الطفل راتب يحمل كاميرا بيديه ويتكئ على عكازين Article InformationAuthor, وليد حسنRole, بي بي سي عربي – برنامج غزة اليوم

قبل 4 ساعة

“كنا متجهين إلى خان يونس، فقُصفنا، فقدت أمي وأخي الأصغر.. وساقي”، بهذه الكلمات ذرف الطفل الجريح راتب أبو قليق ابن العشر سنوات، من سكان بيت لاهيا شمال قطاع غزة، دموعه وهو يروي لحظة غيّرت مجرى حياته بالكامل.

راتب، الذي حصلت بي بي سي عربي على إذن مسبق من عمه للحديث إليه، نزح مع أسرته من شمال القطاع إلى دير البلح هرباً من القصف، لكنه أُصيب أثناء غارة إسرائيلية استهدفتهم في طريقهم لزيارة أقاربهم في خان يونس الشهر الماضي، فقد على إثرها والدته وشقيقه الصغير، وكذلك ساقه.

ويروي الطفل الغزي راتب أبو قليق تفاصيل إصابته “كنا في زيارة إلى أقاربنا في خان يونس، وأثناء الطريق تعرّضنا للقصف، فقُتلت أمي وأخي البالغ من العمر ست سنوات، ووجدت نفسي بعدها في المستشفى. وبعد خروجي من غرفة العمليات لم أرَ ساقي، وعندما ذهبت إلى القسم لتغيير الضماد أدركت أن ساقي قد بُترت، فشعرت بالحزن الشديد”.

وما يحزن الطفل راتب أنه لم يعد يستطيع اللعب بالكرة مع أصدقائه وأبناء عمّه كما كان من قبل. كما يفتقد راتب أمه وشقيقه الصغير اللذين فقدهما في القصف.

واختتم الطفل الغزي حديثه مناشداً كل الجهات وكل من لديه القدرة على مساعدته في تركيب طرف صناعي قائلاً: “حلمي فقط أن أركب طرفاً صناعياً، وألعب بالكرة مع أولاد عمي وأصدقائي”.

طفل يتكئ على عكازين ويقف فوق كرة قدم لونها أخضر التعليق على الصورة، “حلمي فقط أن أركب طرفاً صناعياً، وألعب بالكرة مع أولاد عمي وأصدقائي”.

” بتر ساقه هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياته”

يروي محمد أبو قليق، عمّ الطفل، تفاصيل الحادثة :”كانت زوجة أخي والدة راتب، مريم موسى أبو قليق، البالغة من العمر 33 عامًا، في طريقها لزيارة أهلها النازحين في مدينة أصداء بخان يونس برفقة أطفالها، لكن الطيران الإسرائيلي استهدف سيارة كانت بجانب السيارة التي تقلهم. أُصيبت مريم وأطفالها، وعندما هرعت للاطمئنان على صغارها، سقطت قذيفة أخرى أنهت حياتها وحياة ابنها الصغير حميد، ابن الست سنوات”.

“نجا راتب وحده بأعجوبة، لكنه أصيب إصابات بالغة، حيث خضع لخمس عمليات جراحية، استُؤصل خلالها جزء من الكبد والأمعاء، وتعرّض لتهتّك في جدار المعدة، وأخبروني الأطباء حينها أن بتر ساقه هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياته”.

“ساق من أنبوب بلاستيكي”

أطفال يتجمعون حول الطفل راتب ويجلسون على الأرضالتعليق على الصورة، “وجدنا ماسورة مياه من البلاستيك ملقاه في الصرف الصحي، فقمنا بتنظيفها وقصّها وتركيبها له مكان ساقه المبتورة، حاول المشي بها وكان يسقط كثيراً، لكنه كان سعيداً”

يقول الطفل أحمد محمد ابو قليق، ابن عم راتب (12 عاماً): “كنا نلعب كرة القدم، وطلب راتب أن يلعب معنا، حاول أن يركل الكرة فسقط أرضاً، ثم وقف يراقبنا بصمتٍ حزين ونحن نلعب ونسجل الأهداف”.

ويوضح: “بعد أيام، وجدنا ماسورة مياه من البلاستيك ملقاه في الصرف الصحي، فقمنا بتنظيفها وقصّها وتركيبها له مكان ساقه المبتورة، حاول المشي بها وكان يسقط كثيراً، لكنه كان سعيداً”.

ويضيف محمد عم الطفل راتب: “في اليوم التالي، وجدته يقص الأنبوب على مقاس رجله، وقال لي: وجدت لنفسي ساقاً. كانت تؤلمه في البداية، لكن الفرحة لم تفارق وجهه”.

ويقول: “ساعدته في تركيب الأنبوب البديل، وكان يؤلمه في البداية، لكنّي رأيت الفرحة في عينيه عندما تمكّن من الوقوف مجدداً”، مضيفاً أن راتب قال له: “الآن أستطيع المشي واللعب”.

ويؤكد أن هذا الأنبوب البلاستيكي لا يغني عن الطرف الصناعي ولا يمكنه أن يعيد ساق الطفل إلى طبيعتها، لكن راتب يتمسك بأي وسيلة تمكّنه من المشي من جديد. “راتب يحلم أن يسافر خارج غزة ويركب طرفاً صناعياً ليتمكن من اللعب مع الأطفال”.

لكن حلم راتب يصطدم بواقع قاسٍ، فمنذ سيطرة الجيش الإسرائيلي على بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإغلاقها منذ السابع من مايو/أيار من العام الماضي حال ذلك دون خروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج بالخارج.

وكذلك الدمار الهائل في القطاع الصحي على مدار عامين من الحرب جعل الحصول على طرف صناعي شبه مستحيل داخل القطاع في ظل العدد الكبير من مبتوري الأطراف الذين ينتظرون الحصول على طرف صناعي يسهل عليهم حياتهم.

جالساً على كرسي ويحمل أنبوباً بلاستيكياً

“مركز الأطراف الصناعية في غزة استقبل قرابة 1500 حالة بتر”

مركز الأطراف الصناعية في غزة

صدر الصورة، social media

استأنف مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية التابع لبلدية غزة عمله بعد تعرضه لأضرار خلال القصف في سبتمبر أيلول الماضي، بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في ظل تزايد أعداد المصابين بالبتر والإعاقات نتيجة الحرب.

وقالت نيفين الغصين، مديرة المركز، إن المركز يُعد الوحيد العامل حالياً في قطاع غزة بعد خروج باقي المراكز عن الخدمة، ويقدّم خدماته من شمال القطاع إلى جنوبه.

وأوضحت أن المركز قدّم منذ بدء الحرب نحو 200 طرف صناعي وأكثر من 3000 جهاز مساعد، إلى جانب 2500 جلسة علاج طبيعي، مشيرة إلى أنه استقبل قرابة 1500 حالة بتر، معظمها بين الأطفال والنساء.

وأضافت الغصين أن المركز يواجه صعوبات كبيرة بسبب تدمير الطرق وارتفاع تكاليف المواصلات ونقص المواد الخام اللازمة لصناعة الأطراف، مؤكدة أن الخدمات تُقدَّم مجاناً للمصابين.

وأشارت إلى أن الفريق العامل يتوقع توافد أعداد أكبر من المصابين بعد وقف إطلاق النار، ما يتطلب دعماً عاجلاً بالمواد الخام والطواقم الطبية، لافتة إلى أن المبنى تضرر جزئياً عدة مرات، وأنهم بانتظار إدخال مواد جديدة من الصليب الأحمر لمواصلة العمل بطاقة أكبر.

“قطاع غزة يضم أعلى عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم”

ملابس أطفال إلى جانب عكازين

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، أصبح قطاع غزة يضم أعلى عدد من الأطفال مبتوري الأطراف بالنسبة لعدد السكان في العالم.

وقالت المنظمة في بيان لها: “إن وقف إطلاق النار سيسمح لها بالوصول إلى مزيد من الأطفال المحتاجين للرعاية وإعادة التأهيل”.

ومن الجدير ذكره أن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة، 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بموجب اتفاق شرم الشيخ، مع إعلان الجيش الإسرائيلي انسحاب قواته نحو الخط الأصفر، وفقاً لما نص عليه الاتفاق الذي وافقت عليه الحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد 735 يوماً من الحرب في قطاع غزة.

وفي تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، قُدّر عدد الجرحى الذين أصيبوا بإصابات غيّرت مجرى حياتهم في غزة بنحو 42 ألف شخص، يشكّل الأطفال ربعهم تقريباً، بينما تجاوز عدد من خضعوا لعمليات بتر خمسة آلاف شخص.

وأشارت المنظمة إلى أن الإصابات الخطيرة في الأطراف، المقدّرة بين 13 ألفاً و17 ألف حالة، هي السبب الرئيسي للحاجة إلى خدمات إعادة التأهيل في القطاع.

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان رسمي لها بعد مرور عامين من الحرب أن نحو 4900 شخص في قطاع غزة خضعوا لعمليات بتر منذ بداية الحرب، بينهم آلاف الأطفال، في وقت حرم فيه إغلاق معبر رفح أكثر من 18 ألف مريض من السفر للعلاج، من بينهم 5580 طفلاً.

في ظل هذه الأرقام، تبدو قصة راتب أبو قليق انعكاساً لواقع عدد كبير من الأطفال الذين فقدوا أطرافهم وأحلامهم معاً، فيما تحاول المنظمات الإنسانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط قطاع صحي دمّرته الحرب.