في واقع صادم لم يشهده العالم من قبل، يواجه اليمن أزمة عملة لا تضاهيها أي أزمة أخرى عبر التاريخ، حيث يتفاوت سعر الريال اليمني بنسبة تقارب 200% بين مدينتي صنعاء وعدن، مما يضع المواطنين في مواجهة معضلة مالية لم تعرفها البشرية.
تكشف الأرقام الأخيرة عن هوة سحيقة في قيمة العملة الواحدة داخل البلد الواحد، فبينما يصل سعر الدولار الأمريكي في عدن إلى 1633 ريالاً يمنياً، لا يتجاوز في صنعاء 540 ريالاً فقط. هذا التباين الجنوني يعني أن المواطن في صنعاء يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ لشراء نفس السلع التي يشتريها نظيره في عدن، في ظاهرة تجعل اليمن البلد الوحيد الذي يضم عملتين مختلفتين تحملان نفس الاسم.
قد يعجبك أيضا :
يروي أحمد المقطري، الموظف من صنعاء، قصة معاناته اليومية قائلاً: “راتبي الشهري لا يكفي لشراء مئة دولار بأسعار عدن، رغم أنني أحتاج هذا المبلغ لعلاج ابنتي في الخارج”. وفي الجانب الآخر، يشهد عبدالله العدني، الصراف في عدن، على هذه المأساة: “يأتيني عملاء من صنعاء يومياً، وعندما يرون الأرقام لا يصدقون الفرق المرعب”.
تمتد جذور هذا الانقسام المدمر إلى عام 2016، عندما انشطر البنك المركزي اليمني إلى فرعين متنافسين، أحدهما في صنعاء والآخر في عدن، مما أدى إلى طباعة إصدارات مختلفة من العملة وتطبيق سياسات نقدية متضاربة. يوضح الدكتور محمد الصبري، الخبير الاقتصادي، هذا الوضع بقوله: “الأمر أشبه بشخص يملك مفتاحين مختلفين لنفس البيت، أحدهما يفتح والآخر عديم الفائدة”.
قد يعجبك أيضا :
الحرب المستمرة والحصار الاقتصادي وتوقف عائدات النفط حولت الريال اليمني في المناطق الشمالية إلى ورقة هشة تتلاعب بها الرياح، بينما صمد نظيره في الجنوب كالصخرة أمام العواصف. هذا التدهور المتسارع دفع بالعديد من الخبراء إلى التحذير من سيناريو كارثي قد يشهد انهياراً كاملاً لإحدى العملتين، مما يعني مسح مدخرات آلاف الأسر من الوجود.
في الأسواق الشعبية المكتظة، تتجسد معاناة الناس بوضوح صارخ. عائلات منقسمة جغرافياً تعجز عن إرسال الأموال لبعضها البعض، مرضى يفقدون الأمل في الحصول على العلاج، وطلاب تتوقف أحلامهم الدراسية عند حدود أسعار الصرف. فاطمة الحضرمية، التاجرة من عدن، نجحت في توسيع تجارتها مستفيدة من استقرار العملة في منطقتها، لكنها تعبر عن ألمها: “أرباحي تنمو من معاناة إخوتي في الشمال، وهذا يؤرقني ليلاً”.
قد يعجبك أيضا :
وسط رائحة الأوراق النقدية المتهالكة وأصوات آلات عد المال المتواصلة، تنمو فجوة أعمق تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني. الخبراء يتوقعون هجرة جماعية للشباب وانهياراً شاملاً للطبقة المتوسطة، في مشهد يعيد تشكيل خريطة البلاد ديموغرافياً واقتصادياً.
هذا الانقسام النقدي المؤلم يعكس انقساماً سياسياً أعمق وأخطر، حيث تتصاعد معاناة الشعب مع كل يوم يمر دون إيجاد حل جذري للأزمة. مصير العملة الموحدة بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمصير الوحدة السياسية للبلاد، والشعلة الوحيدة للأمل تكمن في تسوية شاملة قادرة على إعادة توحيد اليمن المقسم.
قد يعجبك أيضا :
 
									 
					