كان مفترضاً أن يكون سيباستيان ليكورنو رجل “الفرصة الأخيرة” لإيمانويل ماكرون للحفاظ على رئاسته على المسار الصحيح حتى عام 2027. لكن انتهى به الأمر إلى أن يكون مثالاً على استراتيجية فاشلة.
بغض النظر عما سيحدث في أعقاب استقالته من رئاسة الوزراء يوم الإثنين، تبدو الانتخابات البرلمانية المبكرة الآن السبيل الوحيد للخروج من أزمة سياسية تهدد بالتمدد إلى الساحة الأوروبية.
كان الوضع يبدو هشاً جداً عندما اختار ماكرون ليكورنو ليكون خامس رئيس لوزرائه خلال عامين. في ظل غياب الميزانية والأغلبية البرلمانية، كان أمل ليكورنو يتمثل في إيجاد تنازلات جديدة للحفاظ على اليسار في صفه- مثل التعهد بزيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع وتقليل استخدام مراسيم الطوارئ. ويمثل هذا الأخير نقطة خلاف بين معارضي رفع ماكرون لسن التقاعد عام 2023. يُنظر إلى الأول كوسيلة لحشد دعم أوسع للمهمة غير الشعبية المتمثلة في كبح عجز الموازنة البالغ 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
الذهب يتراجع والدولار يرتفع وسط ضبابية سياسية في واشنطن وباريس
لكن حتى هذا ثبت أنه متفائل جداً في بلد تُحكم فيه الأمور بشكل متزايد من قبل أحزاب المعارضة المتعطشة للفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2027.
ما إن كشف ليكورنو عن تشكيلته الوزارية الكاملة خلال عطلة نهاية الأسبوع، حتى انتهى العرض. كان قراره بمنح حلفاء ماكرون مثل رولان ليسكور وبرونو لومير بعضاً من أكبر الوزارات خطأً فادحاً يُذكرنا بحل الرئيس للبرلمان غطرسةً قبل عام. مع غضب واسع النطاق بات حتى حلفاء ليكورنو الطبيعيين من يمين الوسط مستعدون للاستقالة، فباتت المبادرة للاستقالة خطوة أفضل من الإقالة.
هل فرنسا مقبلة على انتخابات مبكرة ثانية؟
ما يزال ماكرون رسمياً سيد الحفل، ولا يُرجح أن يستقيل. مع ذلك، من يستمع؟ إن سحب ورقة فرصة أخيرة أخرى من القبعة لتشكيل حكومة سيكون استفزازاً آخر من رئيس لم تتدنَّ شعبيته يوماً كما اليوم.
إن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي انعقاد الانتخابات المبكرة الثانية في فرنسا في غضون عامين، مع كل حالة عدم اليقين التي تجلبها في بلد منقسم، حيث لم يعد العمال الشباب ذوو الياقات البيضاء يتماهون مع المركز السياسي.
إن الخطر الواضح هو أن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان سيحقق نتائج أفضل هذه المرة مقارنة مع عام 2024، حيث قال مزيد من الناخبين إنهم يفضلون حجب أقصى اليسار على حجب أقصى اليمين.
فرنسا ليست كاليونان ولكنها قلب أوروبا
حتى جوردان بارديلا، ثاني أكبر منافس للوبان، يتصدر استطلاعات الرأي الرئاسية في الجولة الأولى بحوالي 30%، وقد لا يكون هذا كافياً للأغلبية البرلمانية لكن تصعب رؤية البدائل المتبقية.
ما تزال هذه أزمة سياسية في المقام الأول، على الرغم من أحدث موجة من توتر السوق. لم يعد الفارق بين عوائد السندات الحكومية الفرنسية والألمانية إلى المستويات التي شوهدت في نهاية العام الماضي، عندما لم يكن لدى ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو حكومة ولا ميزانية؛ في غضون ذلك، خسر مؤشر كاك 40 للأسهم القيادية ما يزيد قليلاً عن 1%.
جواهر وسط الركام السياسي
ما تزال فرنسا تتمتع ببعض المزايا وسط حطام سياساتها: مهندسون موهوبون، وشركات ناشئة عالية القيمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وشبكة طاقة تهيمن عليها الطاقة النووية. لكن مع كل تعثر على طريق 2027، بات وضع ماكرون كبطة عرجاء أشبه ببطة جالسة.
تتهاوى الركائز الأساسية لأجندته الإصلاحية، بما في ذلك الضرائب المواتية والسياسات الداعمة للعمل التي جعلته محط أنظار طبقة رجال الأعمال. لم يظهر سوى عدد قليل من الورثة الواضحين، ويبدو أن أحداً لم يجد الوصفة السحرية لصد اليمين المتطرف.
ستكون فرنسا المنغلقة على نفسها نتيجة وخيمة بالنظر إلى التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الهائلة التي تنتظر أوروبا- ناهيك عن تخفيض وكالات التصنيف الائتماني لتصنيف ديون البلاد.
لقد حاججنا حديثاً بأن الأزمة الحالية كانت بمثابة أغنية الختام لعهد ماكرون؛ واليوم بات الجميع يسمعونها.