كاتيا سعد
من عاصمة الفن والثقافة، يتهيأ مسرح المجمّع الثقافي في أبوظبي، التابع لدائرة الثقافة والسياحة، لحفل “إبراهيم معلوف وأبواق ميشيل أنج” في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وهو “تحية لإبداع الإنسان”، وفق ما يقول المؤلّف الموسيقي وعازف البوق إبراهيم معلوف في حديثٍ لـ”النهار”.
هنا، سيلتقي الشرق مع الغرب على أنغام الموسيقى ليكون اللقاء حواراً بين معلوف وبين الجمهور، تقوده مقطوعات موسيقية متنوعة، منها المقطوعة الشهيرة “Au Revoir”، التي تكون حاضرة دائماً في حفلاته ويتفاعل معها الجمهور بشكل كبير.
أبوظبي… مدينة الانفتاح والتوازن
تُعتبر أبوظبي منصة رائدة للفن والثقافة محلياً ودولياً، وتجسّد اليوم هذا اللقاء بين الحضارات، وهذه الإرادة في بناء جسور بين الثقافات. وبالنسبة إلى معلوف، فإن العزف فيها هو أشبه بحوار مع مدينة ترمز إلى الانفتاح والتوازن. “الموسيقى هنا تُعزف بنغمة مختلفة، تحمل معها نسيم الصحراء وحداثة الرؤى الإنسانية الكبرى. إنه فخر لي أن أترك أنغام البوق تتمايل وتترك صداها على هذا المسرح”.
الحفل تحية لإبداع الإنسان، وبالنسبة إلى معلوف، يرمز “ميشال أنج” إلى قوّة الفن عندما يتجاوز حدود الممكن. ويصف اللقاء مع جمهوره بأنّه حوارات بين البوق والأوركسترا والجمهور، تتخلّلها لحظات من الارتجال. أما أجمل لحظاته على المسرح فهي “حين تولد الموسيقى من اللحظة نفسها”.

إبراهيم معلوف.
“في المزج بين الشرق والغرب أجد حريتي”
في كلّ حفل له في الإمارات بشكل عام، وأبوظبي بشكل خاص، يحاول معلوف أن يقدّم محتوى فنياً يعكس روح الاتّحاد والوحدة، من خلال المزج بين جذوره العربية ومسيرته الغربية. وينبع ذلك من الجمهور نفسه الذي “يتمتّع بفضول مذهل وحسّ عميق تجاه التنوّع، ويأتي بحثاً عن شعور صادق وعن لقاء بين العوالم. أشعر بإنصاتهم الحقيقي المفعم بالشغف، واحترامهم للموسيقى. وهذا بالضبط ما أحبّ أن أقدّمه لهم”.
فما الذي تمنحه إياه هذه اللحظات في لقائه مع الجمهور العربي، سواء في الإمارات أو في سواها من الدول العربية؟ على الصعيد الشخصي، يقول إبراهيم إنّ كل حفل في العالم العربي هو بمثابة “عودة إلى البيت”، أجد فيه أصواتاً وروائح ووجوهاً مألوفة. أما على الصعيد الفني، فإنها مصدر إلهام لا ينضب. “لقد نشأت بين عالمين هما الشرق والغرب، ولا أشعر بحريتي الكاملة إلا حين أجمعهما معاً”.
وعلى الرغم من إقامته في فرنسا، يغذّي معلوف الجانب الشرقي في موسيقاه بالذاكرة، بالعاطفة، وبالتوارث. إنّ جذوره الشرقية لم تفارقه يوماً، بل تعيش في أنفاسه وألحانه. وقد منحته فرنسا “حرية التعبير عنها بطريقة مختلفة، بأدوات وألوان جديدة. أحاول دائماً أن أحوّل هذه الثنائية إلى ثراء، لا إلى تناقض”.
“أنا أؤلّف للإنسان”
صحيح أنّ الموسيقى الكلاسيكية العربية والسمفونية الغربية تبدوان عالمين مختلفين، إلا أنّ الدمج بينهما كما يراه إبراهيم يتطلب توازناً وإصغاءً. فالموسيقى العربية ارتجالية، حرّة، مليئة بالنغمات، بينما الموسيقى الكلاسيكية الغربية دقيقة ومنظّمة ومكتوبة… و”عندما أجمعهما، أحاول أن أخلق لغة مشتركة وإحساساً إنسانياً عاماً”.
عند تأليفه لموسيقاه التي تعكس هذا الدمج، إلى من يتوجه؟ إلى الجميع. “أنا لا أؤلف لجمهور محدّد، بل للإنسان، لمن يشعر ويتأثّر. سواء أكان في اليابان أو لبنان أو البرازيل. إن لمسته الموسيقى، فهذا يعني أنني نجحت”.

إبراهيم معلوف.
وموسيقى معلوف لا تجول في كل مكان فحسب، بل تعايش أيضاً أكثر من زمن. وإذا كان التراث يربط معلوف بجذوره، فالحداثة تدفعه إلى الأمام. و”أحب التواجد عند الحدود حيث يتناغم العالمان”. ويمكن أن نشتشفّ ذلك من خلال فنه، إذ يقول: آلتي قديمة، لكن ما أصنعه بها معاصر تماماً، وفي هذا التناغم أجد حريتي”.
الذكاء الاصطناعي “أداة فقط”
من ضمن مظاهر الحداثة، لا يمكن تجاهل التطور التقني الذي يغيّر في المشهد الفني، و”يفتح أبواب الإبداع أمام فنانين لم تكن لديهم من قبل الوسائل والتقنيات اللازمة (…) دور الفنان هو أن يحافظ على الروح وسط كل هذا، وأن يجعل التكنولوجيا في خدمة الإحساس، لا العكس”، على حدّ قوله.
أما بالنسبة إلى مواكبة معلوف لهذا التطور والذكاء الاصطناعي بشكل خاص، فهو يتابعه باهتمام ويعتبره أداة وليس غاية. “إن ساعدنا على اكتشاف خامات صوتية جديدة، أو على الأرشفة، فهو فرصة جيدة. لكن العاطفة ستظلّ إنسانية خالصة. فالبوق هو نفَس، والنفَس لا يمكن لأي آلة أن تُحاكيه”.
حفل “إبراهيم معلوف وأبواق ميشال أنج” يدخل ضمن فعاليات المجمّع الثقافي لموسم خريف 2025، في خطوة تعزز المشهد الثقافي النابض بالحياة في أبوظبي. ويتهيّأ معلوف لجولة فنية، أهمها الحفل الذي يحضّر له في 10 نيسان/أبريل 2027، احتفالاً بمرور 20 عاماً على مسيرته الفنية، والذي سيُقام في أكبر قاعة للحفلات الموسيقية في أوروبا: Paris La Défense Arena.
