية بيانًا غامضًا يدين العنف ضد الفنانين، ولم تذكر اسم بلال إلا بعد موجة من الانتقادات.

اظهار أخبار متعلقة

وأوضحت المجلة أن التباين كان صارخا بين الاعتراف الرمزي من هوليوود والواقع الدموي في القرى التي وثقها الفيلم، فمجرد ذكر فلسطين، حتى في لحظة انتصار، يُعامل دائمًا كخرق. ويكتسب هذا الخرق أهميته على منصات الجوائز، حيث يُفترض أن تبقى السياسة خارج الأضواء.

وأضافت المجلة أن جوائز الأوسكار والإيمي والغولدن غلوب لا تكتفي بعكس الثقافة، بل تُسهم في إدارتها أيضًا، حيث لا يجري استيعاب القضايا إلا إذا عززت صورة هوليوود كمنبر للفضيلة. وأشارت إلى أن أزمة دارفور، مثلًا، تحولت في منتصف الألفينات إلى حملة توعية عبر أساور وشعارات رمزية لا تُكلّف شيئًا، كإيماءات تؤكد ولاء الصناعة لصورتها من دون تهديد بنيتها، متسائلة: لماذا يصبح الوعي مستفزًا حين تكون الكلمة هي “فلسطين”؟

أكدت المجلة أن فلسطين ليست كغيرها؛ فالتعبير عن الحزن على دارفور يمكن أن يمر دون زعزعة النظام القائم، بينما مجرد ذكر فلسطين يعني الاصطدام بالمنظومة التي تحدد أي الأرواح يُعترف بها وأيها يُتجاهل.

وأوضحت المجلة أن فلسطين تكشف أن هروب هوليوود يقوم على الإنكار؛ فالاعتراف يهدم خرافة الحياد والوهم بأن الفن “فوق الإمبراطورية”، وعندما يذكر الفنانون الحصار تنفجر الفقاعة ويُجبر الجمهور على رؤية التناقض بين الأزياء الفاخرة والمدن المقصوفة، بينما يواجه من يتحدث أشد العقاب.

اظهار أخبار متعلقة

وأشارت المجلة إلى أن ريدغريف قوبلت بالسخرية، أما أينبيندر فتحتمي بالكوميديا والإرث العائلي، بينما واجه خافيير بارديم وبينيلوبي كروز انتقادات لتوقيعهما على رسالة تدين الهجوم الإسرائيلي على غزة، لكن نجوميتهما حمت مسيرتهما. في المقابل، تعرّضت رايتشل زيغلر، الفائزة بالغولدن غلوب وبطلة فيلم “سنو وايت”، للمضايقات والتهديدات بعد دعمها لفلسطين. وإذا كان ذلك محفوفًا بالمخاطر لشخص بمكانتها، فإن الخطر أشد لمن لا يملك الحماية؛ حيث تختفى فرص العمل بسبب تغريدة على إكس.

واختتمت المجلة بالإشارة إلى أن حفلات توزيع الجوائز مصممة لاحتواء العروض، لكن فلسطين اخترقت هذا القيد مرارًا وتكرارًا، مع ذلك مجرد ذكر اسمها يتطلب شجاعة تكشف ازدواجية المعايير. فنداء أينبيندر من أجل “فلسطين حرة” أجبر الجميع على سماع ما يُراد إسكاتُه، وقد يزول المشهد لكن الخطر باق.