سعد عبد الراضي

للمرأة حضور قوي في الرواية الإماراتية والعربية، ليس فقط لأنها تشكّل نصف المجتمعات، ولكن لدورها الكبير وتداخلات حضورها في الخصائص الحياتية، ولكونها صوتاً فاعلاً ورمزاً متعدد الدلالات. فهي ليست مجرد شخصية سردية ضمن شخصيات العمل الإبداعي، بل ذاكرة نابضة ومرآة للهوية بكافة أبعادها وتحولات المجتمع. وإذا كان مبدعو ومبدعات الرواية الإماراتية قد جسّدوا المرأة في صور الطفلة والأم والجدة، فإن الرواية العربية بشكل عام اتسعت لتمنحها أبعاداً رمزية رحبة.
في هذا الاستطلاع نستكشف شهادات المبدعين والمبدعات المرتبطين بالجانب الروائي، لنرى رمزية المرأة في الرواية الإماراتية وتقاطعها مع رمزيتها في الروايات العربية عموماً، حيث بدا من خلال الأعمال المرصودة قديماً وحديثاً أن المرأة في الرواية الإماراتية والعربية ليست مجرد شخصية يُحكى عنها وتُسرد بين السطور، بل أيقونة تحمل روح الذاكرة وعمق الهوية، وتطرح إجابات الماضي وأسئلة الحاضر والمستقبل.

في البداية، يقول الروائي علي أبو الريش: «المرأة في الرواية كالشمس في الكون، فهي المحور، وهي الجوهر، وهي الخيط الممدود من الميلاد حتى الوفاة. فلا يمكن أن نتصور رواية لا تقوم ثيمتها الأساسية على الأنثى، فكيف نتصور عالماً يخلو من لون الفراشة؟، كما كيف نتصور رواية من دون بريق عيني المرأة؟، وكيف نتخيل عالماً من دون عطر الوردة؟، كما كيف نتخيل رواية من دون نسمات امرأة تحرّك الشخوص وتلعب بتفاصيل الزمان، وتمارس أسطورة التأصيل في المكان؟».
ويضيف: «فإذا كانت الرواية بنت الخرافة، والخرافة وليدة الفلسفة، فإن المرأة هي صانعة الحكاية الأولى في أذهاننا، عندما كانت تهدهدنا ونحن في مهد الطفولة، ونحن في بداية النظر إلى السماء المرصعة بالنجوم وتقول لنا هذه المرأة، إن النجوم أبناء السماء، كما أنتم أبنائي. والسماء تقول لأبنائها: أطيعوا كلماتي التي هي حبات المسبحة التي أصلّي وأنا أحرّك حباتها. وتقول المرأة لنا: أحبوني لأني أنجبتكم، وهكذا نرى العالم يجوس خيفة من غضب المرأة، مهما ظن أنها الطرف الضعيف. فهي قوية في ضعفها، وهي تكره عندما تحب، وتحب عندما تكره، وفي كلا الحالتين فهي الحبيبة الكارهة، وهي الترنيمة في تلافيف الرواية، وهي السرد الحقيقي في غضون العمل الروائي. ونحن الذين يقودنا السرد الأنثوي نحو غايات الذروة في السرد، ونحو رواية مأزومة بالمرأة كما أنها مفتونة بتفاصيلها، وتضاريسها المأخوذة من هضاب الأرض وجداولها، وعيونها، وأقصى ما في رموشها من حبر الكلمات، وأعلى ما في ثغرها من فتنة التلاقي مع الكلمة. تبدو في البدء كأنها الوهج على صفحات رواية غارقة في أتون السرد، متناغمة مع أحلام الرواية، واهتزاز المثل العليا في خضم التسامي اللغوي على لسان امرأة كتبت روايتها منذ اللقاء الأول بين آدم وحواء، ولم تنفصل عن الشمس، كما أنها لم تتواصل إلا مع الحكاية الأولى حين قال الشيطان كلمته ثم تلاشى وبقيت المرأة في الوجدان تاريخاً مؤدلجاً بالفطرة الزكية، وليس غير ذلك. لذلك نقول: هل يستطيع مدّعٍ كذاب أن يزعم أن المرأة جاءت خارج الرواية؟، فهي ليست في الهوامش بل في الثيمة ذاتها. أحياناً يقال إنها جزء من العمل الروائي وذلك تعاطفاً، وليس إيماناً بأنها الكل الذي لا يتجزأ. وللأسف في شرقنا وغربنا، الكل يرى في المرأة جملة غير معرفية، وذلك ليس صدقاً بقدر ما هو خوف، فالرجل يخاف من المرأة لأنها جاءت قبله في أحشاء الرواية، وبقيت خارجها في العقل الباطن، هذا العقل المخرب الأول لعفوية الحياة، كما أنه المدمر لمضمون الرواية الفني. فلن تكون الرواية فناً بلاغياً وإبداعياً ما لم يتفق العالم على ترسيخ مفهوم الأنثى للرواية، كون كل شيء جوهري في هذه الحياة ينتمي إلى الأنثى بلا منازع ولا مخادع ولا معتدٍ أثيم».

الذاكرة الحيّة
من جانبه، يقول الأديب حارب الظاهري: «تزخر صورة المرأة الإماراتية في الرواية بحضور مهم، ليس لأنها مرآة للهوية الوطنية والاجتماعية فحسب، بل لأنها نواة التشكل ورسالة الحياة، تعبر عنها الجدات والأمهات. الجدات لا يستسلمن بسهولة، فما أقسى تلك الحياة وما أدهشها حين يقمن الفجر يشعلن النار ويضربن الهون، رائحة القهوة بين الممرات الضيقة تمدّ ليوم آخر أكثر صعوبة من قبل».
ويضيف: أن بعض الروايات الإماراتية وثّقت هذه القصص الشعبية، مؤكداً أن هناك الكثير مما لم يُكتب بعد ليجسد حكايات الأجيال.

الهوية والتحولات
بدوره، يرى الروائي سعيد البادي أن المرأة تظل في الرواية، إماراتية كانت أم عربية، مرآة لتحولات المجتمع ويقول: «الرواية الإماراتية تميل إلى إبراز المرأة بوصفها ركيزة الأسرة ووعاء القيم، وأحياناً ساحة الصراع بين الحداثة والعرف. أما في الرواية العربية، فقد اتسعت الرموز لتشمل المرأة المتمردة على الأعراف، العاشقة الثائرة، أو المكلومة التي تجسد جراح الأمة».
ويؤكد البادي أن الخطابين يلتقيان في رمزية الأمومة والحنين والذاكرة، بينما تفترق التجربة الإماراتية باهتمامها بالتفاصيل المحلية، مقابل انفتاح الرواية العربية على أسئلة الحرية والجسد والمصير.

اختلاف البيئات
وتضيء الكاتبة عائشة أحمد، على البعد الثقافي المشترك بقولها: «تحضر المرأة في الرواية الإماراتية كركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية والاجتماعية؛ فهي الأم والجدة، رمز الخصب والصبر الممتد في الصحراء وعلى شواطئ البحر. ولم تعد مجرد شاهدة على التحولات، بل أصبحت فاعلة فيها عبر التعليم والعمل والمجال العام».
وتتابع: «هناك وجه مشترك مع الرواية المصرية أو المغربية أو الشامية، حيث الأمومة والتقاليد، إلى جانب إعادة تعريف الذات. البيئة تختلف، لكن المرأة تبقى حاملة للهوية ووجدان الجماعة».