يُمثل الطلاق أحد أهم القضايا الرئيسية، التي طرحتها السينما المصرية عبر مراحلها المُختلفة، فقد تم لفت النظر إلى خطورة الإقبال على الطلاق كحل للنزاع بين الزوجين، وطُرحت مئات الصور السلبية الدالة على التفكك الأسري وضياع الأبناء، إزاء حالات العناد التي يترتب عليها الانفصال الكامل حال عدم الوصول إلى حلول تضمن استقرار الحياة العائلية واستمرارها. «نسيت أني امرأة» عنوان لواحد من الأفلام الاجتماعية المهمة، التي قامت ببطولتها الفنانة الراحلة ماجدة قبل رحيلها بعدة سنوات، وهو المأخوذ عن قصة الكاتب إحسان عبد القدوس، الذي اشتهر باهتمامه بقضايا المرأة ونقلت السينما الكثير من كتاباته الأدبية إلى الشاشة فكان له التأثير القوي في هذا الصدد. فيلم «نسيت أني امرأة» كتب له السيناريو والحوار السيناريست عاطف بشاي، وأخرجه عاطف سالم، وشارك في بطولته، فؤاد المهندس وزيزي مصطفى وسمير صبري وغادة نافع وحسن كامي.
ولأن قضية الطلاق لها من الخطورة ما يحتم وضعها في بؤرة الأحداث الاجتماعية المؤثرة، فقد ظلت متداولة ولا تزال، حيث تحتاج إلى المزيد من النقاش والحوار والطرح، ما يجعل فيلماً واحداً لا يكفي للوقوف على الأسباب الحقيقية للطلاق، ومعرفة من المسؤول الأول عن حدوث الأزمات والخلافات العائلية، التي تؤدي بدورها لانفصال الزوجين بلا رجعة، وفق ما طرحة الفيلم المذكور لماجدة وفؤاد المهندس، وبقية الأبطال قبل نحو عشرين عاماً أو يزيد.
الفيلم يطرح مستوى آخر غير تقليدي من الخلافات الزوجية، ويركز على نقطة جوهرية مفادها، أن الخلافات التي تنشب عادة بين الزوجين ليس بالضرورة أن يكون مردها إلى الأزمات الاقتصادية، أو عدم التوافق الثقافي، أو سوء التفاهم الدائم. فالنموذجان المطروحان كزوج وزوجة يتمتعان بكامل مواصفات الوعي والفكر المتقدمين، وينتميان إلى طبقة أرستقراطية غنية تقوم أسسها على النظام والاحترام والمودة، ولا يوجد بين الزوجين ما يُعكر الصفو، لكن عنصراً واحداً مُفتقداً هو الاهتمام المُتبادل بينهما، فالزوجة تحتل مكانة وظيفية مرموقة تُعدد من مشاغلها ومسؤولياتها.
وإزاء انشغالها الدائم تقع في المحظور، حسب وجهة نظر الزوج لأنها تتهاون في طلباته ولا تُعطها القدر نفسه من الاهتمام، الأمر الذي يدفعه إلى مقاومة الإهمال بشيء من السخرية والتسفيه لدور زوجته الاجتماعي والوظيفي، في محاولة منه لتحويل المشاكل اليومية إلى نكات وصور كاريكاتيرية.
من هنا يحدث الشقاق، وتختلف وجهات نظر الزوجين بين الأهم والمهم في حياتهما الأسرية والعائلية، وكنوع من الهروب يلجأ الزوج، وهو رجل ذو خُلق ومكانة، إلى الزواج من امرأة أخرى (زيزي مصطفى) التي تُمثل النموذج الأقرب إلى وجدان الرجل الشرقي وقناعاته الشخصية، فهي امرأة مسالمة ودودة، ليس لها اهتمامات غير اهتمامها بزوجها وبيتها فقط.
وفي لحظة المواجهة يُقر الزوج فؤاد المهندس بزواجه من أخرى كحق مُكتسب له، في ظل إهماله وعدم العناية به، بينما ترى الزوجة ماجدة الأستاذة الجامعية وسيدة المجتمع، أن هذا التصرف عدوان صارخ على كرامتها وكبريائها، فتطلب الطلاق بعد فشل الابنة غادة نافع في تقريب وجهات النظر بين والدها ووالدتها، ومحاولة احتواء الأزمة.
وبموجب وقوع الطلاق تبدأ أحداث جديدة للفيلم، تكون بطلتها الابنة، الطالبة الجامعية، ومحور الارتكاز الحقيقي في قضية الخلاف بين الزوجين، باعتبارها الضحية الأولى والمجني عليها من الطرفين، بيد أن شخصيات أخرى انتهازية تحاول استغلال الفرصة والصيد في الماء العكر، كسمير صبري المناضل السياسي، الذي ارتبط عاطفياً لفترة بالأستاذة الجامعية إبان فترة الشباب، لكن حالت ظروفه دون إتمام زواجه منها، فبات يطاردها ويحاول التأثير عليها بالود المُصطنع، لينال رضاها، بينما تُصر هي على تحجيم العلاقة في أضيق الحدود.
تدور السيدة المُطلقة ذات النفوذ والأهمية، داخل دائرة مُغلقة، فينتهز طبيبها الخاص (حسن كامي) الفرصة ويطلبها للزواج فلا تقاوم، وفي الوقت ذاته تتزوج ابنتها الوحيدة وتسافر خارج مصر، وبمرور الأيام يحدث الشقاق بينها وبين الزوج الثاني ويحدث الانفصال. وتعود المرأة القوية من جديد لتُعاني ويلات الوحدة، جراء خطأ ارتكبه الزوج الأول، أو خطأ ارتكبته هي بإهمالها له.
يحاول المخرج عاطف سالم وفق معطيات القصة التي أبدعها إحسان عبد القدوس والسيناريو الذي كتبه عاطف بشاي، أن يصل إلى عمق الأزمة، ويُحدد على من تقع المسؤولية بدقة؟ هل الثقافة الاجتماعية هي المسؤولة؟ بوصفها مانحة الرخصة للزوج بالانفراد بالقرار المصيري؟ أم أن المسؤولية مشتركة بين العنصرين، الزوج والزوجة لأنهما لم يُحافظا على الكيان العائلي كما ينبغي؟ وما هو ذنب الابنة البريئة التي وجدت نفسها في العراء بلا غطاء يحميها، فاستجابت لأول رجل يطرق بابها هرباً من جحيم التفكك والضياع.
أسئلة كثيرة طرحها الفيلم العائلي الاجتماعي في إطار إنساني بعيداً عن التشنج والعصبية وإلقاء التهم على أي من الطرفين. لقد اتسمت الأحداث بقدر كبير من العقلانية والثبات الانفعالي، ما يُعد تميزاً موضوعياً وإدراكاً حقيقياً لحجم المأساة التي طالماً تسببت في هدم البيوت والأسر، وقضت على أحلام أبنائها السعيدة في غفلة من الوعي والإحساس الحقيقي بالمسؤولية.

٭ كاتب مصري