![]()
نساء «ماشطات» فيلم وثائقي تونسي/ لبناني يروي تسلط الرجال بدون مشاهدتهم
بيروت ـ «القدس العربي»: «ماشطات» ليس لقاء مع تقاليد العرس التونسي فحسب، بل هو فيلم يفتح نافذة لقاء مع وجع النساء من تسلط الرجال عليهن، رغم كونهن منتجات، ويحصّلن قوتهن بعرق الجبين، وزيادة. هنّ ثلاث نسوة والدتهن فاطمة وإبنتيها نجاح ووفاء يمتهن إحياء الأعراس ضرباً على الدفوف والطبل، ورقصاً. هنّ من بلدة المهدية في الريف التونسي حيث تعيش النساء ضمن مجتمع محافظ، وتحت سلطة ذكورية مطلقة. نجاح ووفاء معاً لم يُكتب لهما زواجاً ناجحاً.
الأعراس التونسية التي صورتها المخرجة التونسية الفرنسية سونيا بن سلامة عفوية للغاية، وبالتأكيد لم يتم إعدادها مسبقاً كبلاتو تصوير. فكانت الواقعية بكامل شروطها متوفرة في فيلم «ماشطات». بعيداً عن ممارسة المهنة، الأم تُدخّن بشراهة وتحمل همّ بنتيها غير السعيدات في حياتهن. هنّ أسيرات سلطة الرجال ويبحثن عن سبيل للإنفكاك منها، ضمن المتاح.
وإن كان المحور الأساسي لـ«ماشطات» تبيان مفاعيل المجتمع المحافظ على حياة النساء، من خلال السلطات المُطلقة الممنوحة للذكور، فالمفارقة الأولى في هذا الفيلم أن السلطة موجودة، لكن المتسلط مقصي عن الصورة. والمفارقة الإيجابية الثانية أن الماشطات نجاح ووفاء قررن في لحظة عمل وانسجام كسر المحظور، عزفن ورقصن حتى الثمالة وصولاً إلى المحرّم، الوقوع أرضاً من نشوة الرقص.
سونيا بن سلامة في «ماشطات» صورت سلوكاً متوارثاً من تسلط الرجال على النساء في المجتمع الريفي التونسي. حالة تتماثل معها العديد من المجتمعات العربية، ليس في الريف وحده بل كذلك في المدن.
«ماشطات» فيلم انساني لا يعني نساء تونس فقط، بل كافة النساء العرب والعالم الخاضعات لأحكام المجتمع وتسلط الذكور. فالوجع هو الوجع أينما كان لا لغة خاصة به ولا مفردات. هذا الفيلم عرض في مهرجان شاشات الواقع الذي تنظمه جمعية متروبوليس. وبدءاً من 22 الجاري سيكون متاحاً للجمهور في صالتها. مع منتجة «ماشطات» اللبنانية تانيا الخوري التي أسست سنة 2017 شركة «خمسين فيلم» هذا الحوار:
○ سطوة ذكورية مطلقة رغم غياب الرجل في فيلم «ماشطات»؟ أين هو؟
• نجحت الماشطات بتجسيد حضور السلطة الذكورية بدون وجود الرجل. في سيناريو الفيلم أو نصه لم يكن وارداً غياب الرجل، ولا حتى خلال التصوير. حضر الرجال في عدد من المشاهد، كما زوج وفاء، وأبناء نجاح وإخوتها. خلال المونتاج وبالتدريج اكتشفنا بأن حضور هؤلاء الرجال في الصورة بادٍ من خارج سياق القصة، وخارج سياق ما تعبّر عنه النساء في الفيلم، وبتعبير أدق بدا حضور الرجال وكأنه ذبذبة على المشاهد. وكان الرأي بإلغاء وجودهم نهائياً، إنما خلال المونتاج قمنا بجهود كبيرة لإظهار صوت الرجال عبر الهاتف. فعدم وجود الرجال زاد الأعباء على النساء بطلات الفيلم، وكذلك على المُشاهد كي يشعر بوجودهم.
○ مشهد الذروة تمثّل بحال النشوة التي بلغتها بطلتا الفيلم رقصاً. كان طويلاً فبأي قصد؟
• تكمن أهمية مشهد بلوغ الماشطات حال النشوة، بتحدي الأعراف والتقاليد التي تصنّفه خاصية للرجال دون النساء. وكذلك يُحظّر عليهن الرقص أمام الرجال، وقد فعلن ذلك. إنها حالة عصيان على التقاليد، ومحاولة لفرض الذات داخل مجتمعهنّ. لقد كسرنَ المحرّم.
○ هل تنتمي المخرجة التونسية إلى منطقة المهدية حيث أحداث الفيلم؟
• والدها من قرية في المهدية، وهو محيط محافظ جداً. والدتها فرنسية. أمضت طفولتها في قرية والدها، وتعرف الحالة الاجتماعية للسكان جيداً. تعرّفت إلى الماشطات خلال تصوير عرس ابنة عمها. ومشاهدتها لهنّ أشعرتها بمدى اختلافهن عن باقي النساء في مجتمعهنّ، ومدى قوتهنّ، رغم كونهنّ في مجتمع ذكوري ضاغط. وهذا ما دفع سونيا بن سلامة لمزيد من التلاقي مع الماشطات لمعرفتهن عن كثب وعن قرب.
○ هل كان لأي من بطلات ماشطات حضور سابق في السينما؟
• مطلقاً، واقناعهنّ بالسير في المشروع استغرق وقتاً، حتى أنهن لم يدركن معنى طلب المخرجة منهن بأنها تريد تصويرهنّ. وسألنها «ماذا يعني تريدين تصورينا»؟.
○ مشهد قبول وفاء بتزويج ابنتها الطفلة لرجل أربعيني حزين. المظلومة تمارس الظلم على غيرها؟
• الحمدلله بأن الزواج لم يتم. وفاء لا تعرف أكثر مما قامت به. هذا هو المتاح ضمن الموقع الذي تعيشه. الموقف الإيجابي صدر من والدة وفاء وشقيقتها نجاح برفض هذا الزواج وإفشاله، فوعت الأم فداحة فعلتها. أذكر أن المنتجات الفرنسيات المشاركات في إنتاج الفيلم، لم يفهمن معنى قبول وفاء بتعنيف زوجها لها جسدياً، ولا حتى قبولها بتزويج ابنتها الصغيرة لرجل يكبرها بكثير. فكنت دائماً على استعداد لتفسير الوضع. كعربيات ندرك موقع وفاء والمتاح لها قبولا ورفضاً ضمن بيئتها المحافظة جداً.
○ واقعية الفيلم وعفويته أشعرني وكأني الجاهلة بالتصوير قد قمت بالمهمة؟ هل هذا يعني أن تصويره وإعداده كان سهلاً؟
• مشجع احساسك هذا حيال الفيلم. بالعكس لم يكن تصويره سهلاً مطلقاً. امتدّ التصوير لسنوات حتى وإن بدت الماشطات هنّ ذاتهنّ. بدأ التصوير قبل الجائحة، وأكملنا بعدها، أي من سنة 2019 إلى سنة 2021.
○ ماذا قال لك عرض الفيلم في لبنان؟
• مفرح أن يكون ضمن مهرجان شاشات الواقع الذي تقدمه جمعية متروبوليس، خاصة وأنه إنتاج لبناني من توقيع الشركة التي أملكها «خمسين فيلم». وشارك في الفيلم مجموعة من اللبنانيين المحترفين كما رنا عيد ولما صوايا وآخرين. كذلك مفرح عرضه لجمهور أوسع من المهرجان بدءاً من 22 أيلول/سبتمبر في متروبوليس. جيد أن تصل أفلام مماثلة للمجتمع برمته في بلداننا العربية.
○ ماذا عن ردة الفعل لعرض ماشطات في مهرجان الجونة؟
• عُرض في أكثر من مهرجان ونال جوائز. وفي مهرجان الجونة نال جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي، وحظي بتقدير عالٍ.
○ صورة الفيلم تشبه بحدود كبيرة حياة أهل الصعيد في مصر؟
• أوافقك الرأي. عُرض الفيلم في المهرجان، ومن ثم في زاوية في القاهرة. واختياره مع أفلام أخرى ليُعرض في زاوية أتى في سياق هذا الشبه في القضايا والبيئة بين كل من تونس ومصر. آسف لأننا نعجز عن إيصال هذه الأفلام المستقلّة إلى جمهور يتخطى المهرجانات، ورواد السينما.
○ وهل من سبيل لكسر هذا الحصار على هذا النوع من الأفلام؟
• بالتأكيد هناك جهات تسعى لعرض هذه الأفلام في المدن الصغيرة، كسعي متروبوليس لعروض خارج مقرها في مار مخايل. وبدورنا نسعى لعرض ماشطات في صالات صغيرة خارج العاصمة بيروت، ولجمهور لم يعتد حضور أفلام مماثلة.
○ سريعاً بدأت عملاً جديداً مع المخرجة سونيا بن سلامة. ماذا عنه؟
• كشركة «خمسين فيلم» للإنتاج السينمائي نعمل على فيلمين أحدهما في الولايات المتحدة الأمريكية ما نزال نواصل كتابته، وآخر مع سونيا بن سلامة، حيث تصور فيلما بطلته نجاح «إحدى الماشطات». نجاح تعمل الآن في مقهى، وقررت المخرجة متابعتها وتصوير يومياتها. الفيلم لا يزال في بداياته، ونفكر معاً في مساره، خاصة وأن نجاح تزوّجت مجدداً.
○ في سيرتك الذاتية تحصيل علمي باهي كما يقال بالتونسية. كيف يتم توظيفه في الأهداف التي ترغبين بلوغها في السينما؟
• أخجلتيني. يمكنني القول بأني على الأرض أتابع عملي يوماً بيوم. عملي في الإنتاج جاء من دون تخطيط مسبق، خاصة وأننا في لبنان لا نعرف ماذا يعني الإنتاج. وهكذا تعلمت كل ما يلزم الإنتاج وأنا أصنعه.
○ بالمناسبة ما هو تعريفك للإنتاج؟
• عملت في كافة المهمات التي يحتاجها الفيلم من صوت وإخراج ومونتاج وغيره. وشعرت بأن أياً من تلك المهمات لم تحمسني كفاية، فقط وجدت نفسي أكثر في مساعدة المخرجين على صناعة أفلامهم من الألف إلى الياء، وهكذا علمت بأنه يُسمى الإنتاج. اختصاراً الإنتاج هو مساعدة أحدهم يملك فكرة نشاركه الإيمان بها، وتالياً نحملها كلياً إلى جانبه، ونساعده بأفضل طريقة ممكنة لتحقيقها.
○ كان الإخراج هدفك الأول فهل ألغاه الإنتاج كلياً؟
• أخرجت فيلمين فقط وسريعاً انتبهت أن الإخراج ليس لي.
○ هل لهوية الفيلم وصانعه دور في اختيار المنتج؟
• بدون أدنى شك، وماشطات أبرز مثال. سبقتني إلى هذا الفيلم منتجات فرنسيات. كان في حسابهن إنتاجه وبيعه للتلفزيون و«خلصت القصة». بوجودي معهنّ أقنعتهن بأنه فيلم سينمائي وثائقي ومن الضروري أن ينال ما يستحقه من اهتمام. بعد صراع قدمنا الفيلم الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي، وفي غيره من المهرجانات في مختلف أرجاء العالم.
○ هل للسينما دور في إقامة تواصل بين الشعوب العربية بخلاف ما تفعله السياسة؟
• أكيد. فيلم ماشطات إنتاج لبناني/ تونسي. وهناك العديد من الأفلام التي تنتج بشراكات عربية متعددة. وبالتالي عرض تلك الأفلام في دول الإنتاج له فعالية التقارب بين الشعوب، وذلك بغض النظر عن السياسة التي قد تفعل العكس. إنه جانب جميل في السينما.
○ ما هو جديدك المقبل على صعيد الإنتاج؟
• كشركة إنتاج لبنانية «خمسين فيلم» نعمل على تطوير فيلم وثائقي لبلال الخطيب، وهو مخرج شاب من فلسطين. وبدأنا التحضير لتصوير الفيلم المقبل لغسان سلهب مع بداية العام المقبل. إلى تصوير الفيلم الروائي الأول للمخرج اللبناني الشاب حسين ابراهيم. وكشركة إنتاج فرنسية les films de l’altai نعمل على تصوير فيلم روائي طويل في تركيا للمخرج التركي أحمد نجدت كوبور.
○ إلى جانب السينما درست أيضاً في لبنان علم النفس. ما هو دوره في المهنة التي اخترتها؟
• «يفيدني شخصياً كمعلومات وطريقة تفكير. للأسف لم يكن متاحاً لي متابعة العمل في السينما وعلم النفس معاً، فكان عليَ الاختيار بينهما، وكنت أكثر شغفاً بالسينما.
