“مشكال” هو أحد المهرجانات التي ينظمها مسرح المدينة بإدارة مؤسسته الممثلة والمخرجة المسرحية نضال الأشقر. هو منصة مفتوحة للفنانين لعرض أعمالهم وتجاربهم الفنية مع التركيز على دور الشباب في هذه الصناعات وما يريدون قوله والتعبير عنه. يُعرف المهرجان بدعمه للفنانين الشباب وتشجيعهم على الابتكار، ويُسلط الضوء على قضاياهم وهواجسهم وإبداعاتهم .علماً أن كلمة مشكال Kaleidoscope تعني الآلة التي نضعها على عيوننا وتتغير عبرها الألوان في كل مرة، وتظهر بشكل مختلف، وهو نوعاً ما، الهدف من المهرجان ومن الفن بشكل عام. 

تأسس مسرح المدينة عام 1994 على يد نضال الأشقر بُعيد انتهاء الحرب اللبنانية، وكان افتتاحه أولاً في منطقة كليمنصو ، لكنه ما لبث أن انتقل بعد نحو عشر سنوات إلى موقعه الحالي في شارع الحمرا.

thumbnail_1000561215.jpg

بوستر مهرجان “مشكال” (خدمة المهرجان)

وفي حديث أجريناه مع نضال الأشقر حول تأسيس مسرح المدينة وخصائصه وأهدافه التي أرادتها له، تقول: “أسستُ مسرح المدينة منذ 32 سنة، أي منذ ما يربو على أكثر من ربع قرن. وهو مسرح خاص غير تجاري وغير نخبوي ولا يتوخى الربح. لم تكن التذاكر يوماً غالية أو موضوعة بهدف ربح مادي شخصي. بعد الحرب الأهلية أردتُ أن يكون هذا المسرح أداة تثقيف وتنوير ونشر للمعرفة. فمنذ البداية كنت أعلم أن الصغار الذين ولدوا في خلال الحرب اللبنانية والذين باتوا بعد الحرب في عشرينياتهم لم يروا المسرح ولم يعرفوه، وإنما عاشوا على ما قدمه لهم التلفزيون، وهو في أكثر الأحيان، دون المستوى. فجاء هذا المسرح تجسيداً لحلمي بأن أقوم بشيء مفيد لمدينتي ولأهلها”.

وتتحدث الأشقر عن تحديات الواقع وظروف البلد الحالية التي تؤثر على المشهد المسرحي اللبناني وعلى مسرح المدينة بشكل خاص: “عرفنا مرحلة صعبة جداً مؤخراً في لبنان. “مسرح المدينة” كالبلد بأسره في حالة يُرثى لها. حالة لبنان صعبة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، بخاصة والحرب قائمة في الجنوب. إنما الخبر الجميل جداً هو أننا نلنا هذا العام هبة وهي تبرع بـ450 كرسياً للمسرح تقدمة ماريو حداد. فعملنا على إجراء إصلاحات وتجديدات في المسرح. غيرنا الكراسي وحسنّا ما يجب تحسينه ليكون المسرح في أفضل حلة ولنتمكن من استقبال الناس. كثر حاولوا ثنيي عن الإكمال في هذا المشروع، مشروع تجديد المسرح وتحسينه بخاصة في ظل ما يمر به لبنان من ظروف، ولكن مع وصول تبرعات شعرنا أن لا بد من أن نستعيد وهجنا وأن يستعيد المسرح ألقه. فجددنا ما يجب تجديده وحضرنا برنامجاً مميزاً على أمل أن يعجب جمهورنا. مع العلم أننا لم نتوقف يوماً عن العمل في “مسرح المدينة” لخير بيروت وأهلها، وفي هذا العام مثلاً أقمنا محترفات مجانية للأيتام وكان أمراً بديعاً ومفيداً”.

تأسيس “مشكال”

أما عن تاريخ مهرجان “مشكال” وظروف تأسيسه فتقول الأشقر: “تأسس هذا المهرجان منذ 12 سنة، وكان في الأساس فكرة المخرج اللبناني ناجي صوراتي. وجدنا في إقامة هذا المهرجان أمراً مفيداً ومثيراً للاهتمام وشرعنا بتنفيذه. بدأ ناجي صوراتي آنذاك بإقامة المهرجان مع طلابه وعدد من الطلاب الآخرين فنظموا النشاطات والعروض والمحترفات. وكان المهرجان مجانياً، يقدم فيه الطلاب ما يريدونه وما يرغبون في تأديته على الخشبة من دون أن نتدخل. وها هو المهرجان اليوم في سنته الـ 12 يُقام لدعم المواهب الشابة وللاستماع إلى هواجس الشباب وهمومهم. لم نرغب في أن نوقف المهرجان لأننا لم نرد أن يخسر شبابنا فرصة التعبير عن أنفسهم، فقررنا الإكمال على رغم ضيق الأوضاع وسوءها إنما ببطاقات دخول. الأسعار رمزية طبعاً لكنها ضرورية لضمان استمرارية المسرح ولمساعدة المسرحيين الصاعدين”.

1280x960.jpg

نضال الأشقر وفنانون في مسرح المدينة (خدمة المسرح)

يوفر مهرجان “مشكال” مساحة للفنانين من الشباب لعرض أعمالهم والمشاركة في تجارب فنية جديدة ومبدعة. فيحرك لدى الشباب الموهوب الرغبة في الإنتاج والإبداع والتأدية من خلال ورش العمل التي يقدمها في مجالات الفنون المتنوعة. وبحسب نضال الأشقر، لا يتدخل القيمون على مهرجان مشكال في اختيار الأعمال بل يتم ترك الطلاب على سجيتهم ليختاروا بحرية ما يريدون تقديمه، وما يرونه مناسباً وما يشبههم،. وهي الطريقة المثلى لمعرفة هواجس الشباب والأسباب التي تدفعهم لصناعة المسرح. إنها الطريقة المثلى لمعرفة أين أصبح الشباب اللبناني اليوم، وما هي المشكلات التي تستحوذ على تفكيره ومناحي الإبداع لديه. فمن خلال الأعمال المعروضة تظهر سمات الجيل وما يميزه عن الأجيال القديمة السابقة، تظهر همومه والقضايا التي يوليها الاهتمام والشؤون التي يتابعها.

برنامج  2025

ينطلق المهرجان بيومه الأول، الخميس 2 أكتوبر (تشرين الأول) مع قصة شارع الحمرا وقصص مقاهيه وأهلها بعنوان “حكاية شارع الحمرا بعيون فراس خليفة”، مع العلم أن فراس خليفة الذي يعمل على قصص الحمرا وتاريخ هذا الشارع منذ 6 سنوات. تلي هذا العرض الذي سيُقام في قاعة نهى الراضي في المسرح ، مسرحية “المهاجران” للكاتب البولندي سلافومير مروجيك، إعداد وإخراج ريان ناصر،عند الساعة الثامنة.

ثم تكر سبحة العروض، مع “تذكرة من نوع آخر” كتابة وإخراج يوسف خليل وإشراف الدكتور كريم دكروب السبت 4 أكتوبر عند الثامنة مساء، وورشة رقص مع علي شحرور الإثنين 6 أكتوبر عند السادسة مساءً، وهي ورشة مخصصة لمحبي الحركة والرقص، وتقوم على تمارين حركية لتوعية الوعي بالحواس والزمان والمكان. تُعرض الأربعاء 8 أكتوبر مسرحية “الطابور” عند الثامنة مساء، وهي مسرحية معاصرة مكتوبة باللهجة اللبنانية تقدم مجموعة من الناس ينتظرون في صف طويل لا تُعرف له نهاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في اليوم الأخير، الجمعة 10 أكتوبر، فتُعرض مسرحية “بعد ما سميتها” إخراج عماد حمود، وهي تتناول قصة مجد ويحيى، هما عجوزان يستعرضان حياتهما منذ الطفولة مروراً بمختلف المراحل. تجدر الإشارة إلى أن دخول المسرحيات يتم ببطاقات وبأسعار رمزية تُشترى لدى مكتبات أنطوان، بينما ورشة عمل الراقص علي شحرور وعرض فراس خليفة مجانيان، مع ضرورة التسجيل مسبقاً لدى إدارة المسرح.

يتميز “مهرجان مشكال” منذ تأسيسه بطابعه الشبابي والفني، إذ يضم عروضاً ونشاطات تهدف إلى تفعيل انخراط الشباب في مجالات الفنون، ليتحول تلقائياً إلى فسحة للتلاقي السنوي بين طلاب يعرضون أفكارهم ونتاجهم الفني المنوع. وعبرت نضال الأشقر في حديثها إلى “اندبندنت عربية” عن تحديات المجال والصعوبات التي يشهدها مسرح المدينة والمسرح بشكل عام في لبنان نظراً للظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية الصعبة المسيطرة منذ مدة، قائلة: “المهم ألا نتوقف وألا نوقف المسرح ومهرجاناته وأن يستمر الفنانون بإعطاء الأمل لهذا المجتمع. لا بد من أن نكمل في مسيرة الإبداع والعطاء، فباستمرارية الفنان يستمر لبنان. ما نعطيه لبيروت مع غيرنا من القيمين على المعارض والمسارح ودور النشر يمنح بيروت زخمها وألقها. الجميع يتحدى للاستمرار فهذا هو الهدف: البقاء والتألق والاستمرار”. وتكمل متحدثة عن الأيام المقبلة في مسرح المدينة: “برنامجنا هذا العام مهم جداً وغني بالشخصيات المتألقة. لدينا غبريال يمين وندى كنيعو وندى أبو فرحات ولينا أبيض وجومانا حداد وفرقة زقاق وغيرهم. عنوان المرحلة المقبلة هو الثقافة والفنون فهما ما يخلق الفرق بين بيروت وأي مدينة أخرى”.