الذكاء الاصطناعي.. إذ يسيطر على هوليوود
كما قالت الممثلة إيميلي بلنت في كلماتها الرائعة: «يا إلهي، نحن في ورطة». كانت تتحدث في بودكاست مع مجلة «فاريتي»، مؤخراً، عندما قُدِّم لها عنوان عن أحدث ظاهرة سينمائية: تيلي نوروود.
تتنافس الوكالات على توقيع عقد مع هذه النجمة البريطانية الشابة ذات الملامح الجميلة التي تجذب الأنظار حول العالم. لكن المفاجأة أن «تيلي» ليست إنساناً، بل هي ممثلة تولّدها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإيميلي بلنت غاضبة، بل خائفة.
عندما قيل لها إن مبتكِرة «تيلي»، الهولندية «إلين فان دير فيلدن»، وهي ممثلة سابقة تحمل درجة ماجستير في الفيزياء، تريد لها أن تكون «سكارليت جوهانسون» القادمة، احتجت بلنت قائلة: «لكن لدينا سكارليت جوهانسون بالفعل!»
في أنحاء هوليوود، تلعن الممثلات «تيلي» ومبدعتَها «فان دير فيلدن»، والرجال المنغلقين أكثر فأكثر الذين يفضلون الإثارة عبر نسخ رقمية خالدة الشباب فائقة الجمال (من دون حاجة إلى البوتوكس أو حقن الأوزيمبيك).
وفي جميع أنحاء هوليوود، يُبدي أصحاب الميزانيات الرسمية استحسانهم لفكرة وجود ممثلين أكثر مرونة. قال أحد كبار مُناصري المواهب بسخرية: «هي لن تردّ عليهم أو تعترض».
قد يشعرون بالقلق من ممثلة تم توليدها بالذكاء الاصطناعي، لكن كما يشرح خبير الذكاء الاصطناعي «نيت سوارِز»، المؤلف المشارك لكتاب «إذا بناه أي شخص، سيموت الجميع»: «الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ممثلة واحدة، بل كدمية تحرك العشرات من الشخصيات في آن واحد».
وعندما رأت «بلنت» صورة «تيلي»، بدا عليها استياء واضح. قالت لمجلة «فاريتي»: «هذا حقاً مخيف. أرجوكم، أيتها الوكالات، توقفوا عن هذا. من فضلكم توقفوا عن سلبنا اتصالنا الإنساني».
لكن أخشى أن يكون الأوان قد فات، فالاتصال الإنساني بدأ يتآكل منذ زمن. نحن جميعاً نعيش في «وادي الغرابة» الآن، نحدّق في شاشاتنا الشخصية، غير متأكدين مما هو حقيقي وما هو مزيف، على حساب الحديث، والمواعدة، والقراءة، والعيش.
نحن نتلقى صدمة جديدة تكشف مدى سرعة تقدم الذكاء الاصطناعي. فخلال الأسبوع الماضي فقط، غمرتنا مقاطع فيديو نشرها دونالد ترامب، ساخراً من قادة الحزب الديمقراطي مع بدء إغلاق الحكومة. الرئيس أيضاً يستخدم الذكاء الاصطناعي.
وأطلق «سام ألتمان»، رئيس شركة «أوبن إيه آي»، تطبيقَه «سورا»، الذي ينشئ مقاطعَ فيديو واقعية إلى حد مذهل لمشاهد مزيفة. قد يصبح هذا التطبيق نسخة من «تيك توك» أكثر امتلاءً بالمعلومات المضللة. ويمكنك باستخدام أمر نصي أن تخلق مَشاهدَ لهجمات إرهابية، أو لتزوير انتخابات، أو لاحتجاجات جماهيرية، أو لحروب، أو حتى لسيناريوهات أخرى مقلقة.
وجاء في «نيويورك تايمز» أنه «كلما أصبحت مقاطع الفيديو أكثر واقعية، زادت احتمالات أن تؤدي إلى عواقب حقيقية في العالم، من تأجيج الصراعات، إلى خداع المستهلكين، أو التأثير في الانتخابات، أو تلفيق الجرائم لأبرياء».
سيؤدي التطبيق إلى تآكل الحقيقة والوئام أكثر فأكثر، في بلد يروّج فيه الكثيرون لروايات كاذبة ومقاطع مزيفة، ويعتقد نحو ثلثي الناخبين فيه أننا منقسمون سياسياً لدرجة تمنعنا من حل مشاكلنا.وسيُستخدم تطبيق «سورا» بالتأكيد لتبرير رفض المحتوى الحقيقي باعتباره مزيفاً. وكما أوضحت «التايمز»، فإنه «حتى وقت قريب، كانت مقاطع الفيديو تُعد دليلاً موثوقاً على الأحداث الحقيقية، إلى أن أصبح من السهل تعديل الصور والنصوص بطرق واقعية. لكن جودة فيديوهات (سورا) العالية ترفع خطر فقدان الجمهور الثقةَ في كل ما يشاهده».ورغم أن كثيرين في هوليوود منزعجون من تطبيقَي «تيلي» و«سورا»، فمن المرجح أن يحقق الذكاء الاصطناعي تقدماً سريعاً في صناعة فقدت بريقَها. لقد ولّت إلى حد كبير أيام نجوم السينما الكبار والأفلام ذات المكانة الرفيعة والجاذبية الجماهيرية. وحتى «سِدني سويني» تبدو الآن شبه نسخة من الذكاء الاصطناعي. أما اليوم، فهوليوود تعتمد على أفلام «مارفل»، والأجزاء المكررة، والاقتباسات، والمسلسلات التي تبدو وكأن خوارزميةً كتبتها ليشاهدها الجمهور أثناء تصفحه شاشة أخرى.
تقول الممثلة والكاتبة «لولا كيرك»، مؤلفة كتاب «قرية الغرب المتوحش»، وهو مجموعة مقالات عن نيويورك وعائلتها الإبداعية الغريبة الأطوار: «أنا أتفهم ذلك رغم أنه لا يعجبني. إنها صناعة في نهاية المطاف، ويجب أن تواكب تفضيلات وطلبات الجمهور الذي أصبح معتاداً على مشاهدة مؤثّرين معدّلين بالمرشّحات يقلّدون مشاهد من ربّات البيوت الحقيقيات في نيويورك لمدة 15 ثانية، أكثر من مشاهدتهم لممثلين يروون قصة على مدى ثلاثة فصول. ربما، بطريقة غريبة، سيؤدي ذلك إلى إحياء الاهتمام بالفيلم والتلفزيون؟ هذه نظرتي المتفائلة، وإن كانت حزينة».
أما النظرة الأقل تفاؤلاً فقدّمها «جَارون لانيير»، أحد كبار العلماء في «مايكروسوفت»، حيث قال إن أحد رؤساء استوديوهات هوليوود كان يتباهى أمامه بأن الذكاء الاصطناعي رائع لأنه لن يضطر بعد الآن لدفع رواتب «كل هؤلاء المنتجين والممثلين والمصورين والمؤلفين والملحنين والوكلاء الأغبياء». وأضاف أن مديري الاستوديوهات سيصبحون سريعاً قابلين للاستغناء عنهم أيضاً، لأن الجميع سيخضع لرحمة «خادم الحاسوب الكبير في المركز، وسيُسيطر وادي السيليكون عليهم».
وبينما يرى لانيير أن وجود شخصية مُحاكاة هنا وهناك أمرٌ مقبول، فهو يقول إنه «من المُلحّ» وضع حدٍّ فاصل بين «الأشياء التي يُولّدها الذكاء الاصطناعي والأشياء التي يُولّدها الواقع، وأن يكون لدينا نظامٌ نُميّز فيه ما هو حقيقي وما هو زائف». وأضاف: «المشكلة هنا هي أنه إذا جعلتَ العالَمَ كلَّه يُدار بالزيف والمحاكاة، فسيعم الاختلال، وسيشعر الجميع بالغربة والتوتر وعدم الثقة بقيمتهم، وسينهار كل شيء، وفي مرحلة ما، سيكون الأمر أشبه بانهيار الحضارة والنوع البشري».
*صحفية وكاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
