
صدر الصورة، AFP via Getty Images
التعليق على الصورة، زياد الرحباني خلال مشاركته في مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز الدورة الثانية عام 2010Article InformationAuthor, محمد همدرRole, بي بي سي عربي – بيروت
قبل 24 دقيقة
انطلقت أمس أولى أمسيات مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز في دورة جديدة تحمل اسم الموسيقي اللبناني زياد الرحباني.
يثابر المهرجان في عامه السابع عشر على تقديم هذا اللون الموسيقي للجمهور المصري في أكثر من موقع بالعاصمة وعلى مدى عدة أيام.
وكعادته، يستضيف فرقاً وعازفين من مصر والعالم، قد لا تكون جميعها مدرجة أو مصنفة تحديداً في خانة موسيقى الجاز.
وينشط العديد من الفنانين والفنانات العرب في هذا المجال، وقد تجاوز نجاح بعضهم حدود بلاده ليحجز مكاناً في مهرجانات الجاز العالمية.
وشاعت تسمية “جاز شرقي” لوصف نمطِ يمزج بين آلات أو أنغام تحمل ثقافة شرقية وأخرى غربية، وغالباً ما يخلط بينها وبين أسلوب “الفيوجن” الذي يقوم على مزج الأنغام والأصوات من ثقافات مختلفة.
ومن الأسماء المعروفة اليوم في عالم الجاز المعاصر: ربيع أبو خليل، وتوفيق فروخ، وأنور إبراهيم، وطارق يمني، وفتحي سلامة، وريما خشيش، وإبراهيم معلوف، إلى جانب العديد من الأسماء الأخرى.
لكن هناك أيضاً أسماء في عالم الجاز الآتي من الشرق انطلقت من أنغام وإيقاعات المدرسة القديمة – الجاز الأصلي – وينسب لها الفضل في بدايات انتشار هذا النمط الموسيقي في المنطقة.
وقد استطاع هؤلاء، حين أرادوا، التحرر تماماً من عباءة الثقافة الشرقية أو من تأثير آلاتها في التوزيع الموسيقي.
ويكرّم المهرجان في دورته الحالية زياد الرحباني، مخصصاً له حفل الختام وندوة بعنوان “صوت التمرد”، إلى جانب تكريم رائدي موسيقى الجاز في مصر صلاح رجب ويحيى خليل.
وفي ما يلي لمحة عن تجارب الموسيقيين الثلاثة ودورهم في تطوير المشهد الموسيقي العربي.
زياد الرحباني
“شعرنا أن أول وأسرع اتصال بين موسيقانا والموسيقى في العالم جاء بواسطة الجاز.”
بهذه العبارة لخصت إحدى العازفات في ألبوم “هدوء نسبي” رؤية ذلك الجيل للموسيقى، في فيلم وثائقي صور أثناء تسجيل الألبوم عام 1985، حين حرص زياد الرحباني على شرح موسيقى الجاز التي قدمها في أغنياته قبل صدور العمل.
قد يكون زياد الرحباني (1956 – 2025)، الذي يكرمه مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز في هذه الدورة، الاسم الأول الذي يخطر في البال عند الحديث عن موسيقيي الجاز في العالم العربي. فقد عزف الرحباني كل شيء تقريباً في الموسيقى، غير أن تجربته مع الجاز كانت الأكثر ثراءً وتنوعاً.
تجلت فرادة تجربته في قدرته على إنتاج عملٍ متكامل العناصر: لحنٌ وتوزيعٌ وكلمات عربية مغناة، في ما يشبه صيغة أغنية جاز محلية كاملة لا تكتفي بمزج الآلات الشرقية بإيقاعات الجاز المألوفة.
وفي تقديمه للألبوم في الفيلم الوثائقي المصور في الثمانينيات، قال الرحباني: “أخي المواطن، هذه الموسيقى ليست شرقي وغربي ملحمين عبعضن ولا فرنكو أراب، هذه الموسيقى نوع بحد ذاته، فينا نسميه نوع لبناني.”
حمل زياد الرحباني أغاني الجاز التي ألفها أبعاداً رومانسية وسياسية ونقدية وساخرة، وأحياناً مجرد حكايات بسيطة من يومياته، مقدماً من خلالها صوتاً موسيقياً فريداً جمع بين حس التجريب وروح المكان.
العامل الآخر في بصمة زياد الرحباني في موسيقى الجاز كان مصاحبة صوت فيروز.
فقد غنت فيروز بأسلوب هادئ في أعمال مثل “عندي ثقة فيك” و”صباح ومسا” و”شو بخاف” (استعادة للحن “مانها دي كارنفال”)، بينما أدت بقوة لافتة أغنيات مثل “كلمة كلمة يا حبيبي” (المستوحاة من “لابامبا”) و”ما بوشي”.
أما الأمثلة على الجاز المتنوع، من اللاتيني إلى الكلاسيكي، الذي قدمه الرحباني في ألحانه الخاصة أو في إعادة صياغته لأعمال معروفة، فكثيرة، من بينها “ضحكة الـ75 ألف”، و”وصله عبيته”، و”شو عدا ما بدا”، و”Un Vers chez nous”، و”مش بس تلفنلي”، و”رمادي عرصاصي”، و”إذا بعد في مجال”، و”أمراض داخلية مزمنة”.
كما عكس الرحباني روح الجاز التي كانت سائدة في عصره، من أواخر السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، كما في “روح خبر” (استعادة لأغنية “On My Mind” لجو سامبل) و”أمراض داخلية مزمنة”، أو في المعزوفات الشهيرة مثل “أبو علي” و”ميس الريم”.
وفي سعيه لتقريب موسيقى الجاز من الجمهور الأوسع، قال الرحباني إن القاسم الأساسي المشترك بين موسيقانا وموسيقى الجاز هو “التقسيم أو التفريد”، مضيفاً: “كيف تسمع الجملة الكلامية ذاتها أربعين مرة بنغم مختلف في حوار بين آلتين؟” وربط ذلك بما سماه “السلطنة”، موضحاً أن هذا الإحساس بالطرب موجود في الجاز تماماً كما هو في الموسيقى الشرقية.

صدر الصورة، Getty
التعليق على الصورة، لويس أرمسترونغ يعزف أمام زوجته إلى جانب الإهرامات في القاهرة
صلاح رجب

صدر الصورة، classiccomposers.forumegypt.net
التعليق على الصورة، صلاح رجب
كان صلاح رجب (1936 – 2008) ضابطاً في الجيش المصري وضابط الإيقاع في فرقة “كايرو جاز باند” التي أسسها عام 1968. عزف الجاز مضيفاً إليه آلات وأصواتاً وحكايات من البيئة المصرية، كما في مقطوعة “رمضان” التي تبدأ بإيقاعات نداء السحور التقليدية، ومقطوعة “العبور” التي تشير إلى عبور قناة السويس في حرب أكتوبر 1973.
انطلق رجب في معزوفاته من القوالب المألوفة في موسيقى الجاز، وعكس بدوره النمط السائد في عصره. وقد تميزت فرقة “كايرو جاز باند” باستخدام آلات النفخ بشكل أساسي، مع حضور واضح للآلات الغربية، بينما أضاف رجب أحياناً لمسة شرقية بصوت أو آلة كما في مقطوعة “إيجيبت سترات”، حيث تتولى آلتا الترامبيت والمزمار أداء التقسيم الشرقي.
كانت الفرقة من نوع Jazz Big Band، وتضم أكثر من عشرين عازفاً، وتركز على أداء المقطوعات ذات الإيقاع السريع من الجاز الغربي أو اللاتيني.
تعاون صلاح رجب مع المؤلف والعازف الأمريكي “سان را” (1914 – 1993)، ودعاه إلى مصر، حيث عزف إلى جانبه في عدد من الحفلات التي شكّلت جسراً مبكراً بين موسيقى الجاز المصرية والعالمية.

صدر الصورة، classiccomposers.forumegypt.net
التعليق على الصورة، كايرو جاز باند
كان والد صلاح رجب ضابطاً في الجيش الملكي المصري، لكن رجب نفسه التحق بالجيش عام 1957 في عهد جمهورية جمال عبد الناصر. وانضم إلى الفرقة الموسيقية العسكرية، حيث تعرّف خلال دراسته على عازف الساكسفون الأمريكي عثمان كريم، الذي كان قد قدم إلى مصر لدراسة الإسلام هرباً من العنصرية في الولايات المتحدة، وفق ما يذكر موقع “وورلد جاز”.
أسس الاثنان معاً أول فرقة جاز في مصر، قبل أن تتشكل لاحقاً فرقة “كايرو جاز باند” التي توقفت بعد حرب عام 1973. وبعد تقاعده من الجيش، واصل رجب نشاطه الموسيقي، فعزف وسجل أعمالاً إلى جانب الموسيقي الأمريكي سان را في الثمانينيات.
توفي صلاح رجب عام 2008، وأصدرت شركة إنتاج بريطانية عام 2017 ألبوماً بعنوان “جاز مصري”، يضم مقطوعات لفرقة “كايرو جاز باند” تعود إلى الفترة بين عامي 1969 و1973.
عبّر رجب عن هويته المصرية من خلال موسيقى الجاز التي التزم بها، مضيفاً إليها لمسات محلية من خلال الآلات أو الأصوات، كما في أغنية “خان الخليل” التي تعكس إيقاع الأحياء الشعبية القديمة بصخبها وزحمتها. وكانت ملامح الهوية المصرية حاضرة أيضاً في اختياره لأسماء مؤلفاته، مثل “كليوباترة” و”ميرفت” و”لاتينو في القاهرة”.
يحيى خليل

صدر الصورة، Mohammed Moussa
التعليق على الصورة، يحيى خليل
يواصل يحيى خليل، عازف الدرامز المصري، نشاطه الموسيقي منذ بداية ستينيات القرن الماضي. ولد خليل عام 1943 في مصر، وبدأ العزف في أول فرقة موسيقية وهو في السابعة عشرة من عمره.
هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1965 لدراسة الموسيقى، وهناك تعرّف على عدد من أبرز العازفين في الساحة الأمريكية، وعزف إلى جانب نجوم كبار مثل عازفي الروك إريك كلابتون وجيمي هندريكس، وكذلك إلى جانب عازف الترومبيت الشهير ديزي جيلبسي.
أثّرت تجربة خليل في الولايات المتحدة في مساره الفني، إذ عاصر أحداثاً سياسية واجتماعية تركت بصمتها على الموسيقى الأميركية، من بينها حرب فيتنام، وصعود حركة الهيبيز، وحملات النضال ضد التمييز العنصري.
عاد خليل إلى مصر عام 1980، حاملاً معه خبرة موسيقية واسعة، وأسهم في تطوير المشهد المحلي من خلال أعماله وتعاونه مع عدد من الفنانين، أبرزهم محمد منير، إذ شارك في تلحين وتوزيع أغنيات ألبوم “شبابيك”، وفق ما ذكره في مقابلة تلفزيونية.
يظهر يحيى خليل في حفلاته الجانب الأكثر التصاقاً بموسيقى الجاز مقارنة بإصداراته المسجلة. ويعرف بأسلوبه المميز في دمج روح الجاز بالعناصر المحلية، كما يتجلى ذلك في أعمال من ألبومه “إيقاع الروح” مثل “كريشندو” و”بحلم بعالم غريب”.
