في تناقض صارخ يكشف عمق الأزمة في اليمن، يواصل البنك المركزي اليمني جهوده لضبط سوق العملات وتحقيق الاستقرار النقدي بينما تتدفق أموال طائلة من خزينة الدولة إلى جيوب المسؤولين، حيث يتقاضى رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي 700 مليون ريال شهرياً من بنك عدن، إضافة إلى مليون ريال سعودي من المملكة العربية السعودية.

فبينما يصدر البنك المركزي تعاميم حاسمة تفرض على شركات الصرافة الالتزام بتسعيرة موحدة للريال السعودي عند 425 ريالاً للشراء و428 ريالاً للبيع، مع التهديد بسحب التراخيص من المخالفين، تكشف الأرقام المالية صورة مؤلمة عن تبديد الموارد على مستوى القيادة العليا.

قد يعجبك أيضا :

المفارقة تزداد حدة عندما ندرك أن هذه المخصصات الضخمة تأتي في وقت يدخل فيه النازحون اليمنيون شهرهم الحادي عشر بلا مرتبات، وتغرق العاصمة عدن في الظلام لأكثر من عشرين ساعة يومياً.

أرقام صادمة تكشف الكاتب الاقتصادي أحمد سعيد كرامة عن حجم العبث المالي الذي تمارسه السلطة العليا، حيث يحصل أعضاء المجلس الرئاسي على نصف مليار ريال شهرياً كمخصصات، بينما يتقاضى محافظ البنك المركزي 45 ألف دولار شهرياً، وأعضاء مجلس إدارة البنك 25 ألف دولار شهرياً لكل عضو.

قد يعجبك أيضا :

هذا التبديد المالي يحدث في الوقت الذي حذر فيه صندوق النقد الدولي من تراجع إيرادات الحكومة بأكثر من 8 نقاط مئوية منذ 2022، بسبب استقطاع المحافظات للإيرادات المركزية واحتجاز الضرائب والجمارك.

ويزيد من حدة التناقض أن البنك المركزي يبذل جهوداً حثيثة لحماية النظام المصرفي من تلاعبات مليشيا الحوثي، حيث أصدر تحذيراً صارماً من التعامل مع المزادات غير القانونية التي تنظمها الجماعة لبيع أصول البنوك التجارية، مؤكداً أن أي عقود أو اتفاقيات ناتجة عن تلك المزادات تُعد لاغية.

قد يعجبك أيضا :

في المقابل، تشهد أسواق الصرف في المناطق المحررة استقراراً نسبياً، حيث سجل الريال اليمني ثباتاً مقابل العملات الأجنبية، مع استمرار تداول الدولار الأمريكي بسعر 1617 ريالاً للشراء و1630 ريالاً للبيع، وهي نفس الأسعار التي أعلنها البنك المركزي منذ أكثر من شهرين.

يدعو كرامة إلى وقف الإعاشة الشهرية للمسؤولين وإلزامهم بالعودة إلى المناطق المحررة والعيش بين الناس، بدلاً من حياة الفنادق والامتيازات، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الأعلى لا من جيوب المواطنين المنهكة. هذا التناقض الصارخ بين جهود الاستقرار النقدي والفساد المؤسسي يعكس عمق الأزمة الهيكلية في اليمن، حيث تتضارب الأولويات وتتناقض السياسات على حساب معاناة الشعب اليمني.

قد يعجبك أيضا :