عقد صناع فيلم Bugonia مؤتمراً صحفياً افتراضياً لناخبي “جولدن جلوب”، حضرته “الشرق”، بمشاركة المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس، والنجمة إيما ستون، والممثل جيسي بليمنز، وكاتب السيناريو ويل تراسي، حيث كشفوا عن تفاصيل العمل الجديد الذي يعيد تقديم الفيلم الكوري الكلاسيكي Save the Green Planet بروح معاصرة تمزج بين الكوميديا السوداء والفانتازيا النفسية.

يورجوس لانثيموس، المعروف بأعماله الغرائبية مثل Poor Things وThe Favourite، عاد هذه المرة بفيلم جديد يواصل من خلاله استكشاف حدود الواقع والهوس البشري، حيث يتناول الفيلم صراعاً إنسانياً حاداً بين الإيمان بالحقائق والخضوع للأوهام، في عالم يسيطر عليه القلق ونظريات المؤامرة، ويحاول لانثيموس صياغة الفوضى التي تحكم علاقتنا بالواقع بأسلوبه البصري الفريد.

يُعرض Bugonia عالمياً 31 أكتوبر الجاري، بعد مشاركته في مهرجان فينيسيا السينمائي، ضمن أكثر الأعمال ترقباً لهذا الموسم.

من كوريا إلى أميركا

في البداية قال الكاتب ويل تراسي: “التقيت المخرج آري آستر في نيويورك أثناء الموجة الأولى من الإغلاق، حدثني عن فيلم كوري صغير بعنوانSave the Green Planet ، لم أكن قد سمعت به من قبل، شاهدته، وأدركت فوراً أن فيه بذرة يمكن تحويلها إلى فيلم جديد كلياً، يحمل روحاً أميركية ومعاصرة، لا مجرد نسخة مكررة”.

كتب تراسي السيناريو وقت جائحة كورونا، وهو محاطٌ بزوجته وطفلهما حديث الولادة، “كنت أكتب وأنا غارق في القلق والارتباك، لا أعرف ماذا أصدق، ولا ما سيحدث غداً، ربما تسلّل هذا الشعور إلى النص، دون قصد”.

ويضيف المخرج لانثيموس: “حين قرأت السيناريو شعرت بحماس فوري، لم أحلّله نظرياً في البداية، بل انجذبت إليه بغريزتي، لاحقاً، ومع اكتمال التصوير، اكتشفت كم يعكس الفيلم حالة عالمنا الراهنة، بما فيها من خوفٍ وارتباك وتضليل، لكن بطريقة تسمح للجمهور أن يجد فيه تأويلاً شخصياً”ً.

إيما ستون: بين الواقع والوهم

وتحدثت إيما ستون، التي تشارك أيضاً في الإنتاج إلى جانب تمثيلها، عن انجذابها الفوري للنص: “شعرت منذ الصفحات الأولى أنني أمام شيءٍ مختلف، لم أشاهد الفيلم الكوري، فاختبرت القصة كأنها جديدة تماماً، أحببت كيف يجعلنا السيناريو نتأرجح بين الشك واليقين: هل ما تقوله الشخصية حقيقي؟ أم وهم؟ وهل تيد (شخصية بليمنز) ضحية أم جلاد؟”.

أما جيسي بليمنز، فاعتبر أن الفيلم يعبر عن واقع “مشوّش ومليء بالذعر والبارانويا”، وأضاف:”نحن نعيش في زمنٍ يخاف فيه الناس من كل شيء، ويختبئون وراء شاشاتهم ليطلقوا أحكامهم، ما يفعله الفيلم أنه يجمع شخصين من عالمين متناقضين داخل غرفة واحدة ويتركهما يواجهان بعضهما بلا وسائط”.

وعن مشهد حلاقة رأس إيما ستون بالكامل، أجابت الممثلة بثقة: “يورجوس لم يحتج أن يطلب مني ذلك، كان مكتوباً في النص منذ البداية، الشخصية تفعل ذلك لأنها تؤمن أنها تتواصل بهذه الطريقة مع كائنات من كوكب أندرميدا. بالنسبة لي، لم يكن هناك بديل أو نقاش حول باروكة أو قبعة صلع”.

وحين سُئل الفريق عن نظريات المؤامرة كما يروها، أجاب بليمنز مازحاً: “الطيور ليست حقيقية” لتشاركه إيما مزاحه قائلة: “هل تعتقد أن في نيويورك هذا العدد من الطيور؟ إنهم كاميرات تجسس بكل تأكيد”.

أما لانثيموس فواصل اللعبة قائلاً: “أنا ما زلت أؤمن أن الأرض مسطّحة”، بينما أضاف تراسي مازحاً :”وأنا أعتقد أن يورجوس هو من قتل كينيدي”.

عن الكتابة والغموض المقصود

تراسي، الذي اشتهر بعمله في مسلسل  Succession، قال إن لانثيموس دفعه إلى “الغموض أكثر من أي وقت مضى، فعادة أميل إلى الوضوح في الكتابة، لكن يورجوس شجعني على ترك مساحة للغموض والمجاز، مثلاً في مشاهد الـ”فلاش باك”، لم نرد أن تكون تذكارات من الماضي، بل رؤى داخلية تشاهد وتُحسّ أكثر مما تُفهم”.

وقال لانثيموس: “الفيلم ليس معادلة منطقية، نحن نضع العناصر معاً: الصورة، الأداء، الموسيقى، الصوت، ثم نكتشف تدريجياً توازنها أثناء المونتاج، الكوميديا والدراما ليسا ضدين، ولكنهما توأمان في عمل كهذا”.

عدسة تكشف الروح

أشادت إيما ستون بخيار لانثيموس تصوير الفيلم بنظام VistaVision القديم: “هذا القرار منح الصورة طابعاً مهيباً ومكثفاً، وكأنك ترى كل مشهد من ذاكرة شخصية، الكاميرا كانت ضخمة وصاخبة أحياناً، لكننا أحببنا النتيجة”.

 وروى لانثيموس أنه جرب الكاميرا أولاً في لوس أنجلوس بمشاركة ستون وبليمنز، إضافة إلى الممثل الجديد إيدن الذي اختاره من بين مواهب غير محترفة، “كنت أريد ممثلاً يملك حساسية مختلفة، نظرة غير تقليدية للعالم، جنيفر فينديتّي، مديرة الكاستينج، اقترحت إيدن لأنه يمتلك صفاءً نادراً، حين التقيناه، كنا نحن من يشعر بالتوتر، بينما هو في غاية الهدوء، وكان يسألنا لماذا نصوّر بهذه الكاميرا الضخمة، وكان يعتبر أيام التصوير مملّة أحياناً، لكنه أصبح روح الفيلم”.

شراكة فنية من نوع خاص

وتحدث بليمنز عن العلاقة الثلاثية بينه وبين لانثيموس وستون: “بعد عملنا معاً في Kinds of Kindness، أصبح بيننا نوع من الثقة المتبادلة، لا نحتاج إلى شرح مطوّل، كل واحد يفهم إيقاع الآخر، هذه المرة لم يكن لدينا وقت كاف للتدريبات، لأننا كنا نروج للفيلم السابق في الوقت نفسه، لكن تلك الألفة جعلتنا نتجاوز ذلك بسهولة”.

ووصفت ستون علاقتها بالمخرج قائلة: “يورجوس هو الشاطئ، ونحن القوارب، نبحر ونعود إليه حاملين ما اكتشفناه، من دونه نغرق، لكنه أيضاً لا يقيدنا، يتركنا نستكشف”.  

وأوضح تراسي أنه شعر بحرية غير معتادة أثناء العمل مع لانثيموس، “قال لي ببساطة: إذا لم يعجبك أي شيء، أخبرني، لا شيء مقدس، هذا ما جعل التعاون بيننا مثمراً، كنا نبحث عن النقطة التي يتقاطع فيها خياله البصري مع لغتي الكتابية”.

ورأى بليمنز أن جوهر تجربة لانثيموس يكمن في “إتاحة الاكتشاف”، مضيفاً: “كل مشهد هو مغامرة، نأتي مستعدين، ثم ننسى ما أعددناه، نرتجل ونسمح للحظة أن تفاجئنا، وهذا ما يجعل أفلامه نابضة بالحياة”.

وعن التوازن بين الهزل والجدّ، قال لانثيموس: “لا أحد يعرف النسبة الدقيقة، كل مشهد يولد نبرته الخاصة، نبدأ من النص، ثم الأداء، ثم الصوت والموسيقى، الفيلم يكتشف نفسه في الطريق، لا أحاول فرض المعنى، بل أتابع الإحساس، وفي رأي أن هذه ميزة، أن يختلف الجمهور في تفسيره، فأنا أريد لكل مشاهد أن يجد العمل بطريقته الخاصة”.

تحديات وتناقضات

ورداً على سؤال “الشرق”عن التحديات التي واجهها بطلي الفيلم في التعامل مع الشخصيات، قال بليمنز: “التحدي الأكبر أن تترك كل ما تحبه في النص خارج الباب، وتعيش اللحظة فقط، تيد شخصية تنفجر بكل ما في داخلها، عكس الناس الذين يتظاهرون أنهم بخير طوال الوقت، أردت أن أكون صادقاً في هذا الانكشاف”.

أما ستون، فاعتبرت أن الصعوبة كانت في “بناء شخصية تُرى من زاويتين: مرة كضحية، ومرة كوحش، أردت أن يشعر المشاهد في المشاهدة الثانية أن كل شيء كان مموهاً منذ البداية”.

وعن نغمة الحوار المتناقضة قال تراسي: “أظن أن عملي في Succession أفادني كثيراً، تعلمت كيف يتحدث الناس في السلطة حين يحاولون أن يظهروا مثاليين، وكيف تتبدل لغتهم حين يبتعدون عن الكاميرا، في Bugonia حاولت أن أجعل هذا التناقض محور العلاقة بين الشخصيتين: مدير تنفيذي يستخدم خطاباً ناعماً، ورجل يائس يرى العالم مؤامرة كبرى، كل منهما يفكك قناع الآخر”.

العالم كما يراه لانثيموس

بين السخرية والرهبة، يبقى Bugonia امتداداً لعالم لانثيموس السينمائي الذي يختبر حدود الإنسان أمام الجنون الجماعي، هو فيلم عن الإيمان، عن الخوف، وعن الحاجة الدائمة لأن نصدّق شيئاً، حتى لو كان مستحيلاً.

يترك المخرج اليوناني الكلمة الأخيرة للجمهور: “الفيلم لا يحتوي على إجابة، ولكنه سؤال كبير عن أنفسنا، عن كيف نرى الآخر، وكيف نصنع عوالمنا البديلة كي نحتمل الواقع”.