صفقة الرهائن.. صعوبات على طريق السلام
يستحق دونالد ترامب الثناء لتسهيله إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين؛ فقد جلب مهاراته الفريدة إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك قدرته على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الصفقة ستكون مفيدة لكليهما.
ولم يكن أي زعيم عالمي آخر قادراً على تحقيق هذه النتيجة. فمكانة ترامب في إسرائيل قوية إلى الحد الذي جعله يقنع أغلبيةَ أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي بأنه لا يوجد بديل آخر. وبعد خطابه أمام الكنيست، توجّه ترامب إلى شرم الشيخ لتوقيع خطة السلام التي يُفترض أن تلي عملية تبادل الأسرى. وشدد هو وزعماء آخرون على ضرورة إشراك الفلسطينيين في مفاوضات إعادة إعمار غزة، وإقناع مزيد من الدول العربية والإسلامية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في نهاية المطاف.
ودون أن يصرّح بذلك مباشرةً، رفض ترامب الأحلامَ التوسعية لليمين الإسرائيلي المتطرف. فهو وغيره من القادة يدركون أن تنفيذ الخطة يعني عدم السماح بإقامة مستوطنات إسرائيلية في غزة، وعدم ضمّ الضفة الغربية. كما تلمّح الخطة إلى «مسارات نحو تقرير المصير الفلسطيني»، وهي عبارة تُعدّ رمزاً لفكرة الدولة الفلسطينية. هذه التطلعات يتبناها معظم الإسرائيليين العلمانيين، لكنها تواجه معارضةً شديدةً من الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة التي يعتمد عليها سياسياً نتنياهو للبقاء في السلطة. لن تكون المراحل التالية من خطة السلام صعبةً فحسب، بل ستستغرق وقتاً طويلاً كذلك. وقد بدأ بالفعل الجدل حول وضع حركة «حماس» ودورها في الحكم المستقبلي لغزة.
و«حماس»، على ما يبدو، لا تنوي إلقاء السلاح أو الذهاب إلى المنفى. وبموجب شروط الاتفاق، يجب على الحركة أن تعيد جثث الرهائن الذين لقوا حتفَهم أثناءَ فترة احتجازهم التي استمرت عامين. وقد وافق الطرفان على أن هذه العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً، نظراً للدمار الذي لحق بغزة. وتجادل إسرائيل وترامب بضرورة نزع سلاح «حماس» أيضاً، إذا كان من المقرر استمرار الانسحابات الإسرائيلية، وتوسيع توزيع المساعدات الغذائية.
وقد صرّح ترامب في 15 من الشهر الجاري بأن الولايات المتحدة ستنزع سلاح «حماس» إذا لم تفعل هي ذلك بنفسها. ويثير هذا تساؤلات حول كيفية تنفيذ ذلك عملياً. فمجرد تفكير ترامب في استخدام قوات برية أميركية لتحقيق هذا الهدف سيكون بمثابة كابوس، ويتعارض مع مبدأ الحد من دور القوات الأميركية في المنطقة.
وإلى أن تُعالج هذه العقبات، لا يمكن وضع خطط جديّة لإعادة الإعمار أو تشكيل حكومة جديدة، بما في ذلك تحديد الجهة التي ستتحمل تكاليف ذلك. فالتكاليف ستكون هائلة، وقد تتجاوز 100 مليار دولار، بل ويتكهن بعضهم بأن الرقم النهائي قد يكون أعلى من ذلك. هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها بعد حول «الخطوات التالية»، مما يثير القلقَ مِن احتمال أن يفقد ترامب اهتمامَه تدريجياً. فجدول أعماله مزدحم أكثر فأكثر، مع قضايا الأمن القومي الأخرى، بما في ذلك أوكرانيا، والحد من التسلح، والرسوم الجمركية، والمواجهة الاقتصادية مع الصين، والتصعيد العسكري لتهريب المخدرات في منطقة الكاريبي.
أما القلق الأكثر إلحاحاً في غزة، فهو احتمال تجدد القتال، وإعادة إسرائيل احتلال المناطق التي انسحبت منها، وتعريض إمدادات المساعدات الإنسانية للخطر. وقد حظي الصحفيون الدوليون خلال الأسبوع الماضي بفرصة أكبر لرؤية حجم الدمار في غزة. ومع تزايد انتشار الصور المأساوية لمعاناة السكان، سيزداد الضغط على ترامب لتنفيذ خطة السلام الخاصة به، في الوقت نفسه الذي تصبح فيه إمكانية تنفيذها أكثر صعوبة.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» – واشنطن.
