
بيروت – «القدس العربي»: عشرات الملصقات بعضها يعود لستينيات القرن العشرين عُرضت للجمهور في مُلتقى السفير. كانوا كثراً في الافتتاح ومن أجيال مختلفة. بعضهم دفعته حشرية المعرفة للقاء بصري جسّدته ملصقات معرض «في البدء كانت … المقاومة». بعض هذا الجمهور ولد وكبر خارج ذاك الزمان وربما المكان أيضاً، فأتى باحثاً عن مرحلة كانت سمتها مقاومة واضحة وصريحة للاستعمار والاستيطان والاستبداد في شتى أرجاء العالم. وآخرون جذبتهم معرفة وثيقة بماضٍ مقاوم جمع حوله فنانين من كافة القارات. ماضٍ قرّب فيتنام من فلسطين، ومن جنوب افريقيا وكوبا. تحررت فيتنام بعد بطولات ما تزال تُذكر، وتواصل فلسطين جلجلتها في مواجة الاستعمار الصهيوني الاحتلالي.
يعود تاريخ الملصق لعصور قديمة. فقبل عصر الطباعة كان الحجر لوحة إعلانية لجأت إليها السلطات الحاكمة، لتُخبر الناس بما تريده. وفي المدن الأوروبية لجأ بعضهم إلى لوح خشبي للإعلان. تطور المُلصق في بدايات القرن التاسع عشر إلى شكله الحديث مع اختراع الطباعة الحجرية الملونة. وشهد القرن المنصرم تطوراً كبيراً جداً، بل ثورة في عالم الإعلان والملصق. ملصق بالصورة الملونة امتدّ ليشمل كدعاية كافة نواحي الحياة، منها السينما والحياة الاجتماعية والحروب أيضاً.
عربياً إزدهر الملصق المقاوم مع بدء المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني على ارض فلسطين. تطوّر وبات غنياً وغزيراً مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. ملصق شارك في صياغة رؤيته الفنية والسياسية فنانون من فلسطين وللدول العربية والعالم. مع تلك المرحلة التي شهدتها بيروت كان اللقاء مع معرض الملصقات استذكارياً ممزوجاً بالحنين، والإيقاع الحميم. ضمّ المعرض نسخاً من ملصقات مختارة لفنانين طليعيين امتلكوا إلى الرؤية الفنية الثاقبة، القدرة على الخلق والإبداع. عبر تلك الملصقات كانت رحلة بصرية غنية، ذات زخم مقاوم أعادت المتبصّر فيها إلى زمن الستينيات وبداية السبعينيات، حين كانت الشعوب تنتزع استقلالها وحريتها من الاستعمار بأسنانها وبدماء غزيرة.
وقّع تلك الملصقات مبدعون من فيتنام وكوبا والبرازيل وجنوب أفريقيا وفلسطين ولبنان وسوريا، وغيرها من بلدان التماس مع الإرهاب الإمبريالي وهيمنته، وغيرهم من الفنانين الذين واكبوا منظمة التحرير خلال وجودها في لبنان. وأتى التبصّر فيما قدّموه مغموراً بالتقدير والتساؤل الضمني، أين نحن الآن وأين هو الأمس؟ لكنّها مرحلة شكلت وما تزال اللبنة الأساس في مواصلة المقاومة، وبخاصة للشعب الفلسطيني في صراعه مع أشرس قوى الاستعمار.
ملصقات وفيرة ضمّها المعرض للمبدع السوري يوسف عبدلكي وفي مراحل مختلفة، وأحدثها مقاومة غزّة لحرب الإبادة. وبدت لافتة بعددها وموضوعاتها ملصقات الفنان مارك رودين «جهاد منصور».
أحدثها يعود لسنة 1989 وموضوعها الانتفاضة في الضفة الغربية. إلى مُلصق يجسّد مذبحة صبرا وشاتيلا سنة 1982، وغيرها من الموضوعات التي أرخت بفن راق ومعبّر رمزياً عن نضال الشعب الفلسطيني. بالسؤال عن مارك رودين علمنا أنه مواطن سويسري تطوع مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، وحمل اسماً حركياً هو جهاد منصور.
إلى الموضوعات العالمية الشفّافة في تعبيرها كمثل المرأة الأفريقية الحافية القدمين التي تحمل طفلها على ظهرها، والبندقية بيدها اليمنى وباليسرى كتاباً للفنان إيموري دوغلاس، جسّدت الملصقات تحيات متعددة للنساء. نساء مقاومات من آسيا وافريقيا. ليليا يوسف جسّدت في ملصق حديث يعود لسنة 2025 جمهور نساء محتشدات من حزب الله ترفعن القبضات.
ملصقات بليغة التعبير والدلالات جمعتنا مجدداً مع الرواد أمثال بول غيراغوسيان، واسماعيل شموط وإميل منعم. بينها ملصق يعود لسنة 1968 يُذكّر بالقنبلة النووية على هيروشيما.

