الفن التشكيلي في الإمارات ليس مجرد ألوان وخطوط، بل هو مساحة واسعة تحمل بصمات الهوية وذاكرة المكان.

كثير من الفنانين يذهبون إلى الرموز الشعبية ليستحضروها في أعمالهم، فيعيدون صياغتها بلغة بصرية معاصرة تحفظ الأصالة وتمنحها حياة جديدة.

من هنا تأتي أهمية الرموز التي تتجذر في تفاصيل حياتنا اليومية مثل الصحراء، الذهب، واللباس التقليدي، لتصبح مفاتيح لهويتنا الثقافية وامتداداً لقصص الأجداد.

التقت «البيان» بالفنان التشكيلي راشد الملا، الذي يرى أن هذه الرموز ليست مجرد عناصر زخرفية، بل مكون أساسي في مشروعه الفني، حيث يحرص على أن يقدمها بوصفها حكاية تحمل روح المكان وصوت الإنسان الإماراتي.

في الحوار التالي يكشف الفنان عن كيفية توظيفه لهذه الرموز في أعماله، وعن الرسائل التي يسعى لإيصالها، والتحديات التي يواجهها بين الأصالة والانفتاح على العالمية.

أرى أن الرموز الشعبية الإماراتية ليست مجرد عناصر بصرية، بل هي مفاتيح لهويتنا الجماعية وذاكرتنا المشتركة.

الصحراء مثلاً تمثل الامتداد والسكينة والصبر، والذهب يرمز للقيمة والخلود، أما اللباس التقليدي فيحمل في طياته تواضع الإنسان الإماراتي واعتزازه بجذوره.

في بعض أعمالي الفنية وظفت هذه الرموز بشكل مباشر وغير مباشر؛ في بداياتي، كانت تطغى على لوحاتي الطبيعة البحرية، والتي تتحول عندي إلى فضاء مفتوح للخيال وتذكير بماضي وتراث دولتنا، واللباس التقليدي يظهر كعلامة على الاستمرارية والاتصال بين الماضي والحاضر، وبالتحديد البرقع الذي أعتبره من أبرز رموز لباس المرأة وخصوصاً الشيلة و العباءة فوق الرأس التي تعبر عن الوقار والتي أمثلها بشكل كبير في بعض أعمالي.

عندما ترسم امرأة إماراتية ترتدي الزي التقليدي ما هي العناصر الرمزية التي تراها الأكثر استخداماً للهوية؟ وكيف تختار تفاصيل هذه الرموز (القماش، الخط ، الزخرفة ، الألوان) لتعزز المعنى؟

عند تصوير المرأة الإماراتية بالزي التقليدي، أركز على ثلاثة عناصر أساسية تمثل جوهر الهوية النسائية الإماراتية: البرقع الإماراتي، والتلّي، وقماش البوتيلة.

البرقع الإماراتي: أراه العنصر الأبرز الذي يميز المرأة الإماراتية عبر العصور.

استخدامه في اللوحة ليس مجرد تفصيل شكلي، بل رمز للخصوصية والقوة والهوية، فهو يختصر صورة المرأة الإماراتية الأصيلة.

أما التلّي: فأستحضر به البُعد التراثي المرتبط باليد العاملة والصنعة الدقيقة، الخطوط المتشابكة وألوان الخيوط المعدنية.

وخصوصاً أن هذي الحرفة كانت منتشرة بين نساء الإمارات ويذكرني أيضاً بالوالدة (رحمة الله عليها) وقماش البوتيلة، هو قماش بسيط جداً، لكن يعطي أثراً كبيراً من خلال التكرار وألوانه العميقة .. بالنسبة لي هو مادة تحمل الذاكرة الشعبية، وتؤكد الاستمرارية بين الماضي والحاضر. ومعظم الألوان التي أستخدمها حارة تبعث نوعاً من البهجة والإيجابية.

في أعمالك التي تتناول الطبيعة أو البيئة، مثل الصحراء أو الكثبان الرملية، ما هو التوازن الذي تحاول تحقيقه بين الجمال الفني وبين التعبير عن الهوية الإماراتية والتقاليد المرتبطة بالبيئة؟

أبحث دائماً عن توازن بين الجمال الفني والهوية الإماراتية. وتطغى على أعمالي البيئة البحرية وبالأخص المراكب التراثية والتي هي بالنسبة لي ليست مجرد عنصر بصري، بل رمز لحقبة كاملة من تاريخ الإمارات، حين كان البحر مصدر رزق وصلة وصل مع العالم.

هل شعرت في مسيرتك أن الجمهور المحلي يفهم الرمزية التقليدية في أعمالك بالطريقة نفسها التي تفهمها أنت كفنان؟ وهل هناك اختلاف في استقبال هذه الرموز عند عرضها خارج الإمارات؟

نعم، الجمهور المحلي غالباً ما يفهم الرموز بالطريقة نفسها التي أقصدها، لارتباطه العميق بالتراث والعادات.

أما عند عرض الأعمال خارج الإمارات، فحتى لو لم تُفهم الرموز بالدقة الثقافية نفسها، إلا أن استخدامها يظل يوصل معنى قريباً أو مماثلاً، يعكس فكرة الانتماء والهوية وإن اختلفت زوايا التفسير.

مع تطور الفن وتأثره بالعولمة، كيف تحافظ على الأصالة في توظيف الرموز الشعبية الإماراتية دون أن تصبح مجرد ديكور؟ وما هي التحديات التي تواجهها في ذلك؟

أميل إلى سرد القصص من خلال أعمالي الفنية أكثر من مجرد تقديم صور مباشرة.

وعندما أوظّف الرموز الإماراتية أحرص أن تكون جزءاً من الحكاية التي ترويها اللوحة، لا مجرد عنصر زخرفي.

أما التحدي الأكبر فهو تحقيق التوازن بين كيفية تقديم هذه الرموز بشكل يحافظ على أصالتها ويظل مفهوماً للجمهور المحلي، وفي الوقت نفسه أجعلها منفتحة على قراءة جديدة لدى جمهور عالمي قد لا يشاركنا الخلفية الثقافية نفسها.

وهنا يأتي دوري كفنان في صياغة لغة بصرية معاصرة تحترم التراث وتمنحه حياة جديدة بدل أن تحصره في إطار ديكوري جامد.