حسام عبدالنبي (أبوظبي)
أجمعت تقارير لمؤسسات مالية دولية على نظرة مستقبلية إيجابية لاقتصاد الإمارات في ظل تعدد المقومات التي تعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، مؤكدة أن من أهم تلك المقومات نجاح جهود التنويع الاقتصادي في زيادة مساهمة القطاعات والأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والمقومات والمزايا التي ترسخ جاذبية الإمارات الاستثمارية للشركات العالمية، فضلاً عن العلاقات التجارية والشراكات الدولية التي تربط الدولة بدول العالم المختلفة، وتصنيفها ضمن أهم الدول التي تشكّل ملامح مستقبل التجارة العالمية. 

 نمو اقتصادي

ووفقاً لتقرير وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» فإنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بنحو 4.1% في المتوسط في الفترة الممتدة بين عامي 2025 و2027، بدعم أساسي من الأنشطة غير النفطية. وقال التقرير، إن الإمارات شهدت أداءً اقتصادياً قوياً على مدى السنوات الأربع الماضية، وذلك بفضل نمو القطاعين النفطي وغير النفطي والإصلاحات المهمة.

وأشار إلى أن البنوك الإماراتية تحافظ على نسبة قوية لكفاية رأس المال تبلغ 17.3% كما في يونيو 2025، وهو ما يفوق الحد الأدنى المطلوب البالغ 10.5%. وأوضح التقرير أن النمو المتسارع في القروض الاستهلاكية يعكس النشاط الاقتصادي القوي، كما أن الطلب المتزايد على القروض الاستهلاكية، دفع مديونية الأسر إلى الارتفاع على مدى السنوات الثلاث الماضية، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 25.4% في عام 2024 من 20.7% في عام 2022، لافتاً إلى أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات بلغت 48 ألف دولار، مقابل 16 ألف دولار في المتوسط في دول أخرى، بنهاية عام 2024.

 ناتج غير نفطي
ويتوقع تقرير لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW، نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في عام 2025، مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.7%، ليمثل الآن 77% من إجمالي الناتج المحلي. وذكر التقرير، إنه في الوقت الذي يتوقع فيه أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى 2.7% في 2025، إلا أن دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام تحافظ على تفوقها، حيث ارتفعت الصادرات غير النفطية لدولة الإمارات بما يقارب نسبة 45% على أساس سنوي في النصف الأول من العام، مما يؤكد الدور المتنامي للمنطقة على خريطة التجارة العالمية، مشيراً إلى أن الأوضاع المالية في الدول الخليجية تبقى متباينة، إذ من المتوقع أن تسجل ميزانيات السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عُمان عجزاً مالياً، بينما من المتوقع أن تحافظ كل من الإمارات وقطر على فوائضهما المالية.

 محور تجاري
ويصنف تقرير«ستاندرد تشارترد» دولة الإمارات كواحدة من ستة أسواق بارزة عالمياً تشكّل ملامح مستقبل التجارة العالمية ولذا فإن 20% من الشركات العالمية تضع الإمارات في خطط إعادة تصميم سلاسل التوريد لديها، ما يرسّخ مكانة الدولة كمركز تجاري يتمتع بالمرونة والارتباطات الدولية القوية.

وأوضح التقرير الصادر بعنوان «مستقبل التجارة»، أن هذه الشركات العالمية تسعى (عبر الإمارات) للوصول إلى فرص تجارية مع الصين ورابطة آسيان وأفريقيا والولايات المتحدة، وهو ما يعكس الدور المتنامي للدولة كمحور يربط بين أبرز الممرات التجارية العالمية.
وذكر التقرير، أن مكانة دولة الإمارات المتنامية كمركز عالمي للتجارة تأتي انعكاساً مباشراً لرؤية قيادتها الرشيدة في تنويع الاقتصاد وتعزيز المرونة والاستثمار في بنية تحتية عالمية المستوى. وأكد أن هذه الرؤية تضع الدولة في قلب ممرات التجارة المستقبلية، وتستقطب الشركات العالمية، مشيراً إلى أن 50% من الشركات في السعودية ومصر والهند تعتزم توسيع تجارتها واستثماراتها مع الإمارات، ما يؤكد دور الدولة في تعزيز التدفقات التجارية داخل المنطقة وترسيخ ممر (الشرق الأوسط – الهند).
وحسب تقرير «ستاندرد تشارترد» فإن الإمارات تقود تدفقات جديدة تتجاوز القطاعات التقليدية بفضل موقعها الفريد على ممرات تربط المنطقة بالهند والصين وأفريقيا وما بعدها. وقال إن، جاذبية الدولة تتجلى في بنيتها التحتية عالمية المستوى، بما في ذلك تواجد عدد من أكثر الموانئ ازدحاماً على مستوى العالم، إلى جانب مبادرة مشروع 300 مليار التي تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي إلى 300 مليار درهم (81.7 مليار دولار) بحلول عام 2031.

وأضاف أن هذه الجهود تتكامل مع التوسع السريع في قطاع الخدمات المالية والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، مدعومةً بالاستثمار المتزايد في مراكز البيانات وأنظمة الحوسبة السحابية، لافتاً إلى أن هذا التنويع يظهر في الممرات التجارية الإماراتية التي باتت تتجاوز النفط والبتروكيماويات، لتربط الشرق الأوسط بالأسواق العالمية وتدفع تدفقات جديدة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية. 

نظرة إيجابية

ويرى تقرير لشركة «فوركس دوت كوم» أن الاقتصاد الإماراتي يتمتع حالياً بمناخ إيجابي بفضل تراجع حدة التوترات التجارية، واستقرار التضخم، واحتمالات خفض الفائدة، موضحاً أن هذه العوامل مجتمعة قد تدعم استمرار المعنويات الإيجابيّة في الأسهم وتحافظ على قوة الطلب في سوق العقارات.
وقال التقرير، إن شراكات الإمارات المتنوعة، تمنحها مرونة استثنائية في مواجهة الصدمات قصيرة الأجل، حتى في حال تدهور بيئة التجارة العالميّة. وأضاف أن قاعدة الإمارات الاقتصادية المتنوعة، وتوسع قطاعاتها غير النفطية، ومكانتها الاستراتيجية كمركز تجاري عالمي، توفر لها دعائم قوية ضد مثل هذه الاضطرابات. وأشار التقرير إلى أنه في الوقت الذي تطغى فيه التوترات التجارية والتقلبات في القوى على المشهد العالمي، يُظهر استقرار الإمارات فائدة التخطيط على المدى البعيد، والمرونة المرتبطة بالتنوّع، إذ أنه في الوقت الذي تسعى الاقتصادات الأخرى لفهم الصورة بالكامل، تصب الإمارات جهودها في التنفيذ، مختتماً بالتأكيد على أنه في الوقت الراهن، فإن النظرة المستقبلية لاقتصاد الإمارات تبقى إيجابية بناءة، مع تلاقي السياسة النقدية، وزخم القطاعات، والدبلوماسية التجارية العالمية لصالحها.

 تنويع اقتصادي
وأفاد تقرير لشركة «إيتورو» بأنه في ظل سعي صانعي السياسات لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، سجلت الإمارات نمواً متنامياً في القطاع غير النفطي، مدفوعاً بالاستثمارات في السياحة واللوجستيات والتجارة والتجزئة، مؤكداً أن البيانات الصادرة مؤخراً تظهر أن جهود التنويع تؤتي ثمارها بشكل ملموس، مع تعزيز الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، ما يعني أن نجاح الإمارات في بناء اقتصاد أكثر توازناً.
وأوضح التقرير أن القطاع الخاص غير النفطي في دولة الإمارات توسّع في أغسطس 2025، بأسرع وتيرة خلال ستة أشهر، مدفوعًا بنشاط مشاريع قوي وطلب محلي ثابت. وقال إن النصف الأول من عام 2025 شهد قفزة بنسبة 24% في التجارة الخارجية غير النفطية، وهو ما يعكس تأثير استراتيجيات التنويع على الاقتصاد الإماراتي بشكل ملموس، منوهاً بأنه على الرغم من بعض التحديات لا تزال الشركات واثقة بشأن آفاق النمو، مدعومة بالإصلاحات الحكومية، والاستثمار المستمر في الصناعات غير النفطية، والظروف المحلية المستقرة، وبالنسبة للمستثمرين، تقدم الإمارات الآن فرصًا تتجاوز بكثير قطاع الطاقة التقليدي.