لم يعد طريق النجومية في العالم العربي مقتصراً على أبواب ومدارج معاهد الفنون المسرحية، ولا على خشبات المسارح العريقة، فقد فرضت منصات التواصل الاجتماعي اليوم واقعاً جديداً ومغايراً، باتت فيه شاشات الهواتف الذكية نقطة الانطلاق في رهان صناعة النجومية التي يتجاوز صداها حدود الفضاء الرقمي إلى شاشات التلفزيون والسينما، في الوقت الذي أسهمت فيه التقنيات التكنولوجية المعاصرة في تقديم تجارب فنية شابة قادرة على تحويل «الترند» إلى بطاقة عبور سلس نحو الاحتراف، مقدمة نموذجاً فريداً لجيل اختار صياغة قصته الخاصة بعيداً عن «السرديات القديمة».

هارب من ظله

لسنوات قريبة، كان أحمد أمين اسماً مجهولاً إلا في أروقة صحافة الأطفال، فقد عمل كاتباً ومحرراً وشارك في كتابة نصوص عدد من مسلسلات الرسوم المتحركة، من بينها «سكر وبنجر»، و«القبطان عزوز»، وغيرهما، لكن الصحافي الذي لطالما خبر «الورق»، قرر في عام 2015 أن يواجه الكاميرا بمقاطع ساخرة مدتها «30 ثانية»، يعلّق من خلالها على تفاصيل الحياة اليومية بلمسة كوميدية ساخرة، لامست الآلاف، ثم الملايين.

وبعد انتشار تجربته على «فيسبوك» و«يوتيوب»، فُتحت أمام أحمد أمين في عام 2016 أبواب برنامج «البلاتوه»، الذي منح موهبته فرصة الانطلاق إلى جمهور أوسع، قبل أن يقدم أدواراً صغيرة في مسلسل «خلصانة بشياكة»، الذي حل فيه ضيف شرف إلى جانب أحمد مكي، وفيلم «الكنز» لمحمد رمضان، وصولاً إلى بطولته الأولى في مسلسل «الوصية» في عام 2018.

من هناك، قاده الطريق إلى العالمية عبر منصة «نتفليكس» في مسلسل «ما وراء الطبيعة»، ليقدم شخصية رفعت إسماعيل بأسلوب نضجت فيه أدواته، وتجاوز حدود الكوميديا إلى الدراما الجادة، ثم في رمضان الماضي، مسلسل «النص» الذي سبقته تجربة مسلسل «الصفارة».

كوميديان «رقمي»

لا يختلف المشهد إلا في بعض التفاصيل بالنسبة للممثل السعودي الشاب إبراهيم الحجاج، الذي لم يكن اسماً معروفاً في الدراما، فقد أنهى دراسته الجامعية في تخصص التسويق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لكنه اختار طريقاً آخر، والتحق في عام 2015 بدورة التمثيل والفنون الأدائية مع الممثل الأميركي كيفين سبيسي، وبدأ ببرنامج «يوتيوبي»، ومن بعدها التحق بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، قبل أن يخوض غمار الكوميديا الارتجالية، ويؤسس مع زميله طلال العنزي «بيت الكوميديا» في المنطقة الشرقية، الذي كان أول نادٍ من نوعه يقدم عروضاً منتظمة، ويصنع قاعدة جماهيرية محلية.

هذا الرصيد الفني «الرقمي» مهّد له دخول الشاشة عبر أعمال مثل «يلا نسوق»، ومسلسل «رشاش»، قبل أن يتحول إلى نجم شباك التذاكر في فيلم «سطار» 2022، وفيلمه الأخير «إسعاف» هذا العام، الذي جسد فيه شخصية «عمر» المسعف، وشارك في العمل نفسه كاتباً ومنتجاً إبداعياً، وفي تحكيم «مسابقة الكوميديا» في عام 2022.

من «التمساح» إلى «الزرافة»

في الضفة الأخرى من المشهد السعودي، اختار إبراهيم الخير الله مساراً أكثر جرأة، فقد بدأ عروض ستاند آب كوميدي عام 2008، ليصبح لاحقاً وجهاً مألوفاً على «يوتيوب» عبر برنامجه الشهير على المنصة «لا يكثر»، قبل أن يبتكر شخصية «التمساح» التي رسّخت حضوره كأيقونة للجيل الرقمي الباحث عن فضاء يعبّر فيه بحرية بعيداً عن التلفزيون الرسمي. هذه الشهرة الرقمية كانت جواز عبور إلى التمثيل، حيث شارك في مسلسلات مثل «بلاني زماني»، وأعمال الكرتون مثل «مسامير»، وصولاً إلى السينما من خلال مشاركته في فيلم «سطار»، لكن النقلة النوعية جاءت مع فيلمه الزرافة (2025)، حيث جمع بين التمثيل والكتابة، مؤكداً أنه لم يعد مجرد «يوتيوبر»، بل فنان شامل يمسك بزمام القصة من الورق إلى الشاشة، بعد أن انتقل من شخصية ساخرة على الإنترنت إلى فنان يشارك في صناعة أفلام تتصدر شباك التذاكر المحلية.

من مذيعة على الإنترنت إلى نجمة فن

من القاهرة، جاءت تجربة مختلفة بعض الشيء، وهي تجربة الممثلة الشابة سلمى أبوضيف، التي بدأت طريقها من عالم الأزياء والإعلام، إذ عملت مذيعة راديو على الإنترنت في عمر لا يتجاوز الـ16، وفي وقت لاحق، اختارت تجربة عارضة الأزياء، لكن حضورها اللافت على منصة «إنستغرام» كان بوابتها الأفضل إلى التمثيل، وذلك بعد أن اطلع عدد كبير من المخرجين على تجربتها، ما منحها فرصة فريدة للمشاركة والبروز. يذكر أن أبوضيف قد شاركت في عام 2017 في مسلسل «حلاوة الدنيا»، و«لا تطفئ الشمس»، ثم في فيلم «شيخ جاكسون» الذي عُرض في عدد من المهرجانات الدولية. كما سجلت الممثلة حضورها من خلال بطولة مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» في رمضان 2024، وصولاً إلى استعدادها حالياً لفيلم سينمائي جديد، إلى جانب أحمد داوود وبسنت شوقي.

تحديات حقيقية

من خلال نجاحات أحمد أمين وإبراهيم الحجاج وإبراهيم الخير الله وسلمى أبوضيف، تتكشف ملامح جيل جديد من الفنانين العرب لم ينتظر الفرص التقليدية، بل صنع مساره بنفسه على فضاءات الرقمي، فمن الكوميديا الارتجالية وحسابات «إنستغرام»، وصولاً إلى برامج «يوتيوب»، يبدو أن الكثير من أسماء هذا الجيل قد نجحت في تحدي الانتقال من «نجومية الترند» إلى الاحتراف الراسخ، ليبقى المعيار دائماً هو الجودة والقدرة على الاستمرار.

• صناعة النجومية صداها يتجاوز حدود الفضاء الرقمي إلى شاشات التلفزيون والسينما.

• تجارب فنية شابة استطاعت تحويل «الترند» إلى بطاقة عبور نحو الاحتراف، مثل أحمد أمين وإبراهيم الحجاج وسلمى أبوضيف.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share

فيسبوك
تويتر
لينكدين
Pin Interest
Whats App